هل يتكامل دور المرافئ اللبنانية في بيروتوطرابلس وصيدا أم يتضارب في ضوء التشابه في المخططات المستقبلية المرسومة لها واختصاصاتها في مجال النقل، خصوصاً ان مشاريع التطوير التي تنفذ في كل مرفأ تهدف الى نقل لبنان او استعادة دوره في المنطقة كمركز اقليمي لخدمات النقل البحري والبري؟ لا يمكن الحكم على تكامل هذه المرافئ او تنافسها الا بعد انجاز مشاريع التطوير والبدء بالعمل. ولوزارة النقل دور في تحقيق التكامل برسم سياسة تحدد دور كل مرفأ واختصاصه بالبضائع التي يستقبلها او يعيد تصديرها. ولا يخفى ان المرافئ اللبنانية ستواجه منافسة من المرافئ الاقليمية التي تسجل حركة ناشطة جداً حققتها على مدى الاعوام العشرين الماضية التي كان لبنان غائباً فيها بسبب الحرب. فالمشاريع الموضوعة للمرافئ الثلاثة طموحة، لكن وضعها قيد التنفيذ يتفاوت بين مشروع وآخر والاسباب اجرائية ومالية. ومشروع مرفأ بيروت هو الاقرب الى انجاز معظم مراحله ويشمل تأهيل المرفأ العامل الآن وانشاء محطة للمستوعبات وبناء الحواجز المائية وكواسر الموج والمنطقة الحرة والصناعية التي بدأت بالعمل. وتبلغ الكلفة الاجمالية 170 مليون دولار أميركي منها 20 مليوناً كلفة المنطقة الحرة. ويتم تمويل مبلغ 120 مليوناً من كلفة الاشغال من مداخيل المرفأ التي يتوقع ان تبلغ في السنة الجارية 112 بليون ليرة لبنانية، والمبلغ المتبقي من قرض من البنك الاوروبي للتثمير. وقال رئيس ادارة واستثمار مرفأ بيروت المهندس عصام بكداش ان "القسط الاول يستحق نهاية هذه السنة وقيمته اربعة ملايين دولار، ويمتد على 13 سنة". وتحدث بكداش الى "الحياة" عن واقع المرفأ الآن ونشاطه والحركة المستقبلية المتوقعة له بعد انجاز المشروع، فقال "يشهد مرفأ بيروت ورشة اقتصادية وانشائية وتنظيمية تنقله الى وضع مؤسساتي ناجح ومزدهر اقتصادياً وعملياً". واعتبر ان "كل نشاط مرفأي يتطلب ثلاثة عناصر: التجهيزات البحرية والآلية، والنظم التي تسيّر المرفق، والجهاز البشري". وأشار الى ان "نشاط المرفأ الآن يقوم على حركة ستة ملايين طن سنوياً من البضائع بما فيها حركة المستوعبات وهي تبلغ 150 ألف سنوياً. فضلاً عن حركة سياحية تتمثل بثلاثين ألف راكب من السياح سنوياً تنقلهم الى مرفأ بيروت ومنه ثلاث بواخر سياحية، اضافة الى نشاط المنطقة الحرة والمنطقة الصناعية". وحقق مرفأ بيروت في الاشهر الستة الاولى من السنة الجارية مداخيل قيمتها نحو 5.35 مليون دولار اميركي، وبلغت نحو 3.69 مليون عن مجمل العام الماضي. وعن مشروع تطوير المرفأ وتوسيعه، اوضح بكداش ان "اعمال التطوير تتوزع على تأهيل الارصفة العاملة في المرفأ حالياً وعددها 14 وانشاء ارصفة جديدة ستصل حدودها بعد انجاز كل المراحل الى نهر بيروت. وفي اواخر السنة 2000 ستنجز المرحلة الاولى من محطة المستوعبات على الرصيف الرقم 16 الذي يتوقع ان يستقبل 500 ألف مستوعب سنوياً. وبذلك يصبح المرفأ الحالي مخصصاً للبضائع العامة والمحطة مخصصة للمستوعبات. وفي منتصف حزيران يونيو الماضي تسلمنا الرصيف الرقم 15، لكنه لم يوضع في الخدمة بعد حتى انجاز الاشغال الجارية خلفه". وقال ان "هذه الاشغال تتزامن مع اشغال اخرى لبناء حواجز مائية ضخمة مقابلة للرصيف الرقم ال16 في عرض البحر وقد انجزت الاشغال تحت الماء، فضلاً عن انجاز القسم الاخير من كاسر الموج الاساسي وطوله الاجمالي 1800 متر". ولفت بكداش الى ان "التطوير الجاري على المرفأ الحالي سيحوّله مرفقاً يتميز بخدمات ذات مواصفات عالمية. وتشمل الانشاءات والاشغال البحرية والمدنية والبنى التحتية كل الخدمات. اما بالنسبة الى الآليات، فستقدم الادارة ثلث الخدمات ويكمّل الثلثين الباقيين القطاع الخاص