لعل أهم ما ميّز الديبلوماسية السورية في الفترة الأخيرة، هو الانفتاح على الدول المجاورة و"فتح صفحة جديدة" مع كل منها، وتوظيف السياسة الخارجية في خدمة الاقتصاد وتحديداً الحكومي، على عكس ما اعتادت عليه الديبلوماسية السورية، وذلك كي تتأقلم مع المتغيرات الدولية الضاغطة على الدول النامية ومن بينها سورية. وجاءت أهم خطوة في هذا المجال من الرئيس حافظ الأسد عندما بادر الشهر الماضي بزيارة الأردن للمشاركة في تشييع جثمان المغفور له الملك حسين، في اطار الرغبة في "فتح صفحة جديدة" مع الأردن بعد أربع سنوات من الجمود بسبب توقيع عمان اتفاق السلام مع اسرائيل من دون التنسيق مع دمشق، وبعد عقود من الشك بسبب الخلاف الايديولوجي بين الطرفين. ولتكريس الانفتاح السوري جنوباً وطي صفحة الماضي، توجه الدكتور بشار نجل الرئيس الأسد الى عمان في "زيارة رسمية" تضمنت محادثات بعد تعزيته الملك عبدالله بوفاة والده. وتجرى اتصالات حالية بين الطرفين لعقد اجتماعات اللجنة العليا برئاسة رئيسي الوزراء التي لم تلتئم منذ نهاية العام 1994. وسيكون تطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية وتمويل اتفاق سد "الوحدة" على نهر اليرموك على رأس المحادثات. وفيما يهدف الأردن من ذلك الى تطوير العلاقات مع محيطه العربي وضمان استقرار العهد الجديد، فإن سورية تسعى الى "التضامن العربي" ودعم العهد الجديد... وإبعاده عن اسرائيل وابعاد الأردن عن التحالف التركي - الاسرائيلي. ولم يكن الجنوب الجبهة الوحيدة التي شهدت انفتاحاً، بل ان ما يجري في الشمال يكاد يفوقها أهمية، خصوصاً ان الجبهة الشمالية كانت على شفير الحرب لولا ان الطرفين توصلا الى حل سلمي عبر توقيع اتفاق أضنا في تشرين الأول اكتوبر الماضي بعدما حشدت تركيا جيشها على الحدود مع سورية لوقف دعم "حزب العمال الكردستاني" بزعامة عبدالله اوجلان. ولم تقتصر أهمية اتفاق أضنا على كونه اطفأ فتيل الحرب، بل انه أفسح المجال امام "فتح صفحة جديدة" أيضاً بين دمشق وانقرة، مما يعني تخفيف العلاقات التركية - الاسرائيلية. وكانت نقطة الانطلاقة السورية - التركية اقتصادية قبل ان تصبح سياسية، إذ زار نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية سليم ياسين تركيا للبحث في تطوير العلاقات التجارية والاقتصادية، ووقع "مذكرة تفاهم" مع نظيره التركي حكمت اولوغباي تضمنت اقامة مجلس رجال أعمال مشترك ومسودة اتفاق لمنع الازدواج الضريبي. وطالما ان أياً من رجال الاعمال والتجار لم يرافق الدكتور ياسين فإن الانفتاح الاقتصادي لا يزال حكومياً أو مضبوطاً من الحكومة. كما يمكن اعتبار موافقة دمشق على تبادل فتح مكتب لرعاية المصالح العراقية في السفارتين الجزائريتين في سورية والعراق، تجسيداً عملياً لپ"فتح صفحة جديدة" بين البلدين العربيين بعد 19 سنة من اغلاق السفارتين، وكان الاقتصاد الجرافة التي مهدت طريق التقارب عندما زار وفد اتحاد غرف تجارة سورية بغداد في ايار مايو عام 1997. ووقع عدداً من اتفاقات التعاون التجاري في اطار القرار الدولي 986 النفط مقابل الغذاء واتفاق البلدين على ترميم انبوب النفط العراقي - السوري الذي توقف عام 1982. وبعيداً عن دول الجوار السوري، يمكن وضع زيارة وزير الخارجية فاروق الشرع لطوكيو في سياق توظيف الديبلوماسية في خدمة الاقتصاد الحكومي، ذلك ان محادثاته تركزت على التعاون الاقتصادي واسفرت عن توقيع اتفاقات تساهم اليابان بموجبها بتمويل مشروع مياه وترميم مرفأين سوريين وإقامة ثالث جديد. ويمكن الإشارة أيضاً الى ان محادثات الشراكة السورية - الأوروبية اقتصادية بشكل أساسي. وكان الرئيس الأسد أخذ معه الى باريس في تموز يوليو الماضي وفداً كبيراً من غرف التجارة السورية. كما أنه ركز معظم خطابه لمناسبة أداء القسم في منتصف الشهر الجاري، على جلب الاستثمارات الخارجية وتحسين بيئة الاستثمار ودعم القطاع العام لدوره الاجتماعي والاقتصادي.