صندوق الاستثمارات العامة وشركة "علم" يوقّعان اتفاقية لاستحواذ "علم" على شركة "ثقة"    استشهاد 10 فلسطينيين في جنين    ارتفاع أسعار الذهب إلى 2748.58 دولارًا للأوقية    «الأونروا» تؤكد أن عملية إعادة إعمار غزة تفوق قدراتها    كعب «العميد» عالٍ على «الليث»    فرصة هطول أمطار رعدية على عدة مناطق    الاتحاد والشباب.. «كلاسيكو نار»    وفاة مريضة.. نسي الأطباء ضمادة في بطنها    اعتباراً من 23 رجب.. حالة مطرية «سابعة» تترقبها السعودية    انخفاض في وفيات الإنفلونزا الموسمية.. والمنومون ب«العناية» 84 حالة    محافظ الخرج يزور مهرجان المحافظة الأول للتمور والقهوة السعودية    سكان جنوب المدينة ل «عكاظ»: «المطبّات» تقلقنا    وزير الخارجية من دافوس: علينا تجنّب أي حرب جديدة في المنطقة    10 % من قيمة عين الوقف للمبلّغين عن «المجهولة والمعطلة»    قطة تتقدم باستقالة صاحبتها" أون لاين"    حماية البيئة مسؤولية مشتركة    تأسيس مجلس أعمال سعودي فلسطيني    سيماكان: طرد لاعب الخليج «صعّب المباراة»    دوري" نخبة آسيا" مطلب لجماهير النصر    في الجولة 18 بدوري" يلو".. الباطن في مواجهة العين.. وأحد يصطدم بالحزم    الرياض تستعد لمؤتمر«ليب»    خادم الحرمين وولي العهد يُعزيان الرئيس التركي في ضحايا حريق «منتجع بولو»    وفد "الشورى" يستعرض دور المجلس في التنمية الوطنية    وفاة الأمير عبدالعزيز بن مشعل بن عبدالعزيز آل سعود    تعديل قراري متطلبات المسافات الآمنة حول محطات الغاز.. مجلس الوزراء: الموافقة على السياسة الوطنية للقضاء على العمل الجبري بالمملكة    ولي العهد يرأس جلسة مجلس الوزراء    المكاتب الفنية في محاكم الاستئناف.. ركيزة أساسية لتفعيل القضاء المؤسسي    علي خضران القرني سيرة حياة حافلة بالعطاء    إيجابية الإلكتروني    شيطان الشعر    أبواب السلام    إنستغرام ترفع الحد الأقصى لمقاطع الفيديو    كيف تتخلص من التفكير الزائد    عقار يحقق نتائج واعدة بعلاج الإنفلونزا    "رسمياً" .. البرازيلي "كايو" هلالي    الدبلوماسي الهولندي مارسيل يتحدث مع العريفي عن دور المستشرقين    بيتٍ قديمٍ وباب مبلي وذايب    يا كثر زينك لو انك ما تزينتي    تأملات عن بابل الجديدة    حفل Joy Awards لا يقدمه إلا الكبار    ضبط تسع شركات استقدام مخالفة    خطة أمن الحج والعمرة.. رسالة عالمية مفادها السعودية العظمى    الرئيس ترمب.. و«إرث السلام»!    محاذير المواجهة ضد قسد    بيع المواشي الحية بالأوزان    متلازمة بهجت.. اضطراب المناعة الذاتية    دهن سير الشهرة بزيت الزيتون    في جولة "أسبوع الأساطير".. الرياض يكرّم لاعبه السابق "الطائفي"    جامعة الأمير سطام تُتوج بكأس الجامعات لكرة القدم "ب"    مفوض الإفتاء في جازان: المخدرات هي السرطان الذي يهدد صلابة نسيجنا الاجتماعي    فهد بن محمد يرأس اجتماع «محلي الخرج»    سعود بن نايف يكرم سفراء التفوق    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على عبدالعزيز بن مشعل    حرس الحدود بمكة ينقذ مقيمين تعطلت واسطتهما البحرية    نائب أمير تبوك يتسلم التقرير السنوي لفرع وزارة الموارد البشرية    انطلاق المرحلة الأولى من برنامج "سفراء المحمية"    برئاسة نائب أمير مكة.. لجنة الحج تستعرض مشاريع المشاعر المقدسة    محافظ جدة يطلع على برامج إدارة المساجد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لا يزال خطر الخوارج مستمراً على قليلي العلم والبصيرة من الشباب العاطفي المندفع
في بيان تأصيلي عن التطرف والغلو في باب الحكم على الناس.. د. الشبل ل «الرياض»:
نشر في الرياض يوم 10 - 06 - 2005

أبان الشيخ الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل الأستاذ بقسم العقيدة والمذاهب المعاصرة بجامعة الإمام محمد بن سعود بأن الخوارج غلت في أحكامها، حيث أكدت بأن صاحب الكبيرة اسمه في الدنيا كافر حلال الدم والمال وحكمه يوم القيامة أنه مخلد في نار جهنم.
