دخلت المواجهة بين حلف شمال الاطلسي ويوغوسلافيا مرحلة ثانية متقدمة. وبدأت المقاتلات الاطلسية بتوسيع رقعة أهدافها العسكرية، مستهدفة القوات الصربية في اقليم كوسوفو. وذلك بعدما تركزت عمليات القصف في الأيام الأربعة الأولى، على أنظمة الدفاعات الجوية ومراكز القيادة والاتصال في ضواحي بلغراد ومدينة نيش جنوب صربيا وبعض المواقع داخل اقليم كوسوفو. وتسارعت وتيرة تنفيذ الخطة العسكرية كأنها تسابق الزمن للحؤول دون استمرار أعمال التطهير العرقي في كوسوفو وبدأت المرحلة الثانية من القصف تستهدف ثكنات وتجمعات القوات الصربية ومستودعات الأسلحة الثقيلة في أعماق صربيا. وأكدت مصادر رسمية في بروكسيل ان مقاتلات الحلف نفذت 253 طلعة منذ منتصف يوم السبت وحتى ظهر امس. وشاركت فيها 63 مقاتلة وأصابت 17 هدفاً عسكرياً "كبيراً" منها القواعد الجوية ومستودعات الذخيرة. لكن مصادر الحلف تحفظت عن كشف تفاصيل سقوط مقاتلة الشبح الاميركية "ف - 117" التي تصنف ضمن أحدث ما انتجته صناعة السلاح الاميركية. وكانت تقارير عسكرية نسبت الى طائرة الشبح "ستيلث" القدرة على تنفيذ مهماتها القتالية في كل الاحوال الجوية والإفلات من شاشات الرادارات لأنها مطلية بدهن يمتص ذبذبة عتاد الرصد. وقال الناطق الرسمي باسم قيادة الحلفاء في أوروبا العميد ديفيد ويلبي ان طائرة الشبح سقطت في أجواء تقع غرب بلغراد في الساعة السابعة و45 دقيقة بتوقيت غرينيتش وقامت مقاتلات الحلف بإنقاذ الطيار الاميركي "خلال عملية معقدة دامت حتى الساعة الثانية و45 دقيقة" موعد عودة الطيار الى قاعدة "آفيانو" في ايطاليا. وأشارت مصادر الحلف الى "تعقيدات" تنفيذ عمليات القصف لپ"سوء الاحوال الجوية وامتلاك يوغوسلافيا منظومة دفاعات متطورة والحاجة الى تفادي الخسائر الجانبية التي قد تصيب المدنيين أثناء عمليات القصف". وبدا ان عمليات التطهير العرقي التي تنفذها القوات الصربية ضد السكان المدنيين في اقليم كوسوفو شكلت عامل ضغط قوي دفع الحلف الى بدء "المرحلة الثانية" من حملته ضد يوغوسلافيا. وأوضح العميد ديفيد ويلبي ان عمليات القصف ستظل تستهدف قدرات الدفاع الجوية لتحييدها وستتركز بشكل مكثف ضد مواقع القوات الصربية ومستودعات الأسلحة الثقيلة وخطوط الوحدات الصربية الخاصة التي تنفذ أعمال الإبادة ضد السكان المدنيين. وسيتسع نطاق القصف المكثف ضد جميع الاهداف العسكرية حتى داخل أعماق صربيا والى حدود خط العرض 44 الذي يقسمها الى شطرين. ومعلوم ان "المرحلة الثالثة" من الخطة الاطلسية تقتضي توسيع دائرة القصف الى شمال يوغوسلافيا من أجل تدمير كافة القدرات العسكرية في حال استمر الرئيس ميلوشيفيتش في رفض خطة السلام. التطهير العرقي وعلى الصعيد الانساني أكد حلف شمال الاطلسي وجود تقارير موثقة عن قيام القوات الصربية بأعمال الإبادة الجماعية وتشريد السكان لإفراغ اقليم كوسوفو، وحذر الناطق الرسمي باسم الحلف الدكتور جيمي شيا من اتساع الكارثة الانسانية "التي ستكون الأكبر منذ نهاية الحرب العالمية الثانية". وقال ان الرئيس اليوغوسلافي يحاول "خلق واقع ديموغرافي جديد" اذ شردت القوات الصربية، منذ بدء الحرب قبل عام، نصف مليون من السكان المدنيين أي ربع سكان الاقليم. وتوافد في الأيام الأخيرة 50 ألف لاجئ على حدود الاقليم المنكوب مع كل من مقدونياوالبانيا. وقال الدكتور شيا ان القوات الصربية تعتقل الرجال وتشرد النساء والاطفال. وشدد على ان الحلف "يجمع كل أدلة الإبادة التي يقودها المسؤولون السياسيون والعسكريون ولن يفلتوا وسيتم القبض عليهم للمثول أمام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي". وتحدث عن عمليات الإعدام الجماعية التي تنفذها القوات الصربية "ضد الرجال أمام عائلاتهم والمدرسين أمام تلاميذهم، وقد اعتقلت عدداً غير محدد من المثقفين والسياسيين". وذكر ان الزعيم الالباني ابراهيم روغوفا اختبأ في مكان سري". وقال العميد ديفيد ويلبي ان القوات الصربية تحاول انشاء "منطقة عازلة" بين البانيا واقليم كوسوفو. وكشف في مؤتمر صحافي عقده ظهر امس في بروكسيل خارطة تكشف استمرار أعمال التطهير العرقي في مناطق متفرقة وبشكل خاص في مناطق ليسكوفاتش وبوزاريفاتيش ودجاكوفيتشا وماليشيفو. وتوقع مصدر رفيع في حلف شمال الاطلسي ان تستمر العملية اسابيع. وقال لپ"الحياة" ان العمليات "لن تتوقف من دون وقف المذابح الصربية في اقليم كوسوفو وانفتاح الأفق السياسي للخروج من مأزق المواجهة العسكرية". ورأى ان الرئيس اليوغوسلافي "يمتلك مفتاح حل الأزمة لكن يبدو الى الآن انه يفضل الاستمرار في نهج المخاطرة". وكان الممثل السياسي لجيش تحرير كوسوفو في اوروبا باردهيل محمودي أكد ان أعمال الإبادة التي تنفذها القوات الصربية في الاقليم "تمثل المرحلة النهائية في سياسة التطهير العرقي" التي يقودها الرئيس اليوغوسلافي ميلوشيفيتش. وانتقد المسؤول الألباني في مؤتمر صحافي عقده في بروكسيل تقارير صحافية وصفت تدهور وضع السكان المدنيين "بأنها كانت ناجمة عن انطلاق الحملة الاطلسية على يوغوسلافيا". وذكر بارديل محمودي ان القوات الصربية تهاجم السكان المدنيين لإفراغ الاقليم قبل وصول القوات الدولية، وقال ان قنوات الاتصال مقطوعة باستثناء امكانات محدودة عن طريق الهواتف الجوالة. وقال ان القوات الصربية اعتقلت عشرين ألف الباني في بلدة سكينديراش الواقعة في منطقة درينيتشا و"قد ينتهون في المقابر الجماعية على أيدي القوات الصربية مثلما حدث مع آلاف المسلمين في بلدة سريبرينتسا في البوسنة والهرسك"