من الطبيعي جداً ان يثير اللقاء السري بين وفد فلسطيني برئاسة الرئيس ياسر عرفات ووفد اسرائيلي برئاسة رئيس الوزراء ايهود باراك، في منزل الاخير الى الشرق من تل ابيب ليل الخميس - الجمعة، قدراً كبيراً من الاهتمام والتساؤلات. ذلك ان اللقاء جاء بعد اثني عشر يوماً على توقيع الجانبين اتفاق شرم الشيخ، او "واي-2" الخاص بتسوية ما تبقى من مسائل المرحلة الانتقالية، وقبل البداية الفعلية لمفاوضات التسوية النهائية التي احتفل في الثالث عشر من الشهر الجاري للمرة الثانية بانطلاقها. وبينما لم يصدر عن الجانب الاسرائيلي اي تصريح عن مضمون الاجتماع السري او اجوائه، القى ثلاثة مسؤولين فلسطينيين على الاقل منهم اثنان حضرا الاجتماع بعض الاضواء التي تحدد ملامح عامة لاجوائه وبعض عناوينه. اذ قال السيد محمود عباس ابو مازن ان اللقاء تم لرغبة الطرفين في التعارف اكثر في الفترة التالية لاتفاق "واي-2" والسابقة لمفاوضات المرحلة النهائية، وان الاحاديث كانت غير رسمية وغير محكومة بجدول اعمال محدد. وصرح رئيس طاقم المفاوضات الميدانية على قضايا المرحلة النهائية وزير الثقافة والاعلام الفلسطيني ياسر عبدربه بأن الاجتماع كان ايجابياً ومثمراً. اما وزير التخطيط والتعاون الدولي الدكتور نبيل شعث الذي لم يحضر الاجتماع السري، لكنه حضر ليل الجمعة - السبت اجتماع مجلس وزراء السلطة الفلسطينية، فقال ان الاجتماع يساعد في بناء الثقة الضرورية جداً للمفاوضات النهائية. ان بناء الثقة المتبادلة بين طرفين شريكين في مفاوضات صعبة امر مستحب، واللقاءات الرسمية كلقاء الخميس - الجمعة توفر فرصة اجواء ودية يمكن لكل من الطرفين فيها ان يجسّ نبض الآخر ويستطلع وجهات نظره وافكاره بخصوص اصعب القضايا، وما اكثرها وأشدها حساسية بين الفلسطينيين والاسرائيليين. ولكن عندما نفيق من اجواء المودة ونلتفت الى الواقع وننظر الى الموقفين الافتتاحين للطرفين عند حاجز ايريز على الحدود بين قطاع غزة واسرائيل في الثالث عشر من الشهر الجاري، نجد انهما متعارضان تماماً لا يمكن لتمسك الجانبين بهما ان يفضي الى تسوية سلمية نهائية مستقرة بينهما. ولنسأل: هل يمكن ان يتنازل الفلسطينيون عن القدسالشرقية التي تقضي القرارات الدولية بأنها جزء من الاراضي الفلسطينية التي احتلت في حرب حزيران يونيو 1967 وينبغي بالتالي اعادتها الى اصحابها الذين يريدونها عاصمة لدولتهم المنشودة؟ في المقابل يقول باراك ان القدس الموحدة ستبقى عاصمة ابدية لاسرائيل، وان حدودها البلدية ستوسع بحيث تضم اليها قرى واراضي فلسطينية كما تضم اليها مستوطنة معاليه ادوميم الضخمة، فيما لم تتوقف مصادرة هويات المقدسيين. ونسأل: هل يمكن ان يتنازل الفلسطينيون عن قرار الاممالمتحدة الرقم 194 القاضي بعودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم و/او التعويض على من لا يرغب منهم في العودة، علماً ان الاممالمتحدة اشترطت لقبول اسرائيل عضواً فيها ان تمكن اللاجئين من العودة الى ديارهم؟ ونسأل ايضاً: هل تنطبق المواصفات المتعارف عليها لأي دولة على الدولة الفلسطينية المنشودة اذا لم تكن لها سيطرة على حدودها الدولية ومواردها المائية وكامل رقعتها الجغرافية المعرّفة دولياً بخطوط الرابع من حزيران يونيو 1967؟ مقابل هذه المواصفات يقول باراك انه يريد ان تحتفظ اسرائيل بالسيطرة على المعابر الحدودية بين مصر والأردن واسرائيل ليس فلسطين، وضم كتل استيطانية كبرى في الضفة الغربية لاسرائيل والاحتفاظ بالسيطرة على غور الاردن والابقاء بمواطن المياه الجوفية الرئيسية ضمن حدود السيطرة الاسرائيلية. ان هذا كله مؤشر واضح الى تكريس للاحتلال بوسائل اخرى اكثر شراسة من ذي قبل والى توجه نحو خلق دويلة هزيلة للفلسطينيين تدور في فلك الاسرائيليين ولا تقوى على الخروج من تحت هيمنتهم. ولكن ما دام باراك يتحدث عن ستة اشهر للتوصل الى اتفاق اطار للحل النهائي، فسنعرف عندئذ ان كان الفلسطينيون سينجحون في صدّ محاولاته لتزوير التاريخ والجغرافيا بشأن القدس واللاجئين… وبقية الحقوق الفلسطينية. وليس امام القيادة الفلسطينية من خيار سوى التشبث بما لشعبها من استحقاقات بموجب قرارات الاممالمتحدة والقانون الدولي.