كما أوضح الشيخ الشبل أن أثر الغلو في الأسماء والأحكام أمر خطير جداً وقال إن خطر أولئك الخوارج لا يزال مستمراً حتى ظهرت في هذا الزمان طائفة تنادي باسمهم كجماعة التكفير والهجرة التي تأثر بها وبأقوالها طوائف من قليلي العلم والبصيرة من الشباب العاطفي المندفع وقال في الحوار التالي:
٭ ما الأسماء والأحكام ما ثمرة هذا في مسمى الإيمان وحقيقته؟
- هذا المصطلح حادث لم يكن معروفاً عند الرعيل الأول من السلف الصالح، وإن كان موجوداً بمعناه وأحكامه.
فالأسماء: هو ما يسمى العبد به في الدنيا من الأسماء الدينية: مؤمن، كافر، فاسق، عاصٍ، منافق...
والأحكام: هو ما يحكم عليه به في الآخرة: في الجنة أو مخلد في النار أو غير مخلد فيها.
وهذا المبحث هو ثمرة الخلاف في مسمى الإيمان وحقيقته، ومسمى الكفر وحقيقته فكل من كان له قول في الإيمان تجد له في نهاية قوله تقريراً في حكم العبد في الآخرة، واسمه في الدنيا.
لأجل هذا سيكون الكلام ابتداء على الغلو في باب الإيمان بين الطوائف ويتضمن الأسماء والأحكام كنتيجة له.
أهل السنة والجماعة يعتقدون أن الإيمان يكون بثلاثة أمور:
«قول باللسان»، «اعتقاد بالقلب والجنان»، «عمل بالجوارح والأركان».
مع زيادته بطاعة الرحمن، ونقصانه بطاعة الشيطان، وأصل هذا القول مستفاد من استقراء الكتاب والسنة، وفهم الصحابة لهما، ودلالة لغة العرب لألفاظهما.
وعليه فالعبد عند أهل السنة بمقتضى النصوص اسمه في الدنيا مؤمن ما لم يكن صاحب كبيرة مفسقة أو مكفرة.
فإن كانت له مفسقة فيسمونه مؤمناً ناقص الإيمان بحسب معصيته، أو مؤمناً فاسقاً، ويعامل معاملة المسلمين إلا في الشهادة ونحوها، وهو يوم القيامة من أهل الجنة تحت مشيئة الله إن شاء عذبه بكبيرته أو غفر له برحمته، وإن عذبه بها فإن لا يخلد في نار جهنم لأنه مسلم معه أصل الإيمان.
وإن كانت بدعة مكفرة فيقام عليه حكم الردة، ويسمونه كافراً لاجراء أحكام الكافر عليه، وهو يوم القيامة - أي الكافر - مخلد في النار، لكنهم لا يشهدون لمعين - ولو أقيم عليه حد الردة - أنه من أهل النار المخلدين فيها، لعدم اطلاعهم على ما ختم الله به عمله من توبة نصوح.
وكذلك الشهادة بالإيمان، لا يشهدون لمعين بأنه من أهل الجنة، إلا من نص عليهم الدليل كالعشرة المبشرين بالجنة وعكاشة بن محصن ونحوهم رضي الله عنهم أجمعين.
٭ ما الفرق والطوائف الغالية في هذا الشأن؟
- اتفق الخوارج والمعتزلة وهم الوعيدية، مع أهل السنة على تعريف الإيمان وفارقوهم في تطبيقه حتى غلو وتطرفوا في الأسماء والأحكام.
