يعيشون في عالم معزول عما يسمى ب "القفص الذهبي"، ويعتبرون ان الدخول في "مغامرة" الزواج يعادل التوقف عن استنشاق اوكسجين الحياة والدخول في دوامة مغايرة لنمط حياتي خاص اعتادوا عليه بعيداً عن الالتزامات التي تفرضها الحياة الزوجية. ذاك تصور مجموعة من "الشباب" المغربي تجاوز سنهم الاربعين للارتباط الزوجي. ومن خلال متابعة تفاصيل حياة هؤلاء، يمكن الجزم انهم يعيشون حياة الطلاب الجامعيين على أمل مقابلة فتاة الاحلام التي قد لا يروقها مظهر تقدم السن وبروز تقاسيم الزمن وارتفاع الشيب. في الاحصاء العام الأخير لسكان المغرب، يلاحظ من توزيع السكان وفق الحالة الاجتماعية ان نسبة العزوبة لدى الرجال تمثل 4،45 في المئة، بينما تستقر هذه النسبة في حدود 9،31 في المئة لدى النساء، ويفسر المحللون هذا الفارق اساسا بالزواج المتأخر للذكور مقارنة مع الاناث. وتختلف تقديرات العازبين بشان تأجيل الزواج بين الخوف من الحياة الثنائية تحت سقف واحد، وهاجس اكتشاف الطرف الاخر. لكن اهم ما يكمن وراء تأخر زواج الرجال في المغرب يبقى، رغم عدم الافصاح عنه، انفتاح المجتمع الكبير امام الافكار الغربية، وايمان النساء بنفس الافكار وحملهن لنفس الهواجس التي تسيطر على الرجال. يقول أحمد 44 عاما، مدير شركة: "الزواج بعد هذه السن مجازفة. ومن اتزوج؟ إن قضاء اكثر من عشرين سنة في ظل العزوبية يجعل من الصعب الوصول الى فتاة الاحلام التي كانت تراودك عندما كنت شابا في العشرينات. فالمطالب باتت مختلفة والمرء صار أكثر إلحاحاً وإمعاناً في شخصية المرأة وتصرفاتها". ويضيف: "قد تصبح مع مرور الوقت اكثر تحرراً من السابق، ولا يعيقك بعض الاعتقادات مثل ان تطالب بأن تكون الاول في حياة المرأة التي تنوي الارتباط بها، لكن تعقد وسائل العيش والسباق نحو التحرر الذي نعيشه يجعل من الصعب الوصول بسهولة لفتاة الاحلام، وقد تعتقد في لحظة انك وجدتها، لكن يتبدد شعورك بعد فترة وتفضل البقاء وحيدا على ان تستمر في لعبة اكتشاف الآخر ومحاولة فرز ميزاته وسلبياته". ويخلص احمد الى القول: "هذه الاحاسيس المختلطة التي تنتابني ربما كانت ناتجة اساسا عن خيار العيش وحيداً بعيداً عن اي التزامات عائلية او التفكير الثنائي واعتبار وجود الاخر". ويقول سعيد البكري مهندس دولة، 50 عاماً: "ان تقدم الرجل في السن يجعل منه شخصاً صعب الطباع ومزاجياً في احيان كثيرة، وانا لا ارغب في الزج بامرأة معي في دائرة يسودها انعدام الاستقرار، وافضل ان اعيش تقلبات مزاجي وحيداً بعيداً عن الانتقادات والملاحظات التي قد تفسد علي حياتي وتضطرني للانفصال بعد فترة قصيرة من الارتباط". لكن ماذا عن الاطفال والسعي الى الاستمرارية من خلالهم؟ "هذه قضية اخرى، انا مثلاً احب اطفال الآخرين ومداعبتهم، لكني لا أقوى على التفكير ان لدي في البيت اطفال، مع ما يحمله ذلك الوجود من ضجيج ومسؤولية في التربية والمتابعة. قد يكون في كلامي كثير من الانانية، لكني افضل ذلك على احتضان اطفال قد لا اوفق في تربيتهم". أما خالد، الأكثر صراحة في كلامه حول دواعي تأخر الرجال في المغرب عن الزواج، فيقول: "في السنوات الماضية كان الرجال يربطهم هم واحد يكمن في البحث عن الاستقرار والمرأة التي تضمن الأمن العائلي، وكانت رحلة البحث تتم بصفة انفرادية من قبل الزوج او بمساهة العائلة التي كانت تلعب دوراً كبيراً في اختيار رفيقة العمر، لكن مع تزايد التحرر في صفوف النساء وانتعاش الحركات النسائية في المغرب، بدت العلاقات بين الجنسين اكثر سهولة من السابق، ورغم العوائق العائلية التي كانت تحول في السابق دون ذلك، اصبحت الفتيات المغربيات تقبلن العيش مع الرجل تحت سقف واحد ومن دون أي عقد كتابي يلزم الطرفين، وتعتبر الجامعيات المغربيات، خصوصاً الفئة التي حصلت على الشهادات الجامعية العليا من دول خارج المغرب، الأكثر اقتراباً من هذا النموذج من بقية زملائهن داخل الجامعات المغربية. وتتميز هذه الفئة بالمزاجية التي تغلب عادة على طبع الرجل ما يجعل التقاء الطرفين سهلا على الاقل من ناحية مزاجية الطباع والرغبة في التحرر والعيش من دون قيود تلزم أياً من الطرفين". ومن خلال الاحصاءات المتوافرة، يتزوج الرجال في المغرب متأخرين عن النساء بمعدل أربع سنوات. لكن نسبة العزوبة لدى الرجال عرفت ارتفاعاً ملحوظاً منذ الثمانيات حتى الآن. ومع التطور الذي عرفه المجتمع المغربي في اتجاه التعامل مع بعض الافكار الغربية الداعية الى مزيد من التحرر، زاد تأخر زواج الرجال. ومقارنة مع احصاء 1982 نجد ان سن الزواج ارتفع ثلاث سنوات لدى الذكور، و 6،3 سنوات لدى الاناث. لكن رغم التأخر في السن المتوسط لزواج الرجال في المغرب، يلاحظ ان 1،97 في المئة من هؤلاء وضعوا حدا لعزوبيتهم قبل الوصول الى 55 عاماً، فيما ترتفع هذه النسبة عند النساء الى 2، 99 في المئة.