سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
لفت الأمم المتحدة إلى أن التوطين "تهديد لأمن الشرق الأوسط واستقراره" . الحص يطالب راعيي السلام بضمانات لحسن التنفيذ ويعول على أوروبا وفرنسا خصوصاً سياسياً وتنموياً
ألقى رئيس الحكومة سليم الحص أمس كلمة لبنان أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة، في دورتها الرابعة والخمسين، وتناول فيها الدور المفترض للمنظمة الدولية في النظام العالمي الجديد. ودعا الى تطبيق القرار الدولي الرقم 425، معلناً التزام السلام العادل والشامل ضمن تلازم المسارين اللبناني والسوري، ومشككاً في نيات إسرائيل حيال السلام، ومطالباً الولاياتالمتحدة وروسيا وأوروبا بدور فاعل أكثر في العملية السلمية. وأكد رفض التوطين، مطالباً بالعمل على اطلاق الأسرى والمعتقلين في السجون الإسرائيلية، والأسرى الكويتيين من العراق الذي دعا الى "فك الحصار عنه". إستهل الرئيس الحص كلمته في نيويورك بالحديث عن تيارات تدعو الى تخطي مبادئ أساسية ارتكزت إليها الأممالمتحدة وإقامة نظام عالمي جديد تتماشى المنظمة الدولية مع متطلباته، عوض أن يندرج هو في إطارها الأشمل والأوسع. ومن الأمثلة، الدعوة الى الاعتراف بمبدأ السيادة النسبية وواجب التدخل عند الاقتضاء في الشؤون الداخلية للدول وتهميش دور مجلس الأمن. وتخوف من رغبة البعض في فرض مفاهيم تتناسب مع التغيير الجوهري الذي طرأ على موازين القوى العالمية، على النظام العالمي الجديد. وأضاف "لا يمكن ان تستمر صفة الدوام والثبات لأي كيان او نظام إن لم يكن قائماً على العدل والمساواة، فلا يأتي إنتقائياً، مزدوج المعايير، يفرض سلطته على البعض، ويتغاضى عن ظلم البعض الآخر. وأي نظام عالمي، قديماً كان او جديداً، لا يمكنه ان يسمح مثلاً باحتلال الأرض بالقوة، والتمادي في الاعتداء على الارواح والممتلكات، وإخضاع المدنيين لكل الممارسات التعسفية". ثم قدّم الحص عرضاً تاريخياً موجزاً لما يعانيه لبنان عموماً، والجنوب والبقاع الغربي خصوصاً، منذ الإجتياح الإسرائيلي عام 1978، وصدور القرار الرقم 425 عن مجلس الأمن الدولي، متوقفاً عند اجتياح العام 1982 وعدواني 1993 و1996 وتفاهم نيسان ابريل، والعدوان الأخير في حزيران يونيو الماضي على البنى التحتية. وأشار الى ان اسرائيل "مستمرة في ممارساتها القمعية والتعسفية ضد المدنيين في المناطق اللبنانيةالمحتلة، في حين يسعى لبنان لدى الأممالمتحدة والمنظمات الإنسانية المعنية الى وضع حد لها وعدم تكرارها". وأثار فرض اسرائيل حصارها على قرى جنوبية عدة، مطالباً بإطلاق الأسرى والمعتقلين في سجن الخيام والسجون الإسرائيلية الأخرى، وفي انتظار ذلك تحسين ظروف اعتقالهم. وأكد "حق لبنان في التعويض عن الضحايا البشرية والأضرار التي ما زال يتكبدها منذ سنوات طويلة من جراء الإعتداءات الإسرائيلية عليه وممارساته التعسفية ضد سكانه المدنيين". وقال "ان لبنان ما زال يطالب بضرورة تنفيذ القرار 425 من دون قيد او شرط، وفي انتظار تحقيق هذا الهدف، من الطبيعي ان يتضامن الشعب اللبناني في مقاومته للإحتلال الإسرائيلي ويتمسك بشرعية المقاومة، التي هي فعل إيمان بالوطن، وشكل