فغلت الخوارج وقالت: صاحب الكبيرة اسمه في الدنيا كافر حلال الدم والمال، وحكمه يوم القيامة أنه مخلد في نار جهنم.
وقالت المعتزلة: هو - أي صاحب الكبيرة - في منزلة بين المنزلتين ليس بمؤمن ولا كافر، هذا في الدنيا وربما يسمونه فاسقاً، لكن على غير معناه عند أهل السنة والجماعة، بل فسقاً ينقله عن مرتبة الإيمان ولا يدخله إلى دركة الكفر، وحكمه يوم القيامة أنه خالد مخلد في النار.
فاختلافهم مع الخوارج في اسمه في الدنيا، فلم يصرحوا بقول الخوارج مع أنهم وافقوهم في الحكم الأخروي الذي يكون نتيجة لما قبله من عمل، ولهذا سموا «مخانيث الخوارج»؟!.
وقالت الجهمية، والصالحية - أصحاب أبي الحسن الصالحي المعتزلي - والثوبانية، والغسانية - أتباع يونس بن عون النميري - والشبيبية - أتباع محمد بن شبيب - وكذا قال غيلان بن مسلم الدمشقي قالوا: الإيمان هو المعرفة والإقرار بالله ورسوله بالقلب فقط، وإن لم يكن معه قول اللسان أو عمل الجوارح، فكل عارف لله بقلبه في الدنيا هو من أهل الجنة. والعكس بالعكس ولذا قال ابن القيم في النونية حاكياً مذهب جهم وأضرابه:
قالوا وإقرار العباد بأنه
خلاقهم هو منتهى الإيمان
والناس في الإيمان شيء واحد
كالمشط عند تماثل الأسنان
وهؤلاء هم المرجئة المحضة.
وقالت الكرامية - أصحاب محمد بن كرام السجستاني الزاهد - وقول النجارية - أتباع الحسين بن محمد النجار من المعتزلة - وهم مقاتل بن سليمان وأتباعه، قالوا:
الإيمان هو مجرد النطق بالتوحيد بلسانه.
فمن نطق بالتوحيد عندهم فهو مؤمن كامل الإيمان وهو في الآخرة في جنان النعيم.
والكرامية في المشهور عند العلماء هم من عامة المرجئة، أو قل عوامهم ومتوسطهم!
وقالت الأشاعرة، وهو ظاهر قول الماتريدية:
إن الإيمان هو التصديق بالقلب فقط.
فافترقوا عن المرجئة المحضة بزيادة التصديق على إقرار القلب!
وعلى قول الأشاعرة والماتريدية يحمل قول شارح الطحاوية:
«فمنهم من يقول: إن الإقرار باللسان ركن زائد ليس بأصلي، وإلى هذا ذهب أبو منصور الماتريدي رحمه الله، ويروى عن أبي حنيفة رضي الله عنه» ا ه.
قلت: أما قول أبي حنيفة فهو غريب عنه، إذ إن المشهور عنه رحمه الله كما في شرح الفقه الأكبر قوله:
«الإيمان هو الإقرار والتصديق، وإيمان أهل السماوات لا يزيد ولا ينقص من جهة المؤمن به، ويزيد وينقص من جهة اليقين والتصديق، والمؤمنون مستوون في الإيمان والتوحيد، متفاضلون في الأعمال» ا ه.
وهذا الذي اشتهر عند الحنفية وذكره شارح الطحاوية هو ما قرره أبو جعفر الطحاوي الحنفي في عقيدته، ولذا يسمون عند أهل العلم «مرجئة الفقهاء».
أما قول أبي منصور الماتريدي فلم أقف عليه، ولو صح لكان خلافه مع الجهمية - أصحاب المعرفية، بأن الإيمان معرفة بالقلب بالله ورسوله - خلافاً لفظياً إذ إن اللسان ركن زائد ليس أصلياً.
٭ هل من توضيح للمرجئة؟
- وعلى هذا فالمرجئة مراتب هي:
1- المرجئة المحضة، القائلين بأن الإيمان هو المعرفة بالقلب فقط، والكفر هو الجهل.
2- عوام المرجئة «الكرامية» القائلين بأن الإيمان هو الإقرار باللسان فقط.
3- الأشاعرة والماتريدية: القائلين بأن الإيمان هو التصديق بالجنان.
