} السيد المحرر، تحية طيبة وبعد، اطلعت على اللقاء الذي اجرته صحيفتكم مع جمال البنا، يوم الخميس 15/9/1420ه، ودعا الى غربلة السنة النبوية المطهرة، وألفيت اللقاء معه مليئاً بالأخطاء الشرعية والعقدية، وهذا ليس بغريب من كاتب يعلن صراحة انه يقدم عقله على نصوص الشرع. والكاتب كما يفوح من كلامه ينتمي الى مدرسة المعتزلة القديمة، التي اتباعها مشهورون برد الأحاديث النبوية المطهرة فقط لأنها لا تناسب عقولهم وأمزجتهم. وليس ببعيد منا ما فعله أحد كبارهم من رده لحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي أورده البخاري في صحيحه الذي قال فيه: "إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه، ثم ليترعه، فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء"، فما كان من ذلك المعتزلي القديم الا ان رد الحديث وكذبه وحكم عليه بالوضع لأنه يخالف الذوق والنظافة. وبعد سنوات من حملته الشعواء التي شنها على حديث الذبابة هذا، اذ به يسكن ويهدأ وتخف لهجته وحدته، ويفاجأ العالم الاسلامي بأن الحديث أصبح مقبولاً عنده، لأنه اطلع على رسالة دكتوراه من اميركا أثبتت فيها البحوث المختبرية ما أتى به حديث النبي صلى الله عليه وسلم، فما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم نتوقف في قبوله حتى تأذن بذلك اميركا فأي دين هذا؟ أما ما جاء في كلام البنا، فلن يتسع المقام للرد عليه كله، ولا يستحق أن يُرد عليه أصلاً لأن دين الله تعالى ليس ألعوبة يتكلم فيه كل من شاء بما شاء، ولكني ألفت انتباه القارئ الكريم الى حديث واحد من الاحاديث الثلاثة التي يتزعم البنا انها أدت الى تراجع المجتمع الاسلامي وتخلفه، وهذا الحديث هو قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي يرويه احمد والبخاري وأصحاب السنن: "من بدل دينه فاقتلوه"، فالاستاذ البنا يرى ان الحديث باطل لا يصح، لأنه بزعمه يتعارض مع الآيات القرآنية كقول الله تعالى: "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"، والأمر في هذه الآية وعيد وتهديد وليس هو للتخيير، انما هو كقول الله تعالى: "فاعبدوا ما شئتم من دونه" وقوله تعالى: "اعملوا ما شئتم"، فبفهم كفهم البنا يستطيع الانسان ان يعبد ما يشاء ويزني ويشرب الخمر ويسرق ويقتل ويقول ان الله تعالى قال "اعملوا ما شئتم"، وهذا ما قاله مسلم ولا زنديق من قبل، وأما قول الله تعالى: "ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً، أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين"، فمعناه ان الله تعالى هو الذي يشرح الصدور للايمان، وأنه ما يجب على النبي صلى الله عليه وسلم إلا هداية الدلالة والإرشاد، بينما هداية التوفيق هي لله تعالى فقط، وهذا نظير قول الله عز وجل: "إنك لا تهدي من أحببت، ولكن الله يهدي من يشاء"، فلا تعارض بين الآيات وبين الحديث الا في فهم البنا. وتضعيف الحديث أمر مشكل وخطير للغاية، اذ ان تضعيفه بفهم البنا يقتضي ان نسقط أحاديث متفق على صحتها، كقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أمرت ان أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله"، فهل يقول البنا ان هذا الحديث ايضاً مردود وباطل؟ وهل يسقط البنا فريضة الجهاد والقتال في سبيل الله لأن في ذلك دفع وإكراه للناس على الإيمان أو دفع الجزية أو الموت؟ لا شك في أن أول الفرحين بأطروحات البنا هم الذين يطعنون في الدين من الكفار والعلمانيين، لأنها تسمح لهم بالطعن في دين الله وبث الاكاذيب والزندقة والكفر، كما فعل غيره ... والقائمة طويلة يخيل للناظر انها لا نهاية لها، ولكن فرج الله تعالى قريب، يقول الله عز وجل: "يريدون ان يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا ان يتم نوره ولو كره الكافرون". جدة - عاصم بن لقمان يونس الحكيم كاتب متعاون في صحيفة "المدينة" وخطيب جامع جعفر الطيار.