يشهد العالم العربي زيادة سريعة في عدد قنوات التلفزيونات الفضائية حيث يقدر اجمالي الانفاق على الاعلان في التلفزيون بنحو 1.2 مليار دولار. ويوجد الآن اكثر من 200 قناة تلفزيونية فضائية في المنطقة، نصفها تقريبا قنوات عامة وللافلام. وتشهد القنوات المتخصصة مثل محطات الموسيقى المصورة نموا ايضا، حيث من المرجح ان يطلق اللاعبون الفاعلون مثل روتانا وميلودي ومزيكا قنوات جديدة تلبي حاجات الاذواق الموسيقية الاضيق بين قطاعات المشاهدين. وتبين (بوز ألن هاملتون) في بحث مشترك عن التحديات والاتجاهات المستقبلية في المشهد التلفزيوني في الشرق الاوسط ان سوق التلفزيون في الشرق الاوسط تدخل فترة من التغير السريع والتطورات المهمة التي ستعود نتيجتها بالفائدة على مشاهد التلفزيون العربي. كما ان القنوات التلفزيونية التي تملكها جهات خاصة والتي تستهدف اسواقا محلية محددة، مثل تلفزيون دريم في مصر وقريبا تلفزيون نصر في تونس وتلفزيون رأي في الكويت، تزيد من توسع الخيارات امام المستهلكين وتشعل المنافسة في السوق. ثلاثة اساليب استراتيجية وسط هذه البيئة المتزايدة التجزؤ، اخذت تظهر ثلاثة اساليب استراتيجية بين المحطات التلفزيونية. كما هو مبين في (الشكل 1). فقد بدأ بضعة لاعبين فاعلين بترسيخ مواقعهم كمعابر للمضمون التلفزيوني الحصري والضروري. ومن الامثلة على الاسلوب الاستراتيجي القائم على المضمون ART في الرياضة وروتانا في الموسيقى. وكلاهما يقومان بالتكامل التراجعي بحيازة الحقوق وانشاء المضامين لتأمين العرض الدائم للمضمون المميز على شاشاتهما. ثمة مجموعة اخرى من الفاعلين تنشئ باقات من القنوات التلفزيونية لاجتذاب المشاهدين من جميع افراد الاسر العربية وتوليد تدفق متواصل للمشاهدين طيلة اليوم. يبدو هذا الاسلوب الاستراتيجي جليا في محطة MBC باطلاق القنوات المنتمية الى MBC التي تستهدف المشاهدين الشبان الكثر فضلا عن المشاهدين الكبار والاكثر تحفظا. وعلى نحو مماثل، يخضع تلفزيونا دبي وابوظبي لمبادرات اعادة الهيكلة واعادة تحديد مواقع القنوات التلفزيونية في محفظتيهما. وتتبع الجزيرة اسلوبا استراتيجيا مماثلا بباقة مختلفة تتكون من قناة الجزيرة الاخبارية والجزيرة الرياضية وقناة تعليمية للاطفال اعلن عنها مؤخرا ولم تتخذ علامة تجارية بعد. حشد القوى أخيرا عمد مقدمو القنوات التلفزيونية المشفرة مقابل الدفع، مثل ART وشوتايم واوربيت، الى حشد القوى ليصبحوا مخدمين فائقين لمجموعة متنوعة من المشاهدين عبر قنوات الاشتراك والدفع مقابل المشاهدة. ويعتمد المقدمون الاقليميون للقنوات التلفزيونية مقابل الدفع على تكنولوجيا وصول خاصة للاتصال بالمستهلكين واقامة علاقات خاصة وعميقة معهم. ووفقا لاحمد جلال اسماعيل، وهو مشارك في (بوز ألن هاملتون) ، (يواجه اليوم معظم اللاعبين الفاعلين في وسائل الاعلام التلفزيونية مجموعة مشتركة من تحديات الاداء المالية، بصرف النظر عن موقفهم الاستراتيجي. ففي جانب