رفعت الأميرة الراحلة ديانا حاجبيها وتساءلت: "كردية من العراق؟"، متعجبة من هذه الفتاة التي تجيبها بانكليزية رفيعة والموظفة في قسم التجميل في "هارودز". "أنا أتعاطف معكم!"، قالت للموظفة، ثم أردفت: "ماكياج عينيك جميل. كيف تقومين به؟". هذا اللقاء يقدم مثالاً عن الشخصيات التي يلتقيها أخصائيو واخصائيات التجميل في المحلات اللندنية الفخمة، فالشهرة والجمال لا "الصبا والجمال" كما يقول عبدالوهاب رفيقان متلازمان، وهو الأمر الذي يجعل من أقسام التجميل نافذة للاطلاع على أسرار المشاهير، الذين يطلّون بسرعة ويهربون بسرعة مخلّفين وراءهم حكايات غريبة، أحياناً، أو بعض المرارات والأحزان، أحيانا أخرى، لكن أثر اللقاء بالنسبة لأخصائيي واخصائيات التجميل، قد يكون لا ينسى، كما حصل لبيري عزيز مع أميرة ويلز الراحلة. الدخول في عالم الشهرة والمال والجمال، والاحتكاك الحاصل بين الطرفين: الشخص الشهير والجميل في كثير من الأحيان واخصائي التجميل الجميل غالباً، والتائق الى الشهرة والمال، ليس سهلاً أبداً، فهو يحتاج من خبير التجميل الى التخصّص ليس في مجاله فحسب، بل على ما يبدو في نفسيّات هؤلاء الذين يتعاملون معه، والذين، على الرغم من الحماية التي توفرها لهم الشهرة والغنى والجمال ورجال الحراسة أيضاً، فإنهم كثيراً ما يكونون حسّاسين هشّين وقابلين للكسر، مثل زجاجات العطر وعلب المساحيق التي يشترونها. تقول بيري: "جاءتنا المغنية الأميركية الشهيرة شير اخيراً وكانت عمليات التجميل الكثيرة واضحة على وجهها وجسدها، واشترت القليل من أحمر الشفاه، ولم تكن تتكلم معنا بل تشير إلى الأشياء بالاشارة. بدت كئيبة جداً ومختلفة في منظرها عن طلّتها في التلفاز، اذ أنها في أغانيها المعروضة تبدو كلها حياة وحيوية، ولا يمكنك أن تقدر عمرها حين تظهر على الشاشة الصغيرة بأكثر من 35 سنة، ولكن عمرها الحقيقي يتجاوز 55. وعندما شاهدناها على الطبيعة عرفنا أن شكلها مصطنع". وبدلاً من أن يكون الشهير هو الذي يعطي شحنة الفرح والسلوى لخبير التجميل، يمكن أحيانا أن يحصل العكس، فتكون كلمة بسيطة وجميلة من خبير التجميل مناسبة للانشراح والسرور لدى الشخص المشهور، كما حصل لبينظير بوتو، التي التقت بيري بعد فترة قصيرة من اقالتها من منصبها كرئيسة وزراء لباكستان، وكانت خلالها تتعرض لمصاعب كبيرة منها اعتقال زوجها بتهمة الفساد. كانت بوتو تتجول في محلات "هارفي نيكولس" وسط لندن، فتعرّفت بيري عليها. تقول خبيرة التجميل عن هذه الحادثة: "قلت للفتيات الانكليزيات العاملات معي: أنظرن إنها بينظير بوتو!، تعجبت الانكليزيات اللواتي لا تتجاوز ثقافتهن العامة موسيقى البوب والسهرات: ومن هي بينظير بوتو؟ كنت قد قرأت كتاباً عن حياتها وشاهدت الكثير عنها في الأخبار. قلت: "إنها رئيسة وزراء باكستان السابقة". سمعني مرافق بينظير أشرح للفتيات عنها، فسألني: هل تعرفينها؟ قلت له: طبعاً! فذهب وأخبرها بذلك، فرجعت وصافحتني وهي تضحك، وقال لي المرافق: اعتقدنا أنه بعد خروجها من الوزارة لن يتعرف عليها أحد! وكانت مسرورة كثيراً". أما جورج أشقر، وهو صاحب صالون تجميل في "نايتسبردج" بلندن، فقد أنقذ الممثل البريطاني مايكل كين من ورطة مهمة ولكن من نوع آخر. يقول جورج: "مايكل كين وزوجته شكيرة وابنته ناتاشا، من أحبّ زبائني اليّ منذ فترة طويلة، وهم دقيقون جداً ويحترمون من يعمل معهم. في أحد الأفلام التي مثلها في موسكو صبغوا له شعره أسود، لزوم الدور السينمائي، فاتصلت زوجته من هناك تستنجد بي: ماذا نفعل يا جورج، لقد صبغوا شعر مايكل بالأسود على أنه صبغة موقتة تزول بعد 3 او 4 حمامات، ولكنه تحمم عشر مرات ولم يزل اللون، ويبدو منظره مضحكاً بشعره الأسود وعينيه الزرقاوين. قلت لها: نحلّ المشكلة حين يعود الى لندن، وقد عملت مدة 4 أشهر لإعادة لون شعره الطبيعي، وكانت روحه طيبة، ولديه الصبر الكافي". ولكن الحادثة الطريفة لا تنسي جورج مهنته، ولذلك يعلق: "خربطة الرأس تستغرق وقتاً قصيرا أما تصليحه فيستغرق وقتاً طويلاً". واذا كانت بيري قد قامت "بجبر خاطر" بينظير بوتو المكسور، وأنقذ جورج أشقر الممثل مايكل كين من صبغة شعر دائمة فإن خبيرة التجميل فاطمة العناني محلات "سلفردج" في اكسفورد ستريت، تروي حادثة أخرى معاكسة أدت بالشخص الشهير الى حالة شديدة من الحرج والفزع. "جاءنا في أحد الأيام الفنان المصري عادل امام بين السادسة والسابعة مساء." تقول فاطمة وقد بدأت عيناها تلتمعان بضحكة ماكرة من تذكّرها للحادثة، "كان سلفردج هادئا ولم يكن هناك الكثير من الزبائن. اقترب عادل من زميلة لي جزائرية، وحالما وقعت عيناها عليه أطبقت على يده بيديها كأنها شرطي يلقي القبض على مجرم وبدأت تشدّه وهي تصرخ "فاطمة! فاطمة!"، وتردّد "هذا هوّه. هذا هوّه"، وهو يصرخ "لا. أنا مش هوّه. مش هوّه"، وأخذت تجرّه حتى وصلت به إليّ ففوجئت بعادل امام وقد احمرّ وجهه خجلا، لأن كل الناس في المكان كانوا يحدّقون به ليعرفوا سرّ "بربرة" الموظفة بهذه اللغة الغريبة وهي قابضة على رجل يتصبّب عرقاً. وضعت يديّ على وجهي وقلت: "يا ربّي". كانت مفاجأة لي ان عادل امام كان خجولا لهذه الدرجة. بعد أن هدأ الوضع واستطاع امام أن يتكلم سلّم عليّ وسألني عن نوع ماكياج اسمه Leichner وهو نوع يستخدمه الممثلون والمطربون Stage make up الذين يتعرضون لاضاءة عالية لأنها توفر طبقة ماكياج سميكة للوجه". لا تقتصر تجارب خبراء التجميل مع أصحاب الشهرة على الحلو والمر أو السالب والموجب، فهناك الكثير من القصص التي تفصح عن ألوان وظلال أخرى في شخصيات المشاهير، ولا يمكن للناس المأخوذين بصور هؤلاء المشهورين معرفتها، ولعلّ أهم ما يؤكد عليه خبراء التجميل في لقاءاتهم الظرفية والموقتة مع المشهورين هي مسألة اللطف والدماثة، التي تؤثر فيهم وتدفعهم لاحترام هؤلاء المشاهير، او بالعكس لتغيير فكرتهم السابقة عنهم. وهذا ما يعبّر عنه تماما لقاء الأميرة ديانا مع بيري عزيز، التي تقول ان ديانا كانت شخصية ظريفة بسيطة حلوة، ورغم أن اللقاء معها كان لمرتين فقط فقد توقفت مطولاً مع بيري وسألتها ان ولدت في بريطانيا أم لا، وسألتها عن دراستها وأين حصّلتها، واستغربت عندما علمت انها درست "علم الأحياء" البيولوجي في جامعة بغداد، وأنها مع ذلك تعمل في التجميل. تقول بيري بحزن عندما