4- مرجئة الفقهاء القائلين بأن الإيمان هو التصديق بالجنان والإقرار باللسان.
٭ وما مناقشة أقوال الغلاة في هذا الشأن؟
- قول الجهمية أظهر من أن يناقش فهو أفسد الأقوال، لأن من لوازمه الشهود بالإيمان لأكفر خلق الله، من كفرهم الله في كتابه، كإبليس وفرعون وقومه وأمية بن خلف.. فلازم قولهم انهم مؤمنون، لأنهم جميعهم مقرون بالله وبرسوله في قلوبهم، كما حكاه الله عنهم في غير ما آية في كتابه العزيز. كما قال سبحانه عن إبليس {قال رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين} (الحجر: 39)، وقال في سورة ص {قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين} (ص: 82)، وقال سبحانه عن فرعون وآله في سورة النحل {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً فانظر كيف كان عاقبة المفسدين} (النحل: 14)، وقال سبحانه في آخر سورة الإسراء: {قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر وإني لأظنك يا فرعون مثبوراً} (الإسراء: 102).
أما الخوارج والمعتزلة فمن أظهر شبههم التمسك بقوله تعالى: {ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً} (النساء: 93).
فقالوا: هذا مؤمن ارتكب معصية وكبيرة بقتله مؤمنا آخر عدوانا وتعمدا، فالله تعالى جعله مخلدا في ناره، ولا يخلد في النار الا الكافر، فدل على أنه كافر مخلد في النار بكبيرته، وعلى هذا باقي المعاصي.
٭ هل من رد على الوعيدية من الخوارج والمعتزلة في استدلالهم بآية النساء الرد من عدة وجوه:
1 - أن الله ذكر الخلود في الآية ولم يذكره على التأبيد كقوله عن أهل الجنة: {خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه} (البنية: 8).
وكقوله عن أهل النار في ثلاثة مواضع من القرآن في أواخر النساء والأحزاب والجن: {خالدين فيها أبداً} فصرح سبحانه فيها بالخلود مع التأبيد.
فعليه يكون المراد بالتخليد في هذه الآية المكث الطويل، خاصة أن معصية قتل النفس التي حرم الله من أكبر الكبائر بعد الشرك بالله، كما دل عليه حديث أبي هريرة صلى الله عليه وسلم في السبع الموبقات وهو عند مسلم، فدل على عظم هذا الجرم وكبره لا على كفر فاعله!
2 - إن الله تعالى في أحكام القصاص سمى القاتل أخاً للمقتول، كما في قوله تعالى: {فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف} (البقرة: 178).
فلو كان القاتل كافرا لما جاز أن يسميه الله أخاً للمؤمن، لأن الأخوة مودة ولا تكون إلا للمؤمن {لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم..} (المجادلة: 22).
3 - كما أنه يجوز العفو في القصاص إلى الدية، وإلى لا شيء تكرما وتفضلا، فلو كان القاتل كافرا مرتدا، لم يجز إسقاط الحد عليه بالعفو، للحديث: «من بدل دينه فاقتلوه» ولحديث: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة».
4 - القاتل لو أقيم عليه الحد يصلى عليه، ويغسل، ويدفن مع المسلمين في مقابرهم وجازت الصدقة عنه.. وعليه إجماع السلف.
ولو كان كافراً ترتبت عليه أحكام المرتدين ولم يجز له ما سلف من الأحكام المخصوصة بالمسلمين فقط.
5 - قال بعض العلماء كابن جرير وغيره: «إن الآية خاصة في الذين يستحلون القتل، فإن كان كذلك فهو كافر لاشك فيه، لكن ظاهر الآية يبعد عن هذا التأويل والتفسير!
6 - وعلى سبيل التنزل فهذه الآية خاصة بمن يقتل مؤمنا متعمدا فلا يدخل معها غيرها من المعاصي كالسرقة والرجم والقذف.. الخ.
7 - عموم قوله تعالى: في آيتي النساء.. {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} «النساء: 48».
ولا شك ان القتل دون الشرك بالله إجماعاً، فهو داخل تحت المشيئة في هذه الآية.
