تجددت الاشتباكات أمس في الضفة الغربية وقطاع غزة، بين الفلسطينيين والجيش الاسرائيلي، على خلفية الزيارة الاستفزازية التي قام بها أرييل شارون زعيم حزب ليكود الى الحرم القدسي الشريف أول من أمس، محاطاً بالمئات من رجال الشرطة، في استعراض اسرائيلي للقوة أثار حفيظة الآلاف من المؤدين لصلاة الجمعة. وكانت حصيلة اشتباكات أمس خمسة عشر شهيداً، حسب المصادر الفلسطينية الرسمية، بعضهم استشهد في قطاع غزة، وبعضهم في الضفة الغربية، بينما تجاوز عدد الجرحى 500 شخص. وبعد تصاعد الاشتباكات، تم عصراً اتصال بين الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي على مستوى أمني، لترتيب وقف لاطلاق النار، وذلك بعد تدخلات دولية واسعة كان أبرزها التدخل الأميركي من خلال وزيرة الخارجية مادلين اولبرايت. وأعلن الجنرال شاول موفاز رئيس الأركان الاسرائيلي قرار وقف اطلاق النار بصيغة تحمل الفلسطينيين مسؤولية الانفجار، متناسياً ان القتلى كلهم فلسطينيون، وان الجرحى أصبحوا بالمئات، فقال للصحافيين ان قرار وقف النار صدر بعد محادثات مع مسؤول الأمن الوقائي في غزة محمد دحلان ونظيره في الضفة الغربية جبريل رجوب. وأضاف: "لقد تحدثت مع دحلان ورجوب وقررنا وقف اطلاق النار"، ولكن المراقبين يتساءلون بحذر عما إذا كان هذا القرار سيدخل حيز التنفيذ أم لا. وادعى موفاز ان "المفتاح بيد الفلسطينيين وعليهم ان يأمروا عناصر فتح بوقف اطلاق النار". وختم معتبراً أن مواجهات أمس يمكن أن يكون مردها الى "فقد السلطة الفلسطينية السيطرة على قواتها، أو الى تعليمات صادرة من أعلى". وتتجاهل هذه التصريحات الاسرائيلية حالة الغضب الشعبي العارم في أوساط الفلسطينيين، بسبب المسجد الأقصى، ثم بسبب ارتفاع نسبة الشهداء والجرحى. وأفيد مساء ان حدة المواجهات خفت في المدن الفلسطينية الرئيسية، وتقلص عدد المتظاهرين قرب مستوطنة نتساريم في قطاع غزة. وبرزت في اشتباكات أمس ظواهر ميدانية جديدة، وأخرى سياسية. وكان أبرز الظواهر الميدانية اتساع الاشتباكات لتشمل مدن الضفة الغربية: القدس، نابلس، الخليل، رام الله، بيت لحم ومدن قطاع غزة، وبخاصة قرب المستوطنات، خصوصاً مستوطنة نتساريم التي تقع وسط القطاع. ومن الظواهر الميدانية اشتراك أفراد من الشرطة الفلسطينية في اطلاق النار على الجنود الاسرائيليين، بعد ازدياد كثافة اطلاق النار على المواطنين من قبل الجيش الاسرائيلي، وكذلك مبادرة المتظاهرين الغاضبين الى اطلاق النار على الجنود الاسرائيليين. وقد بادر الجنود الاسرائيليون، لليوم الثاني على التوالي، الى اطلاق النار بغزارة، أدت الى ارتفاع عدد الاصابات التي شملت رجال شرطة، وسائقي عربات اسعاف، وأطفالاً. وقد دفع هذا الوضع الرئيس عرفات لاتهام الجنود الاسرائيليين بتعمد القتل، وقال عصمت عبدالمجيد الأمين العام للجامعة العربية، ان عرفات أبلغه عند الاجتماع به أمس، ان الجيش الاسرائيلي "استهدف التصويب على الرؤوس" متعمداً قتل فلسطينيين، وأن ممارسات الجيش تبرهن على أن الجنود لديهم تعليمات بالتصويب على رؤوس المواطنين والمصلين الفلسطينيين". اولبرايت تهدد وعبرت أكثر من دولة غربية عن انزعاجها من المواجهات في القدس، وكان من أبرزها الموقف الأميركي من خلال وزيرة الخارجية مادلين اولبرايت، التي قالت خلال مؤتمر صحافي في ريكيافيك مع نظيرها الايسلندي: "نحن في مرحلة حساسة جداً من المفاوضات، وأعمال العنف تنعكس سلباً عليها". وأضافت بما يشبه التهديد: "يجب وقف العنف"، وأوضحت انها تحدثت الى كل من شلومو بن عامي وزير الخارجية الاسرائيلي بالوكالة، والرئيس عرفات، وأكدت لهما "أهمية ضبط النفس". وتصاعد التحرك السياسي العربي في التفاعل مع الحدث، فدعت جامعة الدول العربية الى اجتماع اليوم ينعقد على مستوى السفراء للبحث في الوضع المتفجر. وأعلن الدكتور عبدالمجيد أن مجموعة الدول العربية في الأممالمتحدة ستجتمع غداً في نيويورك للبحث في الخطوات التي ينبغي اتخاذها. ووجه عبدالمجيد رسالتين الى كل من وزير خارجية فرنسا هوبير فيدرين ورئيس مجلس الأمن الدولي بخصوص أحداث القدس. وطالب الفلسطينيون أول من أمس مجلس الأمن الدولي ب"ادانة أعمال العنف" التي قامت بها القوات الاسرائيلية. تحرك شعبي عربي وفي هذا السياق تظاهر نحو خمسة آلاف طالب مصري أمس، في حرم جامعة الاسكندرية احتجاجاً على المجازر الاسرائيلية في الحرم القدسي، ودعا المتظاهرون الدول العربية الى التحرك لانقاذ الحرم. وتظاهر السكان الفلسطينيون في مخيمي عين الحلوة قرب صيدا، وبرج الشمالي قرب صور للهدف نفسه، وهتفوا ضد شارون الذي أدت زيارته للحرم الى انفجار المواجهات، والذي يحتفظ فلسطينيو لبنان بذكرى مرة عنه باعتباره راعي مجزرة صبرا وشاتيلا في العام 1982، وحمل المتظاهرون لافتات تطالب بمحاسبته على تلك المجزرة. وبادر الرئيس المصري حسني مبارك، بعدما التقى عرفات، الى الاتصال برئيس الوزراء ايهود باراك لضبط الوضع وإيقاف العنف، ولكن باراك رد على طريقة الجنرال موفاز، واصفاً الجيش الاسرائيلي بأنه يمارس "أقصى درجات ضبط النفس"، وداعياً السلطة الفلسطينية الى السيطرة على المتظاهرين.