تساءل الجمهور الذي يتابع مسلسل "عودة غوار... الأصدقاء" الذي عرضه التلفزيون السوري وقناة "المستقبل" في لبنان، عن مصير شخصية غوار الذي اعتاد عليها لفترة طويلة. غوار المحتال، الظريف، الشعبي خفيف الدم الذي لا يتورع عن ان يأخذ حقه بيده اذا لزم الأمر، لذا أحبه الجمهور من خلال ظهوره على الشاشة والمسرح وفي ادواره الشعبية المختلفة. ويزيد في شطارتها أداء دريد لحام الذي اصبح جزءاً من ذاكرة جمهوره كونه يمتلك أدوات التمثيل ويتعامل بخفة ومرونة مع الشخصية وخياراتها الوظيفية والاجتماعية. لكن السؤال الذي يُطرح الآن هو مصير هذا البطل الشعبي المحبوب في "عودة غوار" وغيابه الكامل، او بالأحرى انصهاره في شخصية "ابو الهنا" الذليل، الخانع المكسور، الغبي دائماً، ثقيل الظل والوطأة على القلب، السمج سبق ان قدم الفنان دريد لحام هذه الشخصية في مسلسل "احلام ابو الهنا". يا ترى هل تتجسد هذه الاشكالية في الشخصية ام في الادوار، وما اسباب قتل غوار المشاكس والجميل؟ ويتساءل الكثيرون: من الذي جعل الفنان يعالج الشخصية بهذه الطريقة ويحوّلها الى شخصية ابو الهنا التي لا تلتقي معها، لا في ابعادها الاجتماعية ولا في خياراتها الفردية ولا في استراتيجيتها الفنية في التشخيص. لأن غوار الذي عرفناه في ما سبق لم يظهر في هذا العمل الا في حلقاته الأولى، وتحول بعدها الى ابو الهنا البائس الباهت الذي لا يعرف المشاكسة والتسلل ولا حتى الدفاع عن نفسه بل يداهمه ظل غباء متعمد يفرضه عليه الممثل. من هنا نستطيع القول او نستنتج ان الخلل يكمن في الأداء وطريقة تجسيده. لأن هناك فعلاً تقنياً وظيفياً يفصل بين فعله الاجتماعي والنفسي وفعله التمثيلي الدرامي. وتجدر الاشارة هنا الى معضلة اخرى تتعلق بهذا التناقض. وهي التحولات المستمرة التي تلاحظ في العمل بشخصياته وأحداثه. لكن غوار يسير على نمط واحد وينمذج ذاته في قالب واحد ايضاً. لأن دريد لحام أراد العودة الى غوار من خلال "ابو الهنا" الذي تلاشت صورته في ذاكرة المتلقي بسرعة فلم يلق نجاحاً. لذا تجب اعادة اعتباره بتقديم القربان اليه لكي يقول كلمته التي لم يقلها في احلامه السابقة. وهذا الكبش هو غوار. وهناك اشكاليات اخرى تواجه العمل، بل تربكه في نواحٍ كثيرة. حوار غير مبرر مثلاً بين غوار والحمار، اذ تمكن معالجته بحوارات احادية الطرف، اي تسأله وتجيب عنه بدل ان يدخل معه بهذه الحوارات. لأن الحوار مع الحيوانات لا يعتمد الا على لغة الرموز والاشارات. وهذا يعتمد على قدرة الممثل التمثيلية وأدواته المعرفية الذهنية والجسدية. وتركت هذه الاشكالية انطباعاً سلبياً عند المتلقي، ويتحمل عبئها كتاب السيناريو الثلاثة وهم: طلال نصرالدين ودريد لحام وأحمد السيد، والمخرج والممثل أيضاً وهو دريد لحام نفسه. ثمة اشكالية بصرية وسمعية اخرى تضع المتلقي امام ملل قاتل، وهو "يتفرج" على مشاهد لا وظيفة لها ولا يجد المتعة فيها. ولكي لا ندخل في تفاصيل هذا الارباك الفني نكتفي بالتطرق الى مشاهد السجن "المنفصلة" عن جسم العمل شكلاً ومضموناً. ونلاحظ ان دريد لحام، كمؤلف ومخرج، لهذه المشاهد اراد ان يعيد فكرة مسرحية "غربة" التي لاقت نجاحاً في وقتها، ولكن من اجل انقاذ تجربته الفاشلة في "ابو الهنا". حيث نرى في هذه المشاهد "حكماً ذاتياً" بأدوات مفبركة تقنياً ورؤيوياً عفا عليها الزمن ولا صلة لها، لا بالواقع الفني ولا الاجتماعي. اما المعضلة الرئيسية فهي الحلقات الاخيرة في العمل، يحاول دريد لحام فيها التخلص من الملل الذي أصاب "اصدقاءه" الجدد في العودة والقدماء في "غوار". وتتجسد هذه المعضلة في أساليب بوليسية من خلال صحافي ليس "أكثر غلاظة" من أبو الهنا ومجموعة من مسرحيين هواة للكشف عن قصة كادت ان تُنسى لولا جرعة فنطازية مفبركة أيضاً. بقي ان نقول اين دور المؤلف والمخرج والممثل دريد لحام و"غوار".