واجه الرئيس اليوغوسلافي فويسلاف كوشتونيتسا، خلال الأسابيع القليلة التي تلت تسلمه السلطة، تحديات داخلية وعراقيل خارجية، لكنه تمكن من الصمود وواصل نهجاً مكن "الحركة الديموقراطية" التي يتزعمها من الفوز في الانتخابات الصربية، معتمداً على قوى صربية مؤثرة ودعم دول أوروبية أبدت تفهمها سلوكه الحذر. يتزعم كوشتونيتسا 56 عاماً "الحزب الديموقراطي الصربي" الذي يمثل برنامجه اسلوباً قومياً متميزاً، يقوم على "صون التقاليد والروابط الصربية المتوارثة داخل صربيا وخارجها، ويلتزم التطورات الديموقراطية أوروبياً في التعامل الاجتماعي". وهو بذلك شكل سبيلاً وسطاً بين التيارات السياسية التي تزيد على 200 حزب في صربيا حالياً: لم يقطع الصلات مع سلوبودان ميلوشيفيتش، ولم يستعجل الانتماء الى "حركة المعارضة الديموقراطية الصربية" فكان آخر تنظيم بين احزابها ال18 يدخل تحالفها وذلك في آذار مارس الماضي، بعدما ايقن ان التغيير السياسي اصبح ضرورياً "لإنقاذ صربيا من الانهيار التام". لكنه ظل الوحيد في المعارضة الذي يدين جهاراً، في التجمعات الجماهيرية، "اصرار الولاياتالمتحدة على الهيمنة على البلقان وما نتج عنه من عدوان الحلف الأطلسي على يوغوسلافيا". ويُعتقد ان هذا الموقف المنسجم مع مشاعر الصرب، اضافة الى الصفات الخاصة لكوشتونيتسا المتسمة بالتواضع والنزاهة والخجل، ضمنت له تأييد الناخبين الصرب. فوقف الى جانبه، اضافة الى المعارضين، كثيرون من اليساريين والمستقلين الراغبين في التغيير، اضافة الى الكنيسة الارثوذكسية الصربية. واختياره مرشحاً للرئاسة لم يكن من زملائه في حركة المعارضة، وانما بطلب من الناخبين الذين منحوه، في استطلاع مستقل للرأي سبق الترشيح، تقدماً كبيراً على زملائه المعارضين. ولا يزال يسود الاعتقاد بأنه الوحيد الذي كان قادراً على هزيمة ميلوشيفيتش. ولد كوشتونيتسا في بلغراد، وحصل على شهادة الدكتوراه في الحقوق 1974 في جامعتها التي عمل بعد ذلك نحو خمس سنوات استاذاً فيها، وهو متزوج من زوريتسا رادوفيتش دكتوراه في الحقوق، وممتلكاته تنحصر بشقة من غرفتين في بلغراد وسيارة عمرها عشر سنوات، وحوالى خمسة آلاف دولار تشكل توفير العمر. ويوصف بأنه النادر بين زملاء زعماء "الحركة الصربية الديموقراطية" الذي لم يكن شيوعياً أبداً، ودفع ثمن ذلك مطلع الثمانينات بإنهاء خدماته في جامعة بلغراد. دخل مجال الانتماء السياسي عام 1990 عندما سمحت سلطات يوغوسلافيا السابقة بالتعددية الحزبية، وأسس مع زوران جينجيتش "الحزب الديموقراطي"، لكنهما اختلفا في تحديد منهج الحزب، بعدما جعله رفيقه مدنياً، بينما اراده هو قومياً، فانفصل وشكل 1992 "الحزب الديموقراطي الصربي" الذي ظل متواضعاً في عدد مقاعده البرلمانية، لكنه برز على الساحة القومية عندما أقام تحالفاً مع الأحزاب العرقية لصرب البوسنة ومنها الحزب الذي كان يتزعمه رادوفان كاراجيتش وكرواتيا صرب كرايينا. ولا يخفي الرئيس كوشتونيتسا انه في موقف لا يحسد عليه نتيجة الصعوبات المتنوعة التي يتعامل معها، وفي مقدمها داخلياً: الوضع في كوسوفو الذي يصفه ب"المشكلة المعقدة" حيث يرفض زعماء الألبان الحلول التي لا تؤدي الى استقلال الاقليم الكامل، وهو ما لا يمكن ان يقبله كوشتونيتسا، مما جعل حتى الحوار بين الطرفين في طريق مسدود، وحملت العمليات الالبانية المسلحة في جنوب صربيا، المحاذي لكوسوفو، عبئاً اضافياً على بلغراد في مشكلتها مع الالبان. وعلى رغم العراقيل التي يضعها أمامه رئيس الجبل الأسود ميلو جوكانوفيتش الراغب في انفصال الجمهورية عن الاتحاد اليوغوسلافي، فإن هذه القضية يعتبرها كوشتونيتسا خاصة بشعب الجبل الأسود الذي يرفض قطاع واسع منه الانفصال. أما مطالب الاقليات العرقية، خصوصاً المسلمة البوشناقية في منطقة السنجاق جنوب غربي صربيا والمجرية في اقليم فويفودينا شمال صربيا فإنه يعتبرها سهلة الحل لأنها تخص الادارة الذاتية التي لا ترقى الى الانفصال. وعلى الرئيس اليوغوسلافي ان يعالج التدهور في الوضعين الاقتصادي والأمني. كما عليه تحمل معاناة تباين الآراء واطماع السلطة التي تسود "الحركة الديموقراطية الصربية" التي لا يزال جزءاً منها، خصوصاً ممارسات غريمه السياسي السابق التي لا تروق له رئيس "الحزب الديموقراطي" زوران جينجيتش وقطب الحركة الحالي الذي يفرض نفسه "قائد الثورة التي اطاحت بميلوشيفيتش"، مما يمنحه الحق حتى في ان يعلو رسمياً على "منافسه" رئيس الجمهورية، والى حد اشهار جينجيتش التهديد بدعم الولاياتالمتحدة والمانيا له. في السياسة الخارجية تتركز مصاعب كوشتونيتسا في الضغوط الاميركية الشديدة التي لا يزال يقاومها "بعناد" الى حد تجاهل الدعوة التي وجهتها واشنطن اليه لزيارتها، ورفض طلب وزيرة الخارجية مادلين اولبرايت الاجتماع معه اثناء وجودهما في المؤتمر الأوروبي في فيينا. ويواجه بلقانياً "عثرات" من الرئيسين: الكرواتي ستيبي ميسيتش والسلوفيني ميلان كوتشان اللذين لا يخفيان رغبتهما في تشتيت أوصال ما بقي باسم يوغوسلافيا وبالتالي صربيا نفسها. لكن الرئيس اليوغوسلافي يحظى بدعم قوي من فرنسا وايطاليا واليونان والنروج والنمسا، ومن ثم الاتحاد الأوروبي الذي جاء مفوضه رومانو برودي ايطالي الى بلغراد ليعلن ان أوروبا تدعم كوشتونيتسا سياسياً واقتصادياً ودولياً، "وهي مرتاحة الى النهج الذي يسلكه". ويرى مراقبون ان موقف أوروبا المساند له، نابع من اعتبارها انها صاحبة الحق في حل مشاكل الجزء البلقاني من البيت الأوروبي، بمعزل عن "وصفات الهيمنة الاميركية" التي تحملتها أوروبا على مضض طوال السنوات السبع الأخيرة.