متقدم من اشكال النضال من اجل الحرية، الى كونها تكريساً لحق الدفاع المشروع عن النفس، ضمن الضوابط والمبادئ التي تم التوافق عليها بموجب تفاهم نيسان". وتابع "في مقابل تعنّت اسرائيل وتجاوزها مهمة قوات الأممالمتحدة العاملة في الجنوب، نثمّن الدور الإيجابي والبنّاء الذي تقوم به هذه القوات، فنشكرها ونقدّر ما قدّمته من تضحيات خلال تأدية مهامها في اصعب الظروف". وتطرق الى مسيرة السلام في الشرق الأوسط، فقال "ان لبنان يلتزمها، وهو على استعداد، ضمن تمسكه بتلازم المسارين اللبناني والسوري، لاستئناف المفاوضات من النقطة التي وصلت اليها عام 1996، وفقاً للأسس والمبادئ التي تم التوافق عليها في مؤتمر مدريد، للتوصل الى سلام عادل وشامل ودائم استناداً الى قرارات الشرعية الدولية، علماً ان لبنان يكرر هنا تمسكه بالقرار 425 الذي لا يدعو الأطراف الى اي تفاوض، بل يدعو اسرائيل الى الانسحاب من كل الأراضي اللبنانية فوراً من دون قيد او شرط". وأضاف "في وقت تلوح آفاق جدية لاستئناف مفاوضات السلام، ومهما قيل عن فنون التفاوض، فان التصريحات الأخيرة لكبار المسؤولين الاسرائيليين لا تبشّر بالخير، ولا تفيد بحسن النية المفترضة، ولا تسمح بالإستنتاج بوجود رغبة حقيقة في اقامة سلام قائم على العدل لدى الجانب الاسرائيلي، وتجعلنا ننظر في حذر الى شروط استئناف العملية السلمية، كما يتبين لنا ذلك على الاقل في المرحلة الحاضرة. ويبدو هذا التعنّت واضحاً من تصريحات رئىس الوزراء الاسرائيلي ايهود باراك الذي يؤكد لاءات متعددة منها: ان لا عودة الى حدود العام 1967، لا لتقسيم القدس، لا لتفكيك المستوطنات، لا لعودة اللاجئين الفلسطينيين. وقد كرر موقفه من قضية اللاجئين الفلسطينيين اثر لقائه الرئىس بيل كلينتون حيث قال ان لا عودة للاجئين الى ديارهم، ودعا الى بقائهم في البلدان التي يقيمون فيها". وقال الحص "ان المستوجبات الطبيعية للسلم بعيدة من لاءات السيد باراك، وهي مستوجبات يفرضها العدل وتقرّ بها الشرعية الدولية وخصوصاً انسحاب اسرائيل من لبنان من دون قيد او شرط وفقاً للقرار 425، استرجاع سورية الجولان لغاية حدود الرابع من حزيران يونيو 1967 كما سبق البحث فيه وإقراره، وتمكين الشعب الفلسطيني من استعادة حقوقه الثابتة وغير القابلة للتصرف، بما فيها حق تقرير مصيره وإنشاء دولته على ترابه الوطني وعاصمتها القدس، وحق العودة الى الاراضي التي اقتلع منها في فلسطين". ولفت المجتمع الدولي الى "ان التسوية السلمية يستحيل ان تكتمل، وأن يدوم السلام المنشود ويستتب من دون تمكين اللاجئين الفلسطينيين ولا سيما اولئك الذين استضافهم لبنان على ارضه بمئات الآلاف، من العودة الى ارضهم وديارهم". وأكد "إجماع الشعب اللبناني على الرفض المطلق لتوطين اللاجئين الفلسطينيين على أراضيه والذي تكرس في الدستور"، لافتاً الى "مخاطر التعامل مع هذه القضية من منظار اقتصادي واجتماعي بحت والتغاضي عن بعدها السياسي الذي هو في جوهر الظلم الناتج عن تشريد الفلسطينيين من ديارهم والإجماع اللبناني على هذا الموقف، إنما يلتقي مع إجمال الفلسطينيين في لبنان". ودعا المجتمع الدولي الى "تحمل مسؤولياته الكاملة لايجاد