تتذكر الأميرة: "لقد أثّر موتها فيّ كثيرا لأنني لمست فيها اللطف والرقة والتواضع". وهكذا تتكرّر في أحاديث خبراء التجميل عن الشخصيات المشهورة كلمات "انها لطيفة جداً" أو "هذا شيء أزعجني كثيراً"، أو لا يؤدي اللقاء لانطباع ما ويكون الحديث فقط عمّا اشترته هذه الشخصية او ما اهتمت به من أنواع الماكياج والعطور. تقول فاطمة العناني عن لقائها بسيلين ديون، المطربة الكندية الشهيرة: "اشترت ديون أحمر شفاه من نوع Kiss prove وهي حمرة ثابتة لا تترك أثرا على الكأس او على الوجوه، ربما لكي تبوس المعجبين ولا تترك أثرا على وجوههم!". حادثة بوتو تدلّ على أن السياسة ليست هي الباب الرئيسي للشهرة في عصرنا، فالباب الأكبر حاليا هو باب الفن، والفنانون اكثر الفئات انشغالا بصورتهم ودوام جمالهم، ولذلك فإن علاقتهم بالتجميل، قد تستفحل لتتحول من حاجة الى هاجس ووسواس. سألنا الدكتور خليل فاضل، استشاري الطب النفسي، والذي كتب كتابا درس فيه الشخصية النفسية للفنانين، عن تأثير الماكياج وعمليات التجميل في شخصية الفنان والفنانة، فاعتبر ان الفنانين والمطربين والمشهورين عموما عندهم احساس شديد بعدم الأمان والنقص وأنهم دون المستوى وهناك خوف مرضي لديهم من فقدان الجمال والجاذبية، ويفرطون في تجميل صورة الجسد. سألناه عن بعض الأمثلة فقال: "نادية الجندي مثلاً ماكياجها مفرط ومخيف جدا. ليلى علوي من غير ماكياج مختلفة تماما. لدى الفنانين عموما نوع من خلق صورة أخرى تركب على الصورة الأصلية وعندما ننزع الصورة الأخرى يخاف الانسان ان ينظر بالمرآة فيرى الصورة الأصلية. أغلبهم هكذا باستثناء عبلة كامل. فليس لديها مخاوف. كذلك فاتن حمامة ماكياجها خفيف أيضا، وأصالة ماكياجها جيد. نبيلة عبيد ماكياجها فاحش. نور الشريف لديه احساس شديد بعدم الأمان على عكس ما يبدو عليه من ثقة وهدوء. بوسي لطيفة جداً بماكياجها". واذا كان هذا رأي خبير نفسي، فما رأي خبراء التجميل عن الفنانين العرب والأجانب: هل هم لطيفون أم مزعجون، وما هي اهتماماتهم في ما يتعلق بالتجميل؟ تقول فاطمة العناني: "يسرا جاءت عام 1995 ورغم أنها لم تشتر فهي لطيفة كثيرا، وابتسامتها جميلة، وقد مزحت معها قائلة انها تبدو اكثر سمنة من قبل. يوسف شعبان أخذ كريمات للتجاعيد. صفيّة العمري، لطيفة ودمثة، بادلتنا الحديث ودعتنا لحضور مسرحية كانت تعرضها في لندن، ولكن من الواضح أنها قامت بالعديد من عمليات التجميل لأنها لم تكن تستطيع فتح فمها بسهولة. نبيلة عبيد، اشترت ألوانا فاتحة من البيج والبني، كما اشترت أقلام تحديد تساعد في إخفاء جحوظ العينين". من الحوادث الطريفة تحكي فاطمة عما حصل لها مع الفنانة سناء يونس التي اشتهرت بتمثيلها دور البنت الكبرى لفؤاد المهندس في مسرحية "سكّ على بناتك"، تقول العناني: "جاءت إليّ وقالت: أنا بشعة كثيرا، وأريد أن أصبح ملكة جمال عندك. اشترت نوع أحمر شفاه يدعى Lip sexy، وفي اليوم الثاني كنت منحنية أرتّب شيئا فجاءت وربّتت على كتفي بسرعة وهي تقول: "فاطمة. فاطمة" فأدرت وجهي اليها فقالت: "دلّيني على الحمّام أرجوك، فدللتها ولكنها لم تعد إليّ"! أما خبير التجميل