الهاتف النقال، أصبح أصغر حجماً وأكثر أناقة وأقل كلفة، وتجاوز عدد الناس الذين يستخدمونه 500 مليون شخص. مع ذلك لم تتوقف المخاوف من آثاره الصحية والنفسية. وتواصل صحافة الإثارة نشر تقارير تثير ذعر ملايين الناس الذين أصبح الهاتف النقال جزء لا يمكن الاستغناء عنه في حياتهم اليومية وعملهم، وهو في بعض المناطق وسيلة الاتصال الوحيدة. هل صحيح أن هذه الأداة التي أصبح اسمها الانكليزي "موبايل" ويتردد في معظم اللغات تسبب الصداع وفقدان الذاكرة وسرطان الدماغ؟ البيان الوحيد الصادر بهذا الصدد عن "منظمة الصحة العالمية" يميل الى التشكيك بمخاطر الاشعاع الكهرومغناطيسي الخفيف الذي يصدر عن الهاتف النقال. وينبه البيان الى أن الاشعاع الصادر عن الهاتف يختلف عن ذاك الذي يصدر عن الأشعة السينية أو أشعة غاما. اشعاع الهاتف لا يؤين الأنسجة، أي لا يغير في الروابط الكيمياوية للمواد التي يتكون منها جسم الانسان ولا يحدث التأثير البيولوجي الذي يسبب السرطان. فقوة أشعة المايكرويف التي تصدر عن الهاتف النقال ليست كافية لاحداث ذلك، حيث لا تزيد قوتها عن واحد بالألف من قوة أفران الطبخ. أي أن الهاتف النقال لن يشوى الدماغ كما تدعي صحافة الاثارة. ويعود شعور البعض بحرارة في أذنهم عند استخدام الهاتف الى ارتفاع حرارة البطاريات ودارة الهاتف عند التشغيل. والتحفظ الجدي الذي يرد في بيان المنظمة العالمية يتعلق بتأثير محطات هواتف "الموبايل"، ويُنصح بعدم السكن قريباً منها، وتحفظ آخر عن تأثير الهاتف النقال على عمل الأجهزة الألكترونية. بسبب ذلك تطلب الطائرات عادة من الركاب عدم استخدامه عند الاقلاع والهبوط، كما يُنصح بعدم استخدامه داخل وحدات العناية الطبية المركزة في المستشفيات، أو قرب أجهزة تنظيم عمل القلب. والنصيحة الأساسية التي يمكن استخلاصها هي: لا ترتعبوا وانتظروا نتائج أكبر عملية بحثية طبية دولية عن علاقة الهاتف النقال بالسرطان! تشرف على عملية البحوث "منظمة الصحة العالمية"، وتساهم فيها مجموعة من أبرز المراكز الطبية والأكاديمية، وتقدر نفقاتها بأكثر من 600 مليون دولار تتحمل القسط الأكبر منها شركات الهاتف النقال. وقال الدكتور مايكل ريباشولي المشرف على عملية البحث الطبي ل"الحياة" أن الاعلان عن نتائجها النهائية لن يصدر قبل عام 2003. حتى ذلك الحين قد يبعث على الاطمئنان معرفة أن الدكتور ريباشولي عنده "موبايل"! والهاتف الذي عند ريباشولي ينقل المكالمات الصوتية والبريد الألكتروني والانترنت، وأوضح أنه يشعر بالحاجة الشديدة إليه في عمله الجديد الذي يستدعي السفر كثيراً. وأهمية شهادة ريباشولي مضاعفة لأنه اختير لمنصبه بعد أبحاث قام بها في استراليا بينت أن الأشعة الكهرومغناطيسية تضاعف حالات السرطان مرتين بين فئران المختبر. لكن العالم الاسترالي يراجع الآن نتائجه المختبرية قائلاً أن الفئران ليست كالبشر، على رغم أنها من النوع المبرمج للاصابة بالسرطان البشري. وقد تكون حساسيتها الشديدة في رأيه سبب تعرضيتها الكبيرة للاصابة بالسرطان. وتعكس مفارقة العالم الاسترالي الموقف الطبي الراهن من موضوع مخاطر الهاتف النقال على الصحة. فالتجارب المختبرية المختلفة قدمت نتائج مختلفة. احدى التجارب بينت أن التعرض لأشعة المايكرويف المنبعثة عن الهاتف النقال يسبب ضعف الذاكرة، فيما بينت تجارب اخرى أنها بالعكس عززت الذاكرة. بل ذهبت بعض الأبحاث الطبية الى القول أن استخدام الهاتف يقلل من خطر الاصابة بالسرطان. أكد ذلك الدكتور وليام روس إيدي في "مركز شؤون المحاربين القدماء" في لوما لندا، ولاية كاليفورنيا. وقال الباحث الأميركي أنه وجد أن الفئران التي تتعرض فترة ساعتين يومياً لأشعة المايكرويف أقل تعرضاً للاصابة بالسرطان عند تعريضها للكيماويات المسرطنة. عرض هذه المفارقات العلمية تقرير خاص قامت به المجلة العلمية البريطانية "نيوساينتست" استند على استقصاءات مع علماء مختصين بالموضوع ومراجعة الأبحاث التي اجريت على الفئران والبشر، وشملت المراجعة حتى الأبحاث الخاصة بتأثير الاشعاع على شرائح الدماغ البشري. وأكدت المجلة العلمية في افتتاحيتها التي كرستها للموضوع أنها لم تعثر على أي دليل مقنع على أن الاشعاع المنبعث من الهاتف يسبب المرض. صحيح أن بعض نتائج التجارب المفارقة تشير الى أن أشعة المايكرويف الصادرة عن الهاتف النقال قد تؤثر على بعض الخلايا لكن هذا التأثير أضعف من أن يسبب الأذى في تقدير المجلة العلمية. لماذا إذن يصر بعض العلماء على وجود مخاطر؟ المفارقة أن أحد العلماء الذين يؤكدون على مخاطر الهاتف النقال مختص بالفيزياء النظرية وليس عالم طب أو أحياء. يذكر هذا العالم البريطاني واسمه جيرارد هايلاند أن التجارب تجاهلت تأثير اشعاعات الهاتف على الاشعاعات التي تصدر عن خلايا الجسم نفسها. ويعتقد هايلاند الذي يدرس الفيزياء النظرية في جامعة ووريك في بريطانيا أن خلايا الجسم تصدر إشعاعات كهرومغناطيسية ضئيلة جداً. وتتبادل خلايا الجسم المتجاورة إشعاعاتها "الأصيلة" هذه والتي قد تتأثر بالأشعة الصادرة عن الهاتف النقال. عمل هذه الأشعة "الأصيلة" التحكم بانقسام الخلايا وقد يكون هذا في رأي هايلاند هو السبب في أن الأشعة الصادرة عن الهاتف النقال تزيد عملية الانقسام التي قد ينشأ عنها السرطان. ويعتقد العالم البريطاني أن ما يقال عن تأثير الهاتف النقال على عمل الذاكرة يعود ربما الى أن الموجات تصدر عنه على شكل نبضات بمعدل 10 مرات في الثانية. هذه النبضات تتداخل مع أمواج ألفا التي تنبعث عن الدماغ. وأخيراً فالشئ الأكيد أن جميع هذه الآراء نظرية ولم تخضع للتجربة، والشئ المؤكد تماماً أنها لن تؤثر على انتشار الهاتف النقال، الذي يتوقع أن يقفز عدد مستخدميه الى 700 مليون انسان خلال السنوات الثلاث القادمة.