العائدات، تباع الاعلانات في التلفزيون اثناء الفترة الرئيسية بخصومات كبيرة تصل الى 95% احيانا. وقد سمح غياب التوجيهات التنظيمية للاعلان في القنوات التلفزيونية بتوسيع مخزونها من وقت الاعلانات في الفترة الرئسية في محاولة لتنمية العائدات والتعويض عن تدني اسعار الوحدة الاعلانية. وقد يكون الازدحام الناتج اعلانات الفترة الرئيسية ذا نتائج عكسية على المدى البعيد لانه يبرر مزيدا من الخصومات على اسعار الاعلانات والتي صارت اقل فاعلية نتيجة الازدحام. لذا فان الحصيلة الاجمالية ستكون متدنية، وستؤدي في العديد من الحالات الى خفض العائدات الصافية الهامشية للقنوات التلفزيونية على المدى القصير مع احتمال حدوث نمو محدود للعائدات على المدى الطويل). العائدات المالية كما يقدر البحث الذي اجرته (بوز ألن هاملتون) أن معظم القنوات التلفزيونية في المنطقة لم تتمكن من توليد عائدات اعلانية كافية من برامجها خارج الفترة الرئيسية وفي وقت متأخر من الليل الامر الذي ادى الى عائدات متدنية جدا لكل وحدة تسعير اثناء الصباح وبعد الظهر الباكر. وفي جانب التكلفة، تفرض المنافسة المتزايدة على المشاهدين ضغطا متصاعدا على تكاليف البرمجة والبث. ويمكن ان تتفاوت ميزانية البرمجة السنوية للقناة التلفزيونية في المنطقة من 5 ملايين دولار للقناة القائمة على المكتبات، الى 60 مليون دولار للقنوات التي تنتج برامجها الخاصة و/ أو تحصل على حقوق برمجة اجنبية. ولمجاراة توقعات المشاهد المرتفعة، تعمد المحطات التلفزيونية الى الاستثمار كثيرا في ترقية جماليات شاشاتها وفي اقتناء انساق البرامج الاجنبية مثل (pop idol) و(fear factor) و(survivor) كما ان الاستثمارات في تكنولوجيا البث وجودته والتواجد على عدة اقمار اصطناعية من عرب سات الى نايل سات ساهمت في ارتفاع الاستثمارات الاجمالية. تغييرات في صناعة البث وقد علق غابرييل شاهين، وهو مدير في (بوز ألن هاملتون) وعضو في مجموعة الاتصالات ووسائل الاعلام والتكنولوجيا ومقره دبي، على ذلك بقوله، (ان الضغوط التنافسية المتزايدة وتحديات الاداء الداخلي ستؤدي الى حدوث تغييرات مهمة في صناعة البث التلفزيوني على المديين القصير والمتوسط. وتشير ابحاث (بوز ألن هاملتون) وخبرتها مع الشركات الاعلامية الكبيرة في الاسواق المختلفة الى ان من المرجح حدوث التغير في ثلاثة أبعاد. الابعاد الثلاثة 1- نماذج التشغيل الفاعلة : سيكون على معظم اللاعبين الفاعلين الحاليين مراجعة نماذجهم التشغيلية على عدة جبهات لتحقيق النجاح التجاري. ففي احدى الجبهات، وبالنظر الى الاسهام الكبير لميزانيات البرمجة والانتاج في التكاليف الاجمالية، على المحطات التلفزيونية ان تعيد النظر في استراتيجيتها المتبعة في البرمجة والتنفيذ وان تجعل الاستثمارات في المضمون منحازة الى جانب المشاهدين وامكانية بيع لاعلانات، ومن ثم التركيز بشكل صارم على عائد الاستثمار بالنسبة الى القنوات وانواع البرامج