قبل سنوات كانت كلثوم السعفي نجمة من نجمات الفضائيات العربية، يشاهدها ملايين المتفرجين، ويلفت حضورها الانظار. بعد ذلك اختفت من على الشاشة الصغيرة، في قناة "اوربت" التي انتقلت اليها بعد "ام. بي. سي" لتتحول الى مسؤوليات ما وراء الكاميرا، ولا سيما، اخيراً، حين تسلمت مسؤوليات واحدة من القنوات الرئيسية في شبكة اوربت، بعد ان أسست لانتاج لحساب الشبكة نفسها في وطنها الام تونس. "الحياة" طرحت على كلثوم السعفي اسئلة عديدة تتعلق بعملها وبالاستراتيجية الاعلامية العامة للفضائيات العربية، كما تتعلق بعلاقتها الشخصية مع عمل لسنا ندري ما اذا كانت ستندم ذات يوم لكونه جعلها تؤجل العديد من مشاريعها الشخصية، بما في ذلك دراستها في جامعة "السوربون" الفرنسية وكتب معدّة ومترجمة بينها كتاب "الضمير الذي يؤنب اسرائيل" للعالم الراحل لايبوفتش والذي لا تزال غير قادرة، بسبب الانهماك التلفزيوني، على ايجاد وقت يمكنها من نشره. وهنا نص الحوار: بصفتك من العاملين والمؤسسين في حقل العمل التلفزيوني الفضائي، هل لنا ان يكون السؤال الاول الذي نطرحه عليك حول الاستراتيجية الاعلامية التي يمكن بناؤها انطلاقاً من مقر اوروبي لمخاطبة المتفرج العربي؟ - ان تطور وسائل الاتصال، كما تعلم، محا كل الحدود بحيث اصبح في امكانك ان تخاطب اي متفرج من اي مكان تقريباً. وانا كنت ارى ان وجود محطات عربية في اوروبا يندرج في اطار تقسيم الادوار المعهود بين الغرب والشرق: الغرب يوفر التكنولوجيا العالية والتقنيات المتطورة التي تستعملها الكفاءات العربية لمد المشاهد بمنتوج متميز. واعتقد ان وجود بعض الفضائيات خارج المنطقة العربية، كان مرحلة لازمة ولكنها زائلة بفضل التطور في العقليات وتحسن الخبرات طوال العقد الاخير الذي تكاثرت فيه الفضائيات ليصبح واقعاً وصناعة. اما عن سبب اختيار بعض القنوات مخاطبة المواطن العربي من خارج المنطقة، فهو يختلف باختلافه هناك من الفضائيات من اختار البث من خارج المنطقة العربية حفاظاً على استقلالية حقيقية. وهناك من اختار ذلك للايحاء باستقلالية خاصة بالنظر الى ان التلفزيون كان حكراً على الحكومات قبل ظهور الفضائيات المستقلة، ولا ننس ان العامل السياسي والاطار القانوني للاعلام في المنطقة العربية هذا العامل ايضاً له اثر في اختيار مكان البث. اما عن "اوربت" بالتحديد فان استراتيجيتها البرامجية توضع من قلب المنطقة العربية وتنبع من صلب ادمغة اهلها ولا يؤثر بعد ذلك ان تبث من روما او غيرها، الاستراتيجية الاعلامية شيء واشارة البث شيء آخر. عرض ام انتاج هل تنظرين الى وجود شبكة تلفزيونية عربية في الداخل او في الخارج ونجاحها على انه اداة تمكن من عرض ما يتوفر من انتاج، ام انها يجب ان تكون وسيلة لتقديم انتاجات جديدة ومبتكرة تمولها الشبكة؟ هل الشبكة عارض فقط ام انها منتج ايضاً؟ - الفضائيات بعثت لتشكل البديل لما كان متوافراً. وحتى تكون البديل، حقيقة، وجب الا تكتفي بالانتاج المتوفر بل ان تعمل على ابتكار مواد برامجية واعلامية جديدة شكلاً ومضموناً. ولضمان ذلك لا بد ان تتحكم في عملية الانتاج، نجاح "اوربت" مثلاً مرده اساساً اعتماد الشبكة على مواد مبتكرة من حيث الشكل والمضمون، ومشاهدونا الذين واكبونا منذ البداية اي منذ خمس سنوات يدركون ذلك. على سبيل المثال كانت "اوربت" اول من ادخل في الاعلام التلفزيوني العربي البرامج الحوارية المباشرة التي يتدخل فيها المشاهدون بكل صراحة وبحرية واضحة بعيداً عن التهريج والرقابة. وغير ذلك من الانماط البرامجية في ميدان السياسة والثقافة والفكر وكذلك الترفيه. لا يمكن للقنوات الخاصة، التي تعتمد على مداخيل الاشتراكات او الاعلانات او كليهما، ان تعتمد فقط على ما هو متوفر من انتاج ولا بد ان تنفرد بانتاج متميز قادر على المنافسة، وهو الطريق الذي بدأته "اوربت" ثم عملت على توسيعه ليتعدى انتاج البرامج الى الاعمال الدرامية. ولنا في ذلك امثلة تجاوب معها الجمهور بشكل جيد. وفي هذه العملية فائدة كبيرة للانتاج التلفزيوني حيث يخرج عن الانماط الكلاسيكية والانتاج الرسمي الذي كان يفرض حدوداً على الموضوع وقيوداً على الخطاب. واقصد بالانتاج الرسمي المواد التي تنتجها الاجهزة الاعلامية الرسمية وكذلك المواد التي تنتجها الشركات الخاصة للبث على اجهزة رسمية. بعد انقضاء عقد من الزمن على وجود الفضائيات العربية، ما هو تقويمك لأدائها بشكل عام؟ وما هي مآخذك عليها؟ وهل انت مستعدة لتقدم نقد ذاتي يرتبط بالتساؤل حول ما أضافه هذا كله الى الوعي العربي أم ما لم يضفه؟ - في ميدان الاعلام عبر الفضائيات لم يكن العرب، مرة اخرى، رواداً ولا فاتحين واكاد اقول انهم اقتيدوا الى هذا الميدان احياناً كثيرة، خوف ان يحتله الغرب كما سبق ان احتل ميادين اخرى، اكثر مما هو كنتيجة الحرص على "الوعي العربي"، لكن ذلك لم يمنع ان يكون الوعي العربي هو المستفيد. الوعي العربي في حاجة الى عملية ترميم متواصلة ومن ادوات ذلك مرآة يرى فيها نفسه ليثمن محاسنه ويقوّم عيوبه. كما هو بحاجة الى جسر بين الماضي والحاضر للموالفة بين نقاط القوة والضعف فيه. مناقشة المشاكل الجوهرية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والحضارية بصفة عامة هي لبنة بناء الوعي وتقدمه، والمشاكل لا تحل الا اذا اخرجت الى النور وكشفتها الاضواء، الاعلام بكافة وسائله، وعلى رأسها التلفزيون وسيلة لذلك. ويمكننا ان نقول بشكل اجمالي ان الاعلام الفضائي بأنواعه خدم "الوعي العربي". يكفي انه نزع عنه الحدود التي كانت تفرضها المحلية والقطرية، ثم انه كسر حاجز الرأي الواحد والذوق الواحد، بحيث ان اسماء بارزة وشخصيات فاعلة ومؤثرة في "الوعي العربي" تمكنت اخيراً من الوصول الى الرأي العام العربي والفرد العربي عبر منابر الفضائيات وبفضل امكانيات القنوات المشفرة. اليوم، والقرن يشرف على نهايته، تشكل الفضائيات شاهداً على فشل التنظيرات والايديولوجيات التي عملت بين الحدود في الصالونات وفي الصحف وفي المجلات محدودة الرواج، على تكوين "وعي عربي"، من هنا يلاحظ كيف ان الفضائيات تأتي بقبس ولو ضئيل، ولكنه حقيقي، من خلال بعض منابرها الجادة لترسم الارضية التي كانت مفقودة لبعث "وعي عربي" يميز بين الحلم والواقع ويجعل من الاختلاف قوة وصحوة. اما عن النقد الذاتي لهذه القنوات، و انا اتكلم من منطلقي الشخصي، فأهمه ان هذا العمل الفضائي كثيراً ما يحجب الغث فيه السمين، واعتقد ان اهم نقد يوجه الى الفضائيات هو مسايرة هذه القنوات لأذواق المستهلكين التي لا تشكل دائماً الذوق العام وكثيراً ما تكون مختلفة عن "الذوق الرسمي". ولكن اذا اعتبرنا البرامج التلفزيونية، والتلفزيون بصفة عامة، خدمة مدفوعة وليست اداة ترويج لموقف معين لا يمكن ان نلوم هذه القنوات عن تقديم اية خدمة مطلوبة ومفيدة. وهنا لا بد من التفريق بين القنوات المشفرة التي تقدم خدمة مدفوعة يملك المشاهد فيها حق الاختيار، والفضائيات المفتوحة التي هي في متناول الجميع، كما لا يمكن الحكم عليها او لها بنفس المقاييس. عُرفتِ اساساً كصحافية ومقدمة اخبار ومنتجة برامج، ولكن اخذك العمل الاداري، هل ستعودين للصحافة والتقديم؟ - كلما قابلت زميلة او زميلاً يسألني هذا السؤال فأشعر بالحيرة في الاجابة عنه من دون ان تكون اجابتي عرضة للتأويل. الصحافة هي هوايتي وهي المهنة التي اخترت دراستها واحترافها واكتسبت فيها خبرة لن تزول كما لن يزول الحنين اليها، اما الادارة فخبرة اضافية وأحمد الله على هذا الحظ! ان تكوني امرأة في مركز قيادة، هل ساعدك أم أعاقك؟ - نعم وجدت صعوبات ولكنها لم تنجح في اعاقتي. وان كنت تقصد انني حصلت على الدعم لأنني امرأة اي بعبارة اخرى "لسواد عيوني" فهذا ليس الحال البتة بل العكس هو الصحيح. المرأة في موقع القيادة مطالبة بالعمل والاجتهاد اكثر من الرجل لفرض صوتها كامرأة مديرة وفاعلة ومحو صورة الانثى الضعيفة المحكومة، وهو الاطار الذي يفضّل الجميع رؤيتها فيه. لقد لاقيت خلال مراحلي المهنية محاربة شرسة من البعض وبخاصة الرجال! ولكن لا يمكن ان اعمم ذلك على كل الرجال، فلي اصدقاء كثيرون في المهنة يساندوني وعلى رأسهم زوجي زين العابدين حمدة. هذه اجابة على سؤالك، اما انا فلا انظر الى الامور بأكملها في حياتي وفي مهنتي من منطلق ذكر او انثى، في ميدان الاعلام كما في غيره، الكفاءة والاخلاص هما السلاح والفيصل.