كتبت فاطمة المحسن في "الحياة" العدد 13237 تاريخ 5 حزيران يونيو 1999 وتحت عنوان "هل سرق السياب والبياتي ما أنجزت نازك الملائكة؟" ذلك بمناسبة الاحتفال الذي أقامه في القاهرة أصدقاء نازك الملائكة في مناسبة مرور نصف قرن على صدور "شظايا ورماد" 1949، والمقال من ألفه الى يائه يؤكد ريادة نازك الملائكة للشعر الحديث، ويذكر الى جانبها بدر شاكر السياب وعبدالوهاب البياتي. وتؤكد الكاتبة ان كتاب الملائكة المذكور، بمثابة بيان الحداثة الأول في الشعر الذي اسمه الشعر الحر، وعن فرادتها تقول: "عبر مقدمة - شظايا ورماد - ميزت الملائكة نفسها من خلال نشاط لم يستطع بقية الرواد ممارسته الى مراحل متأخرة، فكان وعي الشعر الجديد يتلبس لديها نظاماً من المفاهيم المعرفية"، وترى انه "بقي السياب والبياتي - أكبر منافسيها - هكذا بصيغة الجمع!! يتتبعان بوصلة الشعر ذاته لتفضي بهما خارج تنميط الاشكال والصيغ" من دون أي ذكر لدور الشاعر بلند الحيدري، وهو المنافس الثالث في أقل تقدير، بل ولا امتياز لها على مجايليها كما تؤكد هي "لا تختلف قصائد الملائكة الأولى من حيث المستوى عن قصائد منافسيها في اللون الجديد" ما خلا "إنشغالها بالتعبير عن اناها الأنثوية" ثم تعود لتقول "إن شئنا ان نسجل تاريخ انطلاقة الموجة الجديدة - الشعر الحر - كفعالية تعي ذاتها معرفياً وتتبع هاجس التغيير عبر تحدي طقوس الشعر الصارمة، فسنجد الأمر عند نازك الملائكة في مقدمة - شظايا ورماد - قبل سواها أيضاً ممن ترجموا المصطلح الأدبي الغربي لا أكثر" و"إن الشاعرات يصنفن عادة بين الشاعرات فيما كانت نازك تقف قبل الأوائل وان خذلها الوقت ولكنه كان وقتها". واذا غضضنا النظر عن رأي المحسن فإننا نجد نازك نفسها تقول عن بداية الشعر الحر وظروفه "وكانت أول قصيدة حرة الوزن تنشر قصيدتي - الكوليرا - وقد نظمتها يوم 27/10/1947. ولم تنشر الا في أول كانون الأول 1947". كما ان رسالة مكتب "الحياة" في القاهرة والمنشورة مع مادة الكاتبة فاطمة المحسن تشير الى ان كلاً من عزالدين اسماعيل ومحمد الفيتوري أكدا خلال الاحتفال المذكور في القاهرة ريادة الملائكة لا كونها واحدة من الرواد. وحقيقة ان هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها تجاهل اسم الشاعر بلند الحيدري الذي يعد "أهم أضلاع المربع الذهبي" بل أول هؤلاء قاطبة. لأن التاريخ القريب الذي لا زال هناك بعض الاحياء شهوداً عليه، لا يمكن تزويره البتة، فإن الحيدري كان بالمقابل قد أصدر ديوانه الأول "خفقة الطين" عام 1946 وهو في العشرين من عمره. وصدر ديوان "عاشقة الليل" لنازك الملائكة - كما يقول بلند - في مطلع الشهر الثالث من العام 1947، بينما تأخر صدور ديوان السياب الأول الى أواسط العام نفسه .... ولعلي لا أستطيع خلال هذه الوقفة ان استعرض كل الغبن الذي لحق بالشاعر الذي غمط حقه، وتتجاهله كل الدراسات النقدية الرسمية، وكأني ببعضهم لا يريد ان يكون رائد الشعر العربي الحديث كردياً، كما ان أمير الشعراء العرب كردي، وكما ان صلاح الدين الايوبي كردي، وكما ان أبناء الأثير - محمد تيمور - محمد عبده - قاسم أمين - العقاد - الرصافي - الجرجاني - الأمدي - ابن قتيبة الدينوري، والقائمة تطول وكلهم من أصول كردية... لا سيما إذا علمنا ان كثيرين من الأكراد أنفسهم يشطبون على اسم هذا الشاعر الانسان نظراً لبعض تصريحاته المسيئة الى لغته الأم برأيهم أو لعدم انشغاله بالهاجس الكردي، كما فعل الصديق الشاعر جلال زنك آبادي عبر دراسة مهمة جداً عن بلند. ولئلا يساور الشك أحد عن ريادة دور الحيدري يمكن العودة الى اعترافات كل من السياب الذي قال في العام 1956 بلند الحيدري هذا الشاعر الممتاز الذي اعتبر العديد من قصائده الرائعة أكثر واقعية من مئات القصائد التي يريد منا المفهوم السطحي للواقعية ان نعتبرها واقعية. والبياتي الذي يقول في العام 1952 إن بلنداً شاعر مبدع في أساليبه الجديدة التي حققها، وفي طريقته التي لا يقف فيها معه الا شعراء قلائل من العراق. وبصدد هذه الشهادة الأخيرة يقول نجم عبدالكريم يندر ان يصدر عن البياتي شهادة لأحد الا اذا كان قد استحوذ على اعجابه وفرض عليه نفسه، ويرى بأن بلنداً لم يكن لديه من الفراغ ما يملأ به تلك السجالات التي تدور في فلك لمن الأولويات في ريادة الشعر الحديث؟ فقد كانت الأولوية عند بلند للقصيدة وللبحث وللحضور الأدبي والفكري ولعمري انه قد انتصر ايما انتصار...". القامشلي - ابراهيم اليوسف عضو اتحاد الكتاب العرب جمعية الشعر - عضو اتحاد الصحافيين، وسكرتير تحرير مجلة "المواسم".