المختلفة. وعلى جبهة اخرى، يجب اصلاح السياسات التجارية لمبيعات الاعلانات لكسر الحلقة المفرغة لزيادة الخصومات وتعظيم العائدات الصافية للبرمجة المختلفة عبر مختلف شبكات القنوات. تعتبر (بيرتلزمان) مرجعا مشهودا له في اعادة الهيكلة التشغيلية على اثر التقدم الكبير في التكنولوجيا. فقد ادى انشاء شركة قابضة كمركز قيادة ودفع التآزر الطبيعي على مستوى المجموعة عبر وحدات ومنصات الاعمال المختلفة الى تقوية الكفاءة التشغيلية ل (بيرتلزمان). وتمكنت (بيرتلزمان) اضافة الى ذلك من زيادة مكانتها من خلال مبيعات الاعلانات وتسويقها وتحقيق كفاءة في انتاج البرامج واقتنائها بتوزيع تكاليف الانتاج على قنوات متعددة. 2 توحيد الشركات: يمكن ان يكون سوق البث التليفزيوني في الشرق الاوسط ناضجا على المستوى الاجمالي للتوحيد. وقد شهدت السوق بالفعل بعض انشطة التوحيد بحصول روتانا مؤخرا على حصة في LBC وشراء (فنون). ويمكن تسريع وتيرة التوحيد عندما تصبح القيمة المحتملة لاقتصادات الانتاج الواسع النطاق جلية امام اللاعبين الفاعلين الحاليين من ناحية تدني تكاليف البرمجة والبث والتكاليف المباشرة، وتعزيز القدرة على المساومة في بيع الاعلانات وزيادة استراتيجيات تنسيق القيمة عبر المنصات المتعددة. وبناء على ذلك، يمكن ان تتوحد سوق الشرق الاوسط من خلال اعمال الاندماج والشراء من جهة، ومن خلال المشاريع المشتركة والاتحادات من جهة اخرى. ويمكن ان يتبع ذلك مسار مماثل للمسار الاوروبي والامريكي اثناء اواخر التسعينيات عندما انشأت وسائل الاعلام البارزة عائلات من الشبكات الامر الذي سمح لها بتأمين حيز وبناء مكانتها في الاسواق ففي الولاياتالمتحدة، وحدت (فياكون) شركات التليفزيون الكبلي الرئيسية في اطقم رقمية (Land Nickelodeon TMC BET MTV VHI CMT TV) وحصلت وولت ديزني على شبكة ABC بما فيها ESPN وادخلت قنوات تحمل اسماء تجارية لتقوية مضمون ديزني. وفي بريطانيا اطلقت (سكاني) مجموعة متنوعة من القنوات المتخصصة التي تحمل اسمها (سكاي سبور، سكاني موفي ماكس، سكاي ترافل) فيما انشأت مشاريع مشتركة مع شبكات امريكية ناجحة (نيكيلوديون وقناة التاريخ) وقد سمحت لها المواقع الموحدة للشبكات الامريكية في قنوات متعددة وقدرتها المتواصلة على حشد جماهير المشاهدين دفعة واحدة بزيادة العائدات بالرغم من هبوط نسبة المشاهدين كما يشير (الشكل 2). انتاج المضامين يشكل انتاج المضامين مثالا جيدا على المكان الذي يلعب فيه الحجم دورا محددا في نجاح اي شركة اعلامية على المدى الطويل. تبقى وسائل الاعلام عملا يسيره المضمون المثير حيث تحقق بضع خبطات اعلامية الحصة الكبرى من الربحية الاجمالية. وبناء على ذلك من الاهمية بمكان لشركات الاعلام المشاركة في انتاج المضامين ان تراهن على جانبي الرهان من خلال الانتاجات المشتركة او الاعداد الكبيرة للانتاجات. 