أسعد صبري، فتعرض لنوع آخر من الاحراج سببه الغالب ان الشخصية التي جاءته، وهي فنانة عربية معروفة، اعتبرت أن تجميلها لنفسها نوع من السرّ الذي لا ينبغي على "ابن عرب" أن يعرفه فيفضح المستور، لأنه عندما خاطبها بالعربية، رفضت أن تشتري منه. ويذكر أسعد حادثة أخرى كان هو السبب فيها في احراج الشخصية المعروفة، فقد زار المحل الذي يعمل فيه مطرب لبناني مع صديقته، وهي راقصة عربية، وكانت برفقة أمها، لم يكن المطرب ولا صديقته يتكلمان الانكليزية فسألا عن شخص يتكلم العربية فجاء لهما بخبير التجميل العربي. يقول أسعد: "تضاحكت مع صديقة المطرب قائلا له: ما هو اسم أختك"، فأجابني: "هي صديقتي وليست أختي"، فقلت: "أليست صغيرة عليك؟، فانقبض وجهه وتراجع الى الوراء". من التفاصيل الطريفة التي يرويها أسعد زيارة مايكل جاكسون للمحل الذي يعمل فيه وشراؤه بثلاثين ألف جنيه استرليني، ولكن المبلغ لم يصرف على مواد التجميل يعقب مصطفى بل "على شراء بيانو وعدد هائل من الدمى والألعاب"! نعيمة الرقيبي، خبيرة التجميل في "هارودز" تتذكر لقاءات سريعة مع الفنانين عبدالله رويشد ونبيل شعيل، وكذلك مع الممثلة الاميركية غولدي هون، التي اشترت منها عطر Wish، والفنانة الأميركية هذه برأيها لطيفة، ومتواضعة، ومهذبة. أما بيري عزيز فتتذكر زيارة لسمير صبري وسمير غانم لقسم "كريستيان ديور" في سلفردج: "سمير صبري اشترى "سيروم" من نوع Chaptury وهو نوع سيروم يعمل على شدّ الوجه وتنقيته وسعر العلبة 54 جنيهاً، أما سمير غانم فتغزل بي قائلاً: "شفايفك جميلة!". وتتذكر بيري كذلك زيارة سميرة توفيق التي استشارتها عن الألوان وما يناسبها منها، وكذلك يسرا "وهي لطيفة جداً. أما ليلى علوي فمرّت علينا ولم تشتر وماكياجها جميل"، ولا تستطيع بيري أن تمنع نفسها من التعليق على علوي: "انها بدينة فوق الحدّ. ولكن يمكن ان العرب يستهويهم ذلك!". جورج أشقر، سعيد بعلاقاته المتميزة مع زبائنه، ومثال على ذلك مذيعة التلفزيون الايرانية الأصل "شهناز" التي تعمل مع بي بي سي 2، وكانت زبونته قبل 11 عاماً في دبي، حيث كانت تعمل كمذيعة في القناة الانكليزية بدبي، وكان يعمل هناك، وبعد أن انتقل الى لندن، وسمعت أنه موجود هنا بحثت عنه وهي الآن من زبائنه الأساسيين، ولكن هناك ملاحظة ننقلها من جورج لشهناز "التعامل معها ليس سهلاً لأن شخصيتها قوية، وتريد أن يظلّ شعرها على النسق نفسه لأسبوع كامل دون أن يتغير"! بيري عزيز، من السعيدات أيضاً بعلاقاتها المميزة بالشخصيات التي تتعامل معها، ومن هؤلاء زوجة سلطان بروناي الشابة التي جاءت اخيراً وسألت عن بيري في سلفردج، فقالوا لها انها تعمل في هارفي نيكولس، فذهبت تفتش عنها حيث تعمل، وكانت يومها غير موجودة فأخبروها لاحقاً أن زوجة سلطان بروناي سألت عنها. وهكذا فإن ضريبة الشهرة مع التجميل ليست دائماً باهظة، فضمن تفاصيل البحث عن الجمال والصورة المتألقة تتخلّق علاقات انسانية حميمة وجميلة، تكسر الدائرة التي تغلّف الشهرة صاحبها فيها، وتضع حواجز بين الانسان في داخل الشخصيات المشهورة وبين من يساعدونها في المهمة المستحيلة: البقاء جميلين دائماً!