عشية وصول الرئيس اليوغوسلافي سلوبودان ميلوشيفيتش إلى موسكو، وجه وزير الدفاع الروسي ايغور سيرغييف انتقادات لاذعة إلى حلف شمال الأطلسي. وقال إنه "فوجئ" بالمناورات الجوية قرب كوسوفو. وقررت موسكو استدعاء ممثلها العسكري لدى الحلف الذي أعلنت مصادره ان عودة ممثل روسيا إلى بلاده سببها "انتهاء تأشيرته في بلجيكا". وفي الوقت نفسه، ظهرت بوادر انقسام في المانيا ازاء امكان تدخل الحلف عسكرياً لحل الأزمة. وشاهدت "الحياة" في تيرانا استعراض القوة الذي نفذته طائرات الأطلسي التي حلقت في مناطق قريبة من الحدود على الاقليم حيث استمرت القوات الصربية في عملياتها العسكرية ضد السكان الألبان. وفي موسكو، عقد وزير الدفاع الروسي اجتماعاً أمس مع رئيس الأركان الأميركي الجنرال هنري شيلتون الذي وصل في صورة مفاجئة إلى العاصمة الروسية، مؤكداً أن "هدف المناورات هو مساندة جهود" الرئيس الروسي بوريس يلتسن الذي سيلتقي ميلوشيفيتش اليوم الثلثاء. وأضاف الجنرال الأميركي ان الغرب "يؤيد التسوية السلمية، لكنه يريد أن يبيّن وجود احتمالات أخرى". ولكن المارشال سيرغييف رفض هذه التفسيرات. وذكر أنه حضر في بروكسيل اجتماعاً يوم الجمعة الماضي في إطار لجنة "روسيا - الأطلسي" ولم يبلغ أي شيء عن قرار المناورات. وأضاف: "انني كجندي اعتدت على التعامل بنزاهة مع الآخرين، ولا أفهم لماذا تصرفوا معي على هذا النحو". واتهم سيرغييف الدول الغربية بأنها "تقول شيئاً وتفعل شيئاً آخر". وذكر الوزير أنه أبلغ نظراءه في اجتماع بروكسيل أن الرئيس الروسي ينوي طرح مبادرة خلال لقائه مع ميلوشيفيتش. وأضاف انه "لم يسمع اعتراضات قوية"، لكنه فوجئ باتخاذ قرار بدء المناورات الجوية. ونقلت وكالة أنباء "انترفاكس" الروسية المستقلة عن مصدر في وزارة الدفاع قوله إن موسكو قررت استدعاء ممثلها العسكري لدى حلف الأطلسي فيكتور زافارزين من دون توضيح الأسباب. وأشار رئيس الأركان العامة أناتولي كفاشنين أن الجنرال زافارزين "لديه أعمال" في موسكو، فيما أكدت وكالة "ايتار تاس" الرسمية ان عودة الجنرال إلى موسكو كانت مقررة قبل بدء المناورات، في تأكيد لكلام مصادر الأطلسي عن انتهاء تأشيرة زافارزين في بلجيكا. وفي الوقت نفسه، أشار الناطق الرسمي باسم الخارجية الروسية فلاديمير رحمانيني إلى أن بلاده "قلقة إلى أقصى حد" بسبب التطورات الأخيرة في البلقان. وأضاف ان موسكو تأمل ألا تجرى المناورات ضمن "سيناريو استفزازي" يزيد من حدة التوتر ويؤدي إلى دفع بلغراد أو الجالية الألبانية في كوسوفو إلى "الاتجاه نحو التصعيد". أجواء البلقان وفي البانيا، شهدت "الحياة" مناورات طائرات حلف شمال الأطلسي التي جرت أمس واشتركت فيها 80 طائرة تنتمي إلى 13 بلداً عضواً في الحلف في عملية اطلق عليها "الصقر الحازم". ومرت 40 طائرة لمدة حوالى 5 دقائق فوق العاصمة الألبانية تيرانا في الساعة 11 بالتوقيت المحلي، وحلقت سبع منها على ارتفاع منخفض، فيما اوقف السكان حركتهم في المدينة ليحدقوا في الطائرات الأطلسية