تواجه الحكومة اللبنانية استحقاقاً مهماً غداً الاربعاء عندما تناقش مشروع قانون الموازنة للعام 1999، وتضمنه رؤيتها المالية والاقتصادية، وسط تلويح، كما يتردد، بفرض رسوم على سعر صفيحة البنزين ومكالمات الهاتف الخليوي، وستقابل بمعارضة الرسوم المقترحة، وهي ربما من ضمن الاجراءات غير الشعبية التي تحدثت عنها الحكومة، على ما ظهر امس في موقف رئيس المجلس النيابي نبيه بري وعدد من النواب والفاعليات، علماً ان ثمة معارضين سابقين للزيادة على المحروقات دعوا الناس الى تقبل الامر وتوقعوا ان يتقبلوه، لان مردود هذه الزيادة سيوظّف في سداد جزء من الدين العام وخفض عجز الخزينة. وسيعرض وزير المال جورج قرم على مجلس الوزراء في جلسته غداً، مسودة مشروع قانون موازنة الذي سيكون، على حد قول احد الوزراء، "نسخة" عن المشروع الذي كان يعده وزير الدولة السابق للشؤون المالية فؤاد السنيورة مع فارق يتمثل ب"تشحيل" بعض النفقات المقترحة لعدد من الوزارات. واكد الوزير ل"الحياة" ان قرم استعان لدى اعداد مسودة المشروع، بمسودة أولية أعدها السنيورة الذي لم يتمكن من عرضها على الوزارات لان البلد كان في مرحلة انتقالية فرضها الاستعداد لاجراء الانتخابات الرئاسية، مشيراً الى "تقارب" بين رقمي قرم والسنيورة". واضاف "ان النفقات المقترحة للموازنة تبلغ 8600 بليون ليرة بما فيها خدمة الدين العام وتغطية صرف سلسلة الرتب والرواتب للموظفين العاملين في القطاع العام، وكلفتها نحو 700 بليون ليرة، وكانت الحكومة السابقة تدرس سبل توفير الواردات المالية لتأمين صرفها على مستحقيها. وأكد الوزير ان العجز في الموازنة يقترب من 3400 بليون ليرة، في مقابل تأمين واردات يحتمل ان تصل الى 5200 بليون، اي ان نسبة العجز ستتفاوت بين 40 و42 في المئة، مشيراً الى اقتراحات عدة لابقاء العجز في حدوده المعلنة، ستطرح في جلسة مجلس الوزراء، وفي مقدمها زيادة سعر صفيحة البنزين وضرائب جديدة على الهاتف الخليوي وتسوية الاملاك البحرية. وبالنسبة الى المستحقات المترتبة على الدولة التي تبلغ 1500 بليون ليرة، من جراء ديون للمستشفيات وبدل استملاكات للاراضي ونفقات اضافية لدى المقاولين في ذمة مجلس الانماء والاعمار، قال الوزير ان "هذه المستحقات متأخرة ولم تدخلها الحكومة السابقة في صلب الموازنة، لذلك سنبحث عن طرق تسديدها، على ان نقسطها على 5 سنوات". وسط هذه الاجواء، نقل نقيب المحررين ملحم كرم عن الرئيس بري رفضه اي زيادة على البنزين، وقوله "حتى الآن ليس من شيء ثابت بين أيدينا ان الحكومة ستعمد الى رفع سعر البنزين كوسيلة وحيدة مزعومة لخفض العجز، لا بل بالعكس فان رئيس الجمهوية اميل لحود اصلاً هو في الموقع نفسه ضدّ رفع السعر". وأعرب عن اعتقاده ان "من يطالب برفع البنزين وحده انما يعمل ضدّ الحكومة والعهد والشعب". ورأى "ان الوضع المالي يحتاج الى معالجة جذرية ومن كل النواحي، اي ان خفض العجز يجب ان يكون ممرحلاً، على سنوات خمس أو ست، ويأتي ضمن خطة اقتصادية متكاملة تشمل الانماء المتوازن في كل المناطق اللبنانية، وان تطاول كل طبقات الشعب، كل منها وفق قدرتها، واعتبر ان "زيادة سعر البنزين هي كالكي في النهاية وفي آخر المعالجات". واضاف بري "لا أتخيل ابداً ان الحكومة في وارد ان تلامس سعر البنزين بينما يبقى الخليوي يعيش نعيماً في آذان الناس". وطرح سلسلة بدائل هي: الاخذ بما تراه الحكومة مناسباً في الورقة الاصلاحية: الخليوي ودمج المؤسسات والوزارات وخفض عدد الموظفين والمستخدمين من دون صرفهم، واعادة تأهيل الفائض