اهتم الاعلام الدولي بالسياسي الصربي زوران جينجيتش مرتين، الاولى اثناء التظاهرات التي تصاعدت في بلغراد منذ مطلع كانون الاول ديسمبر 1996 احتجاجاً على محاولة السلطات الغاء نتائج الانتخابات المحلية في عدد من البلديات التي فازت بها المعارضة، واستمرت حتى تمت تسوية المشكلة من خلال الاعتراف الرسمي بانتصار المعارضين في 21 منطقة، بينها بلغراد ومدن رئيسية عدة، في منتصف شباط فبراير 1997. والثاني، بدأ مع الغارات الجوية التي شنها حلف شمال الاطلسي على يوغوسلافيا في 24 آذار مارس الماضي، حين حمّل نظام بلغراد مسؤولية تطور الأزمة مع الدول الغربية لتصير احداثا مأسوية، وتحول احتجاجه بعد توقف القصف الى تظاهرات لا تزال مستمرة. ووصف مراقبون جينجيتش بأنه اصبح يمثل الوجه السياسي الاشهر في صربيا بعد الرئيس سلوبودان ميلوشيفيتش، مع الأخذ في الاعتبار انهما على طرفي نقيض. لكن جينجيتش، على رغم ظهوره على الساحة الصربية، رئيساً للحزب الديموقراطي، منذ 1993، لم يستطع تحقيق طموحاته في الوصول الى المراكز القيادية الحكومية، سواء في صربيا او في الاتحاد اليوغوسلافي، وان كان سعى الى ذلك كثيراً وامتاز بتغيير تحالفاته من اجل ما يصبو اليه. فقد وثّق علاقاته برادوفان كاراجيتش رئيس الحزب الديموقراطي - لصرب البوسنة على اساس انه ولد وقضى شطراً من حياته في البوسنة، املا في تشكيل تكتل للأحزاب "الديموقراطية" الصربية التي تزيد عن عشرة تنظيمات يتولى هو زعامته. وتعاون مع ميلوشيفيتش معتقداً، بحسب نقّاده، انه سيمنحنه منصب رئيس الوزراء، وشكل مع رئيس حركة التجديد الصربية القومية فوك دراشكوفيتش تحالف "زايدنو" معاً الذي عمل كي يصبح جينجيتش محافظاً لبلغراد رئيساً لمجلسها البلدي المنتخب في آذار 1997. الا ان حلفاءه ازاحوه عنه بعد ستة اشهر لأنه قاطع انتخابات رئاسة صربيا مناقضاً، في رأيهم، اتفاق زايدنو بتأييد ترشيح دراشكوفيتش للمنصب. وبعد الغارات الجوية على يوغوسلافيا، شكل "التحالف من اجل التغيير" الذي ضم نحو 30 حزباً صغيراً قال نقّاده انها تخلو ممن يعارضه او ينافسه على الزعامة، بحيث يبقى، بحسب هذا التحليل، القائد الأوحد الذي يوجه حملة الاحتجاجات الحالية الداعية الى اسقاط نظام ميلوشيفيتش. وهذا بينما تأمل الاحزاب المنضوية تحت لوائه الاستفادة من الدعاية الاعلامية المتوفرة للتظاهرات من اجل الظهور، وكي ترتقي في حال الانتصار سلم السلطة، خصوصاً ان غالبيتها ليست ذات شأن في الساحة الجماهيرية. وهذا مع العلم بأن الحزب الديموقراطي جينجيتش يصنّف خامساً في قوة الاحزاب الصربية، بعد الاشتراكي ميلوشيفيتش، واليسار الموحد ميرا ماركوفيتش - زوجة ميلوشيفيتش، والراديكالي فويسلاف شيشيلي، وحركة التجديد فوك دراشكوفيتش. ولد زوران اسمه: يعني فجر النهار جينجيتش لقبه العائلي: يعني: جِنِّي، الجان عام 1952 لا يتحدث عن التاريخ، وانما يشير اليه ببرج الأسد، 23 تموز - يوليو/ 23 آب - اغسطس، ويصفه بأنه برج الزعامة والجرأة والاقدام في مدينة شاماتس شمال البوسنة حالياً في الكيان الصربي، وهي المدينة التي ولد ونشأ فيها زعيم المسلمين البوسنيين علي عزت بيغوفيتش. والده كان ضابطاً