خلال فترة زمنية واحدة تقريباً، عرضت القناة الفضائية السورية نماذج مختلفة من المسلسلات الكوميدية المحلية المهمة التي تستدعي وقفة متأنية عندها، نظراً لما لاقته هذه الاعمال من ردود افعال متباينة يمكن الوقوف عند بعضها في السياق. فقد عُرض مسلسل "الدغري" للفنان دريد لحام، وقبله عُرض مسلسل "يوميات مدير عام" للفنان أيمن زيدان… وذلك بعد ان عرضت القناة الفضائية السورية في سياق برامجها "مرايا" ياسر العظمة و"عودة غوار" و"عائلة 5 نجوم". وفي الحقيقة فإن مجرد ذكر اسماء هذه المسلسلات يعني مباشرة إثارة عدد من الملاحظات المهمة، المتعلقة بتطور الدراما التلفزيونية السورية من بينها: - الكوميديا الهادفة. - نمطية الشخصيات. - النماذج الجديدة في الفن الكوميدي. لقد أثار مسلسل "الدغري" مسألة النص في الكوميديا السورية، على اعتبار ان هذا المسلسل مستوحى من رواية "زوبك" للكاتب التركي الساخر عزيز نيسن الذي تُرجمت بعض اعماله الى العربية ولاقت اقبالاً واسعاً من القراء. فهل كان الفن السوري بحاجة الى هذا الاقتباس، وهو الذي أبدع العديد من الشخصيات الكوميدية المتميزة؟ وهل تمكّن دريد لحام من تجاوز شخصية "غوار" وطبيعة الأداء الذي اعتاد الناس عليه؟ و هذه النقطة تجعلنا نلتفت مباشرة الى مسلسل "عودة غوار" الذي كتبه احمد السيد في محاولة لتبرير اظهار مسلسل جديد عن غوار، فأعيدت صياغته من قبل دريد لحام على نحو آخر، ما لبث ان انتهى بالدمج بين شخصيتي "غوار" و"ابو الهنا" التي كان قد لعبها في مسلسل سابق. ان دريد لحام، من خلال هذه التجريبية الواضحة، وبمساعدة بعض الافلام السينمائية التي خرج بها عن الشخصية النمطية، تمكن في الواقع من خلط الاوراق، حتى وان ثارت ثائرة النقاد على تجريبيته، وصار من السهل عليه تقديم، او لعب، نماذج درامية مبتكرة وملفتة من دون ان يضطر المشاهد او الناقد الى استعادة الشخصيات السابقة! وفي مسلسل "الدغري"، تمكن الفنان ايمن زيدان الذي لعب دور مساعد الدغري، من صياغة محطة مهمة في تجربته الكوميدية. الا ان نضج هذه التجربة بدا على اكمل وجه في مسلسل "يوميات مدير عام" الذي عرضته الفضائية السورية قبل فترة قصيرة. ويثير هذا العمل موضوع الجدوى في الكوميديا فقد قدم سخرية مرّة في الواقع الاداري في المؤسسات العامة، وعلى رغم انه لم يقدم الحلول، فقد سلّط الضوء على اسباب وخفايا جوانب الفساد والبيروقراطية التي تشوّه الانسان وتعطّل انتاجيته وابداعه وتعيق عدالة توزيع الفرص. بل أثارت "يوميات مدير عام" قضية مهمة انعكست على ايمن زيدان نفسه في ما بعد، وهي ان الجمهور السوري والنقاد الذين صفّقوا له في "يوميات مدير عام" بات من العسير عليهم ان يقبلوا الكوميديا غير الهادفة التي قدّمها في مسلسل "جميل وهناء". الجمهور كحكم ان التذوق الفني عند الجمهور جعله في موقع الحكم الصارم تجاه ما يقدم اليه، وفي سيرورة التطور الدرامي السوري نمت الرؤية الناقدة للجمهور الذي صار بإمكانه ان يعطي شهادة النجاح او الفشل حتى على المستوى الفني. اما دورية "مرايا" لياسر العظمة، فهي وحدها التي تمكنت من اسر المشاهدين على مدار اكثر من عام، ذلك انها تنوّع بين الكوميديا الهادفة والكوميديا التاريخية وتحقق جدلية المتعة والفائدة في آن واحد. لقد غدت الكوميديا السورية التي تعكف القناة الفضائية السورية على عرضها باعتزاز، محطة مهمة في تطور الفن الدرامي التلفزيوني السوري باعتبار انها تشغل حيزاً من اهتمام متتبعي هذا الفن ونقّاده. وفي السنوات الاخيرة، أعطت الكوميديا السورية نماذج جديدة في النص والاخراج والتمثيل. وعلى الرغم من تباين الآراء حيال مسلسلات العائلة الضاحكة: ل"5 نجوم"، "6 نجوم"، "7 نجوم" فإنها تركت بصمة في طريقة الاخراج وفن التعامل مع المكان الواحد وتلاعب الكاميرا في حركة الممثل، والاعتماد على سرعة هذه الحركة. كذلك ثبّت الفنان ايمن زيدان تجربته الكوميدية بموازاة ياسر العظمة ودريد لحام ومحمود جبر… الا ان محمود جبر تراجع امام هذا الزخم، ولم تسنح له الفرصة بعد لمواكبة هذا التطور في فن الكوميديا الذي يعتبر واحداً من مؤسسيه. ومن المهم التأكيد اخيراً على ان كلاً من دريد لحام وياسر العظمة وايمن زيدان، تمكن من تأسيس مدرسة كوميدية خاصة به، حتى وان كانوا جميعاً قد تخرجوا في مدرسة واحدة كان للفنان دريد لحام الدور الريادي مع آخرين كالفنانين الراحلين عبداللطيف فتحي ونهاد قلعي. ان الفضائيات العربية بحاجة الى مزيد من الانتاج الكوميدي، وهذه الحاجة تنبع من تدني نسبة انتاج هذا النوع الى النسب الاخرى من انواع الدراما التاريخية والاجتماعية والفانتازيا. فالمعادلة تحتاج الى توازن ولكن هذا التوازن يجب ألا يكون على حساب النوعية… وفي مرحلة قريبة تمكنت الكوميديا السورية من تحقيق التوازن في هذه المعادلة الى حدّ ما!