ويصفقوا لها ثم اتجهت نحو الحدود الألبانية الشمالية مع كوسوفو، وتوجهت بعد ذلك نحو مقدونيا وعادت منها إلى المجال الجوي الألباني في طريقها إلى قواعدها. وتم اغلاق أجواء البانياومقدونيا منذ صباح أمس الباكر وإلى ما بعد ساعتين من انتهاء المناورات. وبدأت العملية صباحاً باقلاع طائرات "اف - 16" الأميركية من قاعدة ايفانو في ايطاليا، وتبعتها الطائرات الأخرى وهي من طراز "تورنيدو" الألمانية و"ميراج اف - 1" الفرنسية و"جاغوار" البريطانية، وانطلقت الطائرات من 15 قاعدة للحلف موزعة في خمس دول، واشتركت فيها الولاياتالمتحدة وبريطانيا والمانيا وفرنسا وهولندا وبلجيكا والنروج والدنمارك واسبانيا واليونان والبرتغال وتركيا وايطاليا، بينما تخلفت عنها 3 دول في الحلف هي كندا لعدم توفر الوقت اللازم لها، ولوكسمبورغ وايسلندا لأنهما لا تملكان سلاحاً جوياً. ووصف قائد منطقة جنوب أوروبا في قوات الأطلسي الجنرال مايكل شورت هذه المناورات بأنها "تعبير واضح عن قلق الحلف العميق ازاء ما يجري في كوسوفو". وأضاف في مؤتمر صحافي عقده في قاعدة ايفانو لحلف الأطلسي في ايطاليا ان هذه الطائرات "قدمت رسالة بصيغة جديدة من الحلف، وأكدت على السرعة الكبيرة في التحرك". وأشادت وسائل الاعلام في البانيا على اتجاهاتها المختلفة بتحرك حلف الأطلسي تجاه الوضع المتدهور في كوسوفو. واعتبرتها صحيفة "زيري بوبوليت" صوت الشعب المعبرة عن موقف الحكومة الاشتراكية بأنها "عمل جاد وسريع في سياق تحذير الحلف لحكومة بلغراد بالتوقف عن قصف المدن والقرى الألبانية في كوسوفو وقتل المدنيين وممارسة عمليات التطهير العرقي في تكرار مأسوي لما حدث في البوسنة". وفي كوسوفو، اشتد القتال في المناطق الغربية والجنوبية من الاقليم والتي تضم بلديات ديتشاني وجاكوفيتسا ودراغاش. وأفادت مصادر ان ما لا يقل عن خمسة أشخاص قتلوا وجرح تسعة آخرون. وقتل من العسكريين الصرب اثنان واصيب 4 بجروح. خلافات في المانيا؟ وفي بون، ظهر أمس خلاف واضح بين وزير الخارجية الألماني كلاوس كينكل ووزير الدفاع فولكر روهه حول الموقف من التدخل العسكري لحلف الأطلسي في كوسوفو. وفي وقت طالب الوزير كينكل، وهو من الحزب الليبرالي، موافقة مجلس الأمن الدولي قبل التدخل عسكري في كوسوفو، رأى وزير الدفاع، وهو من الحزب الديموقراطي المسيحي، ان حلف الأطلسي قادر على التدخل من دون هذه الموافقة، و"استناداً إلى أرضية قانونية وضعها وزراء دفاع الحلف قبل أيام". وذكر كينكل أن المناورات الجوية فوق البانياومقدونيا لا تحتاج إلى تغطية الأممالمتحدة، لأن البلدين يجريان تدريبات عسكرية في إطار الحلف، لكن أي عمل مشترك آخر فوق كوسوفو "يجب أن يرتكز إلى القانون الدولي وميثاق الأممالمتحدة"، إلا إذا اعتدت يوغوسلافيا على دولة مجاورة. وفي وقت رفض روهه التعليق على الخلاف بينه وبين كينكل، لم يحسم المستشار هلموت كول الموقف النهائي لحكومته من الأمر، واكتفى بالدعوة إلى انتظار نتائج المحادثات بين الرئيسى اليوغوسلافي ونظيره الروسي.