٭ أما عن شبهة الكرامية في قولهم: إن الايمان هو القول باللسان فقط، لأن الله دعا الناس الى الإقرار به، وبالكتب المنزلة، كما في قوله تعالى: {قولوا آمنا بالله وما أنزل الينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل..} (البقرة: 136) فالله لم يأمرنا هنا الا بالقول، فدل على أن الإيمان يتوقف عليه.
فالجواب عنهم: كذلك من وجوه:
1 - غاية ما تدل عليه الآية الأمر بالايمان والكتب السماوية والأنبياء من قبل الله، وألا يفرق بين رسله فيؤمن ببعض ويكفر ببعض، فليس في الآية دلالة على اقتصار الإيمان على القول فقط.
2 - الآية اللاحقة لها مباشرة فيها {فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا} (البقرة: 137) اي آمن أهل الكتاب وغيرهم بمثل ما آمنتم به أنتم من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله.. وبعضها لا يكون الا بالقلب فدل على عدم اقتصار الإيمان على القول المجرد.
3 - في هذه الآية تنويه بأهم أنواع الإيمان ولم تستغرق الآية جميع أنواع الإيمان «بالله وملائكته..» وشعب الأيمان كثيرة، وفي باقي النصوص تكميل لجميع أنواع الايمان، قال تعالى: {ولكن البر من آمن بالله واليوم والآخر والملائكة والكتاب والنبيين ..} (البقرة: 177) وغيرها، فالقرآن يؤخذ جميعه لا بعضه، وكذلك السنة، حيث وردت نصوص تكفر من اعتقد الإيمان بكل مراتبه الست ثم لا يصلي، أو استحل معصية ظاهرة الحرمة، قطعية الدلالة على حرمتها.
4 - هذا القول يعارض قوله تعالى: {قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا} (الحجرات: 14).
فنفى الله عن الأعراب الإيمان مع أنهم نطقوا بكلمة التوحيد، لكن لم يدخل الإيمان إلى قلوبهم، الا ان قصدوا بذلك الإسلام - أي بالإيمان الإسلام - فلا تعارض بين الآيتين.
5 - يلزم من قولكم أن الإيمان مجرد النطق باللسان فقط، الحكم على المنافقين الذين شهدوا بألسنتهم أنهم مؤمنون كاملو الإيمان، وهذا خلاف صريح الكتاب، قال تعالى: {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيراً} (النساء: 145) ولغيرها من الآيات الدالة على كفرهم وتكذيبهم وأن مآلهم إلى النار.
6 - كما يلزم من هذا القول أن من به عيب كالأخرس، ولا يستطيع أن يتكلم بلسانه - مع تصديق قلبه وايقانه بالايمان - يلزم أنه كافر، وهذا خلاف إجماع المسلمين.
وعلى كل، فإن قصر الإيمان على مجرد النطق به - مع لزومه ابتداءً - قول باطل مخالف لظاهر النصوص من الكتاب والسنة وإجماع المسلمين، وفعل الرسول صلى الله عليه وسلم مع من يسلم حديثاً.
٭ أما عند القائلين بأن الإيمان هو التصديق، وهو قول الأشاعرة والماتريدية، فهو باطل ايضا..
- لأنه لو كان كذلك لما صح وجوب تلفظ الكافر بالتوحيد - الشهادتين - عند دخول الإسلام، وهو ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والمسلمون بعدهم مع مريد الإسلام من الكفرة.
- وأيضاً لما صح تكفير أحد من الناس، يأتي بناقض من نواقض الإسلام، أو يترك الصلاة عمداً أو تهاوناً.. ما دام عنده تصديق بالقلب وحده!.
فإن هذين مما يبينا فساد قولهم وبعده عن الصواب.
وكذلك قول مرجئة الفقهاء بأن الايمان هو: الاقرار والتصديق، يخالف عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين بعده من فرضية عمل الايمان بالصلاة والحج والصوم والجهاد وربط كثير من الاعمال بالايمان.
بل هم يعارضون قولهم فيما يقررونه في فقههم بوجوب العمل بدءاً من كتاب الطهارة الى نهاية ابواب الفقه، فلو لم تكن هذه من الايمان، فما الحاجة من بحثها والعلم والعمل بها؟. كما وانهم من اوسع المذاهب الاربعة في تقرير ابواب حكم المرتد وبيان الاقوال والاعمال التي يرتد بها المؤمن عن الاسلام. هذا فضلاً عن ترتيبهم الجزاءات والعقوبات الشرعية في الدنيا والآخرة على ترك الاعمال.
