الكتاب: الاسلام في اسبانيا والبرتغال - تاريخ سياسي للاندلس. المؤلف: هيو كنيدي. الناشر دار لونغمان - لندن. مؤلف الكتاب هيو كنيدي هو أستاذ التاريخ الاسلامي بجامعة سنت أندروز في اسكتلندا، يقول في مقدمته ان الكتاب يستهدف تقديم عرض للتاريخ السياسي للاندلس، أي تلك الأجزاء من شبه جزيرة ايبرية التي كانت تحت حكم المسلمين ما بين سنة 92ه/711م سنة بدء افتتاح الاندلس وسنة 897ه/1492م، سنة سقوط مملكة غرناطة، آخر دولة اسلامية مستقلة في الاندلس. ويضيف المؤلف: "انني لا أعني بالتاريخ السياسي سرد أخبار الحكام والمعارك - مع أهميتها - بل أعني كذلك فهم الكيانات وراء الأحداث والقرارات السياسية، وأهم هذه الكيانات الأسر الحاكمة، من أين قدمت؟ ومن كان أهم مؤيديها؟ وكيف حاولت تلك الأسر الحاكمة أن تجد تبريراً وشرعية لمزاولة الحكم". يشتمل الكتاب 308 صفحات من القطع المتوسط على أحد عشر فصلاً تتناول فترات الفتح، وعصر الولاة، وفترة الإمارة الأموية، والعصر الذهبي لخلافة قرطبة الأموية، والدولة العامرية، وسقوط خلافة قرطبة، وقيام ممالك الطوائف، وفترتي المرابطين والموحدين، ومملكة بني نصر بني الأحمر في غرناطة. وألحق بالكتاب خريطتان: احداهما للاندلس، والثانية لبر العدوة المغرب الأقصى. كما ألحقت بالكتاب جداول بأسماء الولاة والأمراء والخلفاء الأمويين، وسلاطين المرابطين والموحدين، وسلاطين بني نصر في غرناطة. ويختتم الكتاب بثبت للمصادر العربية 35 مصدراً، وأهم المراجع الحديثة باللغات الأوروبية 90 مرجعاً، وبفهرس للاعلام وأسماء الأماكن. ان الفترة من تاريخ الأندلس من سقوط اشبيلية في أيدي النصارى سنة 646ه/1248م الى سقوط غرناطة سنة 897ه/1492م فترة يكتنفها كثير من الغموض ولم تنل حظها من اهتمام الباحثين والمؤرخين الذي انصب جل اهتمامهم على القرون الخمسة الأولى من تاريخ الأندلس ابتداء من الفتح العربي الاسلامي للبلاد. وقلّما نجد مؤرخاً عربياً أولى الفترة المتأخرة من تاريخ الأندلس اهتماماً جاداً معمقاً، وكذلك الحال بالنسبة الى المؤرخين الأوروبيين الذين تناولوا الفترة بصورة جانبية مهمشة عند تأريخهم لاسبانيا، مركزين على الجانب المسيحي الاسباني من تاريخها. ان مما يميز هذا الكتاب انه خصص نحو نصف الكتاب لالقاء الضوء على تلك الفترة الغامضة، فتناول بإسهاب فترتي حكم المرابطين والموحدين القرنان السادس والسابع الهجريان/ الثاني عشر والثالث عشر للميلاد معتمداً - وهو مستعرب - على المصادر العربية التي عُثر عليها ونُشرت في السنوات الأخيرة، وفي مقدمها كتاب "المعجب في تلخيص أخبار المغرب" لعبدالواحد المراكشي، وكتاب "المن بالإمامة" لابن صاحب الصلاة، وكتاب "البيان المغرب" القسم الخاص بالموحدين لابن عذاري المراكشي. وعلى ذلك، فإن هذه الفصول من الكتاب مساهمة قيّمة ومهمة للدراسات العامة الحديثة عن الأندلس باللغة الانكليزية. وفي الكتاب ترجمات حية من المصادر العربية، ويبحث المؤلف بالتفصيل في طبيعة هذه المصادر وقيمتها. ويختتم المؤلف كتابه بفصل قصير عنوانه "ودعاً للاندلس"، وفيه يحلل العوامل التي أدت - في رأيه - الى ضعف المسلمين وسقوط الأندلس في آخر الأمر. ومن بين هذه العوامل ما هو ديموغرافي ازدياد عدد النصارى، ومنها ما هو استراتيجي، فضلاً عن الفرقة في صفوف المسلمين، وتفوق خصومهم التكنولوجي في مجال السلاح وقصور المسلمين في التمكن من أخذ أو استرداد المدن المسوَّرة كطليطلة ولشبونة، واستبعاد معظم الاندلسيين عن الخدمة في الجيش منذ أيام الخليفة عبدالرحمن الثالث الناصر لدين الله والمنصور محمد بن أبي عامر القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي، والاعتماد على عناصر من غير أهل البلاد في الدفاع عنها. ان هذا الكتاب سيكون عوناً كبيراً للباحثين الأوروبيين في تاريخ القرون الوسطى. فهؤلاء الباحثون يعتمدون الى حد كبير على المصادر المسيحية التي تركز على حركة الاسترداد reconquista. ان تاريخ الأندلس - وهي الدولة الاسلامية الوحيدة التي عاشت أمداً طويلاً في غرب أوروبا - أهمل كثيراً اذا ما قورن بتاريخ الممالك المسيحية المجاورة لها في القرون الوسطى. لقد عاشت الاندلس الاسلامية ثمانية قرون، وفي حواضرها الكبرى ازدهرت الحضارة ازدهاراً فاق كثيراً ما كانت عليه الحال في أوروبا المسيحية المعاصرة، فضلاً عن الدور الكبير الذي كان للاندلس في نقل العلوم والمعارف والثقافة والتكنولوجيا العربية الى الغرب. وعلى ذلك، فإن الاندلس - بفضل هذا الكتاب - سوف تحتل المكان اللائق بها لدى الباحثين الغربيين عند دراسة التاريخ الأوروبي في فترة القرون الوسطى.