3 عروض الاعلام الجديدة والمجزأة: بموازاة الاتجاه التوحيدي على مستوى الشركات، من المرجح ان تخضع عروض الاعلام الجديدة الى مزيد من التجزؤ تبعا لاذواق المشاهدين المنقسمة. وبالفعل ان الشركات التليفزيونية الدولية تخدم الاختيارات الدائمة التجزؤ لمشاهديها. على سبيل المثال، لدى MTV في بريطانيا حزمة من سبع قنوات بما في ذلك VH-1 Classic, VH-1 MTV ROCK MTV Dance MTV2 MTV Music Factory وبعيدا عن العروض المجزأة يكمن التحدي الحالي الذي يواجه معظم المجموعات الاعلامية البارزة في التطوير والتفنيذ الفعال لاستراتيجية متعددة المنصات تشمل انماط الاعلام الجديدة والناشئة للمنصات الشبكية والمحمولة. وتلعب المنصات الاعلامية الجديدة دورا حاسما في النجاح على المدى الطويل اذ ثمة وسائل اعلامية جديدة تنشأ باستمرار وتسرق وقت المستهلك وانفاقه من وسائل الاعلام التقليدية كما يبين (الشكل 4). ووفقا لكريم صباغ، وهو شريك ونائب رئيس قسم الاتصالات ووسائل الاعلام والتكنولوجيا في بوز الن هاملتون، في الشرق الاوسط، ينتظر ان تتخذ وسائل الاعلام التليفزيونية المجزأة بفعالية شكلها في وقت لاحق، اذ يصعب تمييز معظم القنوات في الشرق الاوسط ان تطور قدرات المنصات المتعددة والفهم المعمق لعملائها من اجل الاستفادة التامة من مصادر العائدات المحتملة من التسويق والتفاعل من خلال الهاتف الثابت والمحمول والتجارة على التليفزيون. قوة السوق والتغير الملحوظ ويشير تقرير بوز الن هاملتون الى ان السوق التليفزيونية في الشرق الاوسط تدخل فترة من التغير السريع والتطورات المهمة. وتمارس قوى السوق ضغطا كبيرا على اللاعبين الفاعلين لمراجعة موقفهم الاستراتيجي وتعزيز قدراتهم التنفيذية في وجه المنافسة التوحيدية. وعلى الادارة العليا في الشركات الاعلامية البارزة ان تكون واعية للتحديات الملازمة وان تفكر باستمرار في اغتنام الفرص التي لديها لشغل الموقع الافضل في المستقبل. ورغم ان حجم الجائزة جذاب، فان الاسراع الى السوق باستراتيجيات بدائية وتنظيم غير مهيأ سيأتي بعكس النتيجة المرجوة. وثمة امثله على اخفاقات مدوية لمجموعات اعلامية مثل فيفندي يونيفروسال وكيرش غروب نتيجة استراتيجيات غير منسجمة والتوزيع الجسور للموارد. التحديات ولا تقل عن ذلك اهمية التحديات التي تواجه المعلنين ووكالات التخطيط للاعلانات وبيعها. فإلى جانب المصاعب القائمة الحالية لغياب شيوع الابحاث المشتركة ومقاييس مشاهدي التليفزيونات، سيواجه المعلنون مشهدا اعلاميا اكثر تعقيدا في المستقبل، الامر الذي يسمح بمزيد من الاعلان المستهدف لكنه يتطلب في الوقت نفسه قدرات وادوات تخطيطية اعلامية فائقة. اخيرا، من المنتظر ان يكسب مشاهد التليفزيون العربي في ظل هذه الظروف السائدة في السوق. فمن المرجح ان تؤدي المنافسة على اكتساب المشاهدين الى برمجة اعلى جودة وعروض تليفزيونية اكثر ابداعات ومنصات اعلامية اخرى. لذا من المرجح ان تتم خدمة المشاهدين ذوي الاذواق الخاصة بشكل مرض من خلال عروض وسائل الاعلام المجزأة. الشكل (2) الشكل (4)