وما أثر الغلو في الاسماء والاحكام على الناشئة وغيرهم؟
الاثر: مضى قول الخوارج ان الفاسق كافر في الدنيا، مخلد في النار يوم القيامة، يجوز سلب ماله، واستحلال دمه، واسترقاقه، وتطليق زوجته منه ولا تجوز الصلاة عليه او دفنه مع المسلمين... وهو في الآخرة يائس من رحمة الله، للجزم بأنه كافر ومخلد في نار جهنم.
أما المعتزلة فيوافقونهم في حكم يوم القيامة، وهو الحكم الاخروي، دون حكم الدنيا. فهؤلاء ضيقوا على الناس بمحاسبتهم بكبائرهم ومعاصيهم، فكم يبقى في الدين من رجل بعد هذا التشدد والتعسير؟! حيث من يبرئ نفسه من الوقوع في المعاصي او ترك الواجبات..
ولا يزال خطر اولئك الخوارج مستمراً، حتى ظهرت في هذا الزمان طائفة تنادي بأفكارهم، وتؤصل اصولهم، وهي جماعة شكري احمد مصطفى (1398ه) في بلاد مصر وهي جماعة التكفير والهجرة وقد تأثر بهذه الجماعة واقوالها طوائف من قليلي العلم والبصيرة من الشباب العاطفي المندفع، وطوائف من الدعوات الحركية وحزب التحرير وغيرهم. ومن اقوال شكري في مرتكب المعصية: «لم يحدث ان فرقت الشريعة بين الكفر العملي والكفر القلبي، ولا ان جاء نص واحد يدل او يشير ادنى اشارة الى ان الذين كفروا بسلوكهم غير الذين كفروا بقلوبهم واعتقادهم، بل كل النصوص تدل على ان العصيان لله عملاً والكفر به سلوكاً واقعاً، هو بمفرده سبب العذاب والخلود في النار والحرمان من الجنة» أ ه .
وحسبي ان اشير الى آثار تلك الفرقة على الناس:
1- اعتزال افرادها المجتمع المصري لانه كافر، ولانه راض بالكفر.
2- تصفية وقتل كل من خالفهم او رد عليهم - ومنهم ذهبي مصر - لأن من خالفهم فهو كافر، حيث قامت عليه الحجة فلم يقتنع بها، وتجرى عليه احكام المرتد.
3- عندهم كل من لم يحكم بغير ما أنزل الله يكون كافراً كفراً مخرجاً عن الملة جملة، دون التفصيل، كما هي طريقة المحققين من اهل السنة في وجوب التفصيل.
4- التكفير بالمعاصي والحكم على صاحبها الخلود بها في نار جهنم.
وهذا ما اعظم المسوغات لحصول التكفير والتفجير والقتل واستباحة الدماء والاعراض والاموال والسعي في الارض فساداً، وتخويف الآمنين، واشاعة الفوضى والخوف بين المجتمعات الآمنة.
5- تشويه صورة سماحة الاسلام بين الناس - ووافق ذلك لمزهم بالتطرف، والارهاب، التشدد وجماعة التكفير والهجرة - وتفرق المسلمين، وبث الفوضى والخوف وعدم الامن بينهم، وهذا مشاهد في اماكن شتى عند اضراب هؤلاء، ومع الاسف الشديد، انهم يعتقدون ان تصرفهم هذا ديانة لله وجهاداً، وجهلاً بالعلم والدين ومقاصده!
6- دعواهم بأنهم جماعة المهدي المنتظر، لاتحاد الزمان الذي اخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم بوجود المهدي فيه مع زمانهم الذي يعيشون فيه؟!
وهكذا كل قول او طائفة تنتحل مثل افكار الخوارج ومعتقداتهم لابد ان ينتج عنه نظير ما ينتج عن هذه الطائفة من الآثار غير المحمودة طبعاً وعقلاً فضلاً، عن الشرع الحنيف.
مع التنبيه الى انه لا يستلزم ان من شابه الخوارج - او غيرهم من الفرق - في بعض اصولها ان يكون منهم او منتسباً اليهم، ولكن الحكم العدل في هذا ان يقال انه شابه الخوارج في اصلهم كذا وكذا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.