في الجيش اليوغوسلافي السابق وهمّه قراءة حياة وانتصارات القادة العسكريين الكبار في العالم، خصوصاً اثناء الحربين العالميتين الاولى والثانية. وقد انهى زوران دراسته الابتدائية والمتوسطة في البوسنة. وباعترافه، فانه كان صبياً مشاكساً، وقد انتقل الى بلغراد عام 1967 حيث اكمل دراسته الاعدادية في 1971 ودخل كلية الفلسفة بجامعة بلغراد التي تخرج منها في 1975. وهو يعتبر ان نشاطه السياسي بدأ مع دراسته الجامعية واتجهت "مشاكساته" نحو النظام السائد في يوغوسلافيا، حيث يقول "كنا نظرياً شيوعيين متطرفين وفعلياً فوضويين". كما يذكر انه تدرب على الكاراتيه مدة سنتين لأنها كانت آنئذ رمز "الشباب الثوريين". في 1977 غادر الى المانيا، ووجد "ضالته" في الانتماء الى مجموعة "بادر ماينهوف"، وعاش في كومونات فئة ذات ملكية مشتركة تابعة لها في "مجتمع ثائر، مستعد لعمل كل ما هو فوضوي". وبعد حصوله على الدكتوراه في الفلسفة عاد الى بلغراد بصورة نهائية عام 1989، وتخلى عن شَعره الطويل ونزع الحلقة الفضية من اذنه، وتعرف على الكاتبة الصربية روجيتسا فتزوجها وانجبا ابنة ايفانا - 1990 وابنا لوقا - 1992. ومنذ 1989 اخذ يخالط القادة السياسيين في بلغراد، وانتمى في 1990 الى "الحزب الديموقراطي" الذي كان يتزعمه استاذه في جامعة بلغراد دراغوليوب ميتشونوفيتش، واصبح في 1992 عضواً في القيادة العليا للحزب، فلم يبق امام طموحه، بحسب نقّاده، غير ازاحة استاذه ميتشونوفيتش ليصل الى رئاسة الحزب. وتحقق له ذلك عام 1993 ما جعل الحزب يضطرب وينقسم ثلاثة تنظيمات سياسية، لا تزال متصارعة حتى الآن، وهي: الديموقراطي جينجيتش، المركز الديموقراطي ميتشونوفيتش، الديموقراطي الصربي فيوسلاف كوشتونيتسا، فيما سئم كثير من اعضاء الحزب هذا الصراع وآثر مغادرة "الديموقراطي" بكل اشكاله. اما جينجيتش فلقّب نفسه في دعاياته الاعلامية ب"بوشتينو" اي النزيه. لكن نقّاده اشاعوا انه يملك رأس مال مستثمراً في بنوك ألمانية، ما يوفر له معيشة مريحة ومتطلبات الدعاية الواسعة، والكثير من احتياجات حزبه. ويُعتقد ان جينجيتش هو من قادة المعارضة الرئيسيين الذين شملتهم المساعدات المالية الكبيرة التي قدمتها الولاياتالمتحدة ودول اخرى للمعارضة الصربية قبل الضربات وبعدها، ويأتي في صدارة زعماء التطاهرات الحالية الذين تصفهم وسائل الاعلام المؤيدة للحكومة ب"الفاسدين عملاء الأجانب". ولا يزال جينجيتش بعيداًعن استقطاب الجماهير في حملته الراهنة لاحداث التغيير، ويعود ذلك الى انه لا يمثل نوعية القائد الذي يناسب المزاج الصربي القومي، اذ عليه، من وجهة نظر قومية وكنسية، مآخذ كثيرة: فهو ليس قومياً "حقيقياً" ويتهمه القوميون ب "التعاون مع الأجانب" في الصراع الداخلي الصربي، بحيث رفضت الكنيسة الارثوذكسية الصربية وحركة التجديد الانضمام الى تكتل "التحالف من اجل التغيير". وحتى عند ذهابه الى كوسوفو بعد انتشار القوات الدولية استقبله بعض الصرب هناك بعبارات "لا نريدك يا خائن". وازاء هذا النفور اعتمدت تظاهرات جينجيتش على الأقليات القومية وخصوصاً المجرية، وتركزت في البلديات التي تسيطر المعارضة منذ 1996 على مجالسها البلدية.