ممثلاً بشركات متخصصة. وأما محطة المستوعبات فتتكفل الادارة بتنفيذ الاشغال البحرية والبنى التحتية والفوقية، على ان تتولى ادارتها واستثمارها شركة تطوير المرافئ اللبنانية مع سلطة موانئ دبي بموجب عقد Join Venture ومن مهماتها استقدام الوكالات والخطوط البحرية، والتجهيز بالآليات المخصصة للمناولة" مشيراً الى "اعطاء الموافقة على المواصفات الخاصة بهذه الآليات والاذن بالبدء في تصنيعها". وقال "سيكون للدولة مدخول من تشغيل هذه المحطة على طول الفترة الممتدة الى 20 سنة". وأكد بكداش ان "للتعاون مع سلطة موانئ دبي آفاقاً مستقبلية، فيكون مرفأ بيروت محطة توزيع للمستوعبات في منطقة البحر المتوسط، وهو سيواجه منافسة من المرافئ القائمة الآن في مصر وتركيا واليونان وجنوبإيطاليا ومالطا وقبرص، فضلاً عن ربط البحر المتوسط بالخليج، فيكون الوصول الى مرفأ بيروت اقرب وأسرع. إذ بدلاً من ابحار البواخر الكبيرة حول الجزيرة العربية ودخول قناة السويس للوصول الى البحر المتوسط، الامر الذي يستغرق 15 يوماً، يمكن الاستعاضة بالشحن براً من دبي الى مرفأ بيروت، في ثلاثة ايام، ومنه الى دول المتوسط. ولكن لن يكون للنقل البري الفاعلية في المدى القريب نظراً الى عدم توافر المواصلات وضياع الوقت في الانتظار على الحدود"، مشيراً الى ان "هذا الوضع يتطلب التسهيلات الادارية والسياسية". واعتبر ان "هذه الحركة تنجح وتزدهر بإنشاء سكة حديد". وأوضح ان "المستوعبات مع بدء العمل فيها ستخدم منطقة شرق المتوسط". المنطقة الحرة والصناعية وتسلمت ادارة مرفأ بيروت قبل شهرين المرحلة الاخيرة من منشآت المنطقة الحرة والصناعية وتبلغ مساحتها المبنية 58 ألف متر مربع، وتضم ايضاً مساحة مكشوفة على 28 ألف متر مربع. وتصل نسبة الاشغال في المباني التي انجزت في العام 1994 الى 90 في المئة وفي المبنيين الجديدين 40 في المئة. وقال بكداش ان "المنطقة الصناعية تضم صناعات تحويلية خفيفة في مجالي الكهرباء والالكترونيك". وأشار الى ان "الحركة فيها ليست كافية نظراً الى الوضع الاقتصادي العام وعدم توافر التسهيلات الجمركية. ونعمل الآن بالتنسيق مع ادارة الجمارك على حسن تطبيق النظام الخاص بالمناطق الحرة للتوصل الى تفعيل الحركة فيها، مع العلم ان ادارة المرفأ خفضت التعرفات الى النصف لتشجيع المستثمرين". مرفأ صيدا اما مرفأ صيدا فقال رئيس مصلحة استثماره السيد وليد بعاصيري ل"الحياة" ان "الحركة فيه تتفاوت بين 150 و180 باخرة سنوياً، وهو عبارة عن رصيف صغير انشئ في الثمانينات خلال الاحداث ليخدم منطقة الجنوب التي كانت معزولة وكان يشهد حركة افضل من الآن على رغم انه غير مجهز. وكانت الشركات الخاصة تديره وتستفيد الدولة من الرسوم الجمركية فقط. ولكن بعد قيام مصلحة الاستثمار اوائل السنة 1995، وضعنا لائحة تعرفات ورسوم مرفأية. وسيستمر العمل على هذا الوضع الى حين انجاز المشروع الجديد لمرفأ صيدا الذي سينتقل موقعه الى جنوبالمدينة حتى تصل حدودها الى نهر سينيق وهو سيكون مرفأ مركزياً متخصصاً بحركة الترانزيت البحري - البحري، ليستقبل البواخر الكبيرة وينقل حمولتها الى دول شرق المتوسط". وأوضح بعاصيري ان "دور مصلحة الاستثمار في المشروع الجديد هو انشاء البنى التحتية وردم البحر، على ان يتولى القطاع الخاص انشاء البنى الفوقية وتشغيل المرفأ، وتستفيد الدولة من الرسوم المرفأية والجمركية ومردود التشغيل الذي يمتد الى 25 سنة". وتبلغ الكلفة الاجمالية للمشروع 280 مليون دولار، وتنقسم الاشغال اربع مجموعات: مجموعتان للاشغال البحرية الارصفة البحرية ومجموعة للبنية التحتية للارصفة ومجموعة خاصة بالابنية. وأشار بعاصيري الى ان "الجزء الاساسي من الارصفة يكلف 260 