تسوية منصفة وعادلة تعالج مسألة الوضع النهائي للاجئين الفلسطينيين وفقاً للمبادىء الدولية المعترف بها في مثل هذه الحالات، وآخرها في كوسوفو". ورأى "ان التوطين سيشكل في حال اقراره على الصعيد العملي، تهديداً لأمن منطقة الشرق الاوسط واستقرارها". واضاف "إذ ننتظر ايجاباً الى الفرصة المتوافرة للتقدم في محادثات السلام، وفي ضوء زيارة وزيرة الخارجية الاميركية السيدة مادلين أولبرايت لبعض دول المنطقة من منطلق ما تتحمله بلادها من مسؤوليات وما تملكه من وسائل تأثير، نؤكد حرصنا على الدور الذي يجب ان تضطلع به الولاياتالمتحدة والاتحاد الروسي في مجال السعي الى تحقيق السلام العادل والشامل، وتوفير الضمانات اللازمة لحسن تنفيذ الاتفاق الذي يمكن ان يتم التوصل اليه. ونعول ايضاً على دور أوروبي فاعل على الصعيدين السياسي والتنموي، خلال المفاوضات الخاصة بالتسوية وفي المرحلة التي ستليها، خصوصاً على دور فرنسي معاضد، لمسناه في الاوقات كافة. وكرر الحص تأييد القرارات الدولية في شأن الكويت، معلناً تضامنها معها في "المطالبة بالافراج عن الاسرى والمعتقلين الكويتيين وبتأكيد سيادتها على كل أراضيها ومواردها"، معتبراً "ان إطلاق الاسرى يسهم في تنقية الاجواء العربية، ومتمنياً "رفع الحصار عن الشعب العراقي الشقيق الذي من حقه ان يستعيد الأمن والعزة والازدهار". وقال "ان ترسيخ الأمن والاستقرار في منطقة الخليج العربي موضوع اهتمام لبناني خاص". وحيا الجهود التي يقوم بها مجلس التعاون الخليجي لإزالة اسباب التوتر وحل النزاعات القائمة بين الدول بالوسائل السلمية وفي اطار حسن النية والجوار، بما في ذلك الخلاف على الجزر الثلاث بين دولة الامارات العربية المتحدة والجمهورية الاسلامية في ايران". ودعا اخيراً الى "المضيّ في اصلاح المنظمة الدولية وفقاً للبرنامج الذي تقدم به الامين العام السيد كوفي أنان خلال عام 1997، تمكيناً لها من مواكبة التطور المتسارع لنظام العلاقات الدولية بابعاده السياسة والاقتصادية والاجتماعية". وأكد "تمسك لبنان بمبادىء الديموقراطية والحرية ووفاءه لتعهداته بموجب شرعة الأممالمتحدة، والتزام مقرراتها، واستمراره في عملية الاعمار وتكريس دولة القانون وتثبيت العيش المشترك". الى ذلك، اتصل الرئيس الحص برئيس الجمهورية أميل لحود وأطلعه على نتائج لقاءاته التي عقدها في نيويورك، وآخرها امس اجتماع مع السيد أنان والمبعوث الاوروبي الى الشرق الاوسط ميغيل أنخل موراتينوس، ورئيس أساقفة نيويورك الكاثوليك الكاردينال جون أوكونور. وأوضح الحص في تصريح امس، سبب عدم مشاركته في لقاء دعت اليه الوزيرة أولبرايت تحت عنوان "شركاء في السلام"، انه لم ير مصلحة "في ان نكون في غرفة واحدة مع عدد محدود من ممثلي الدول المعنية بمسيرة السلام بوجود اسرائيل التي تحتل أرضنا وتمارس العدوان على شعبنا بوتيرة شبه يومية وتضع العقبات لتحول دون انطلاق مسيرة التسوية مجدداً". وأشار الى انه سيشارك في الاستقبال الجامع الذي دعت اليه أولبرايت مؤكداً "اهتمام لبنان باستمرار العلاقة مع الولاياتالمتحدة خصوصاً في هذه المرحلة التي تؤدي فيها دوراً ناشطاً في سبيل ضمان استئناف محادثات التسوية".