مليون دولار وهو يشمل الردم في البحر وكاسر الموج والارصفة والمباني التابعة للدولة". اما بالنسبة الى بدء التنفيذ، فأوضح ان "الامر يتوقف على قرار من الحكومة. فإذا اخذنا الضوء الاخضر في الخريف المقبل تبدأ الاشغال في نهاية السنة 2000". وقال ان "ما ينقص اطلاق المشروع، التمويل لتسديد الموجبات على كلفة الدراسات وكلفة ايجاد التمويل لتنفيذ الاشغال. وتلقينا وعداً من البنك الدولي لتوفير هذه الاموال". ولفت الى "اننا رفعنا مسودة عن المشروع الى مجلس الانماء والاعمار كونه يندرج ضمن الخطة الخمسية التي يعدها بناء على طلب من مجلس الوزراء". ويمتد المرفأ الجديد على شريط ساحلي طوله 1800 متر على مساحة 1.1 مليون متر مربع ردم في البحر. ويبلغ طول كاسر الموج الرئيسي 2954 متراً والجانبي ألف متر. ويبلغ طول الرصيف الخاص بالمستوعبات 1300 متر وبالشحن العادي 600 متر، ومساحة الحوض المائي 900 ألف متر مربع. وهو يسمح بدخول البواخر التي تشحن خمسة آلاف حاوية ويتسع لرسو ثلاث بواخر من هذا الحجم. ويصل عمق المياه فيه الى 15 متراً وهو لا يتوافر في كل المنطقة الا في هذا المرفأ. ويتوقع ان يستوعب 2.1 طن سنوياً. اما المنطقة الحرة والصناعية فتقع على مساحة 177 ألف متر مربع. وتوقع بعاصيري ان "يحقق المرفأ مردوداً جيداً يغطي قيمة الاستثمارات". مرفأ طرابلس وحقق مرفأ طرابلس في اشهر شباط فبراير وآذار مارس وأيار مايو الماضية مداخيل بلغت ثلاثة بلايين ليرة لبنانية، كان يحققها سابقاً خلال سنة. والسبب في هذه الزيادة الملحوظة يعود الى وضع التعرفات المرفأية والمناولة وتمديد ساعات العمل في المرفئ. ويعمل المرفأ برصيف واحد طوله 750 متراً على عمق يتفاوت بين 8 امتار و10. ويسجل حركة مقبولة، ويستقبل البضائع العامة والسيارات و"الدوغما" وتمثل نسبة 35 في المئة من اجمالي الحركة وكذلك الاخشاب بنسبة 35 في المئة. اما حركة المستوعبات فهي شبه معدومة الآن مع العلم انها تحسنت بعد تطبيق التعرفة لتصل الى 500 مستوعب شهرياً بعدما كان هذا العدد يسجل في سنة. وهو مجهز بمستودعات مكشوفة للتخزين. ووضع لمرفأ طرابلس مخطط توجيهي خاص لتطويره ينقسم على ثلاث مراحل ويمكن تطبيقه في ثلاث سنوات اذا توافرت له الاموال اللازمة. وبحسب ما توقعت اللجنة الاستشارية الفنية في المرفأ التي يرأسها المهندس محمد الكعكي فإن "الاشغال في المرحلة الاولى ستبدأ قبل بداية السنة 2000، اذ سيتم فض العروض للشركات في 18 آب أغسطس الجاري على ان يتم التلزيم بعد دراستها". وقالت ان "المرحلة الاولى من المشروع تكلّف 25 مليون دولار وتشمل تعميق المدخل المائي ودائرة دوران السفن بعمق عشرة امتار وانشاء المول الرقم واحد مع ثلاثة ارصفة على اعماق تتفاوت بين 8 امتار و10. وسيتم تمويل هذه الاشغال مناصفة بين المتعهد والادارة من مداخيلها على ان تسدد للمتعهد خلال ثلاث سنوات مع سنة سماح. ويتوقع ان تتضاعف حركة المستوعبات بعد انجاز بناء المول. وتشمل المرحلة الثانية التي سيتزامن الاعداد لها مع بدء الاشغال في المرحلة الاولى اطالة كاسر الامواج ومحطة المستوعبات بمساحة 245 ألف متر مربع ورصيف طوله 700 متر بعمق 12 متراً. وتبلغ كلفة هذه المرحلة 36 مليون دولار. اما المرحلة الثالثة فتشمل تعميق المدخل المائي الى 12 و13 متراً وردم البحر لإنشاء المنطقة الصناعية على مساحة 460 ألف متر مربع وبنى تحتية وحواجز حماية. وتبلغ كلفتها 46 مليون دولار. ويتمتع المرفأ بمواصفات تتمثل بموقعه البعيد عن المساكن ما يسمح بقيام صناعة ثقيلة. ويمكن ايضاً انشاء حوض لتصليح السفن وبرادات للتخزين. ويتوقع لمرفأ طرابلس ان يخدم سورية والعراق وجوارهما اذ سيضطلع بدور ترانزيت بحري وبري.