منهم بدلاً من توظيفات جديدة، والاملاك البحرية، واعادة النظر في الضرائب خصوصاً على الشركات والمصارف والمؤسسات التجارية ذات القدرة، والجبايات اللازمة خصوصاً في الكهرباء وبعد اعادة النظر في التعرفة التي وضعت ارتجالاً، والتي ترمي على صناديق الدفع الفواتير من دون العودة الى العداد كما يشاع، ثم ترشيد الانفاق وانشاء صناعة سياحية وانشاء مصانع لتصريف المنتوجات الزراعية، واعتماد سياسة اغترابية تمهد الدرب لطاقاتنا الاغترابية للعودة الى لبنان والاستثمار فيه. وعن الاصلاح الاداري وعما قيل عن تدخل لعرقلته للحؤول دون ان يطاول محازبيه، أكد بري انه "منذ البداية ساند الحكومة حتى النهاية في مسيرة الاصلاح التي لا سقف لها". وبالنسبة الى القضاء رأى "ان ما يتناوله القضاء سقفه الله". وبارك كل خطوة يقوم بها وهو صاحب الكلمة الفصل ونحن مؤمنون به". ونفى علمه "بأي تعديل أو توسيع أو تغيير في الحكومة"، قائلاً "لا يغير الله بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم". وعن التطورات الاقليمية أشار الى ان "أمام اسرائيل خيارين لا ثالث لهما وهما تنفيذ القرار الدولي الرقم 425 القاضي بانسحابها من دون قيد أو شرط، ولا مفاوضات ولا ترتيبات أمنية وفق ما ينص عليه اتفاق الهدنة، لان اسرائيل هي التي قضت عليه بسبب اجتياحاتها المتكررة واعتداءاتها كل يوم على لبنان، فضلاً عن انتهاكها كل معاني السيادة". ولفت الى "ان لبنان متمسّك بالعودة الى المفاوضات من النقطة التي وصلت اليها"، مشدداً على "التلازم مساراً ومصيراً مع سورية والالتفاف حول المقاومة عبر الوحدة الوطنية". وعن قانون الانتخابات، جدّد موقفه انه "مع ان يساوي بين الجميع وان يؤمن الاختلاط بين الطوائف من كل الوحدات الانتخابية والا فاننا نؤسس لحرب فتنة اخرى بعد سنوات". وأعلن بري ان الرئيس لحود ورئيس الحكومة سليم الحص وافقا على ان يطبق على ذوي شهداء المقاومة وجرحاها ما يطبق على شهداء الجيش اللبناني وجرحاه لجهة التعويضات والضمانات"، موضحاً "انه حوّل من احتياط موازنة المجلس النيابي مبلغ خمسة بلايين ليرة الى رئاسة الحكومة لاعطاء الامر لمجلس الجنوب للبدء بدفع المعاشات والتعويضات في شكل فوري". وفي المواقف، اعلن النائب جاك جوخادريان "رفضه المطلق اي زيادة على سعر صفيحة البنزين"، لافتاً الى "ان موضوع الاستدانة الخارجية سيواجه معارضة شديدة في المجلس النيابي كما في السابق". ودعا النائب خالد ضاهر الحكومة الى الابتعاد عن الضرائب التي تمسّ مصالح الطبقات الشعبية". وطالب النائب طلال المرعبي "بايجاد حلول وواردات للخزينة من دون ارهاق المواطن". على صعيد آخر، قال وزير النقل والاشغال العامة نجيب ميقاتي ان "خصخصة شركة طيران الشرق الاوسط هي احد الخيارات المطروحة بالنسبة الى الشركة وليست الخيار الوحيد"، مشدداً على "المحافظة على مصلحة العمال والمستخدمين والشركة". وأعلن، امام وفد يمثل نقابات الطيارين اللبنانيين وعمال "ميدل ايست" والمضيفات والمضيفين الجويين. ان مجلس الوزراء كلّفه وضع دراسة عن اوضاع الشركة وتصوّر لعملها ودورها. وقال "نتعاون في هذا الموضوع مع حاكم مصرف لبنان لاعداد التقرير اللازم لرفعه الى مجلس الوزراء قريباً". ولفت الى "روح المسؤولية العالية التي يتمتع بها العاملون في الشركة لما فيه مصلحتها، ونحن في صدد درس ملف الشركة واتفقنا مع الوفد على عقد اجتماعات قريبة بمشاركة النقابات لكي يقدموا ما لديهم من افكار لتنمية الشركة". وقال "ستتم تسمية ممثل لكل من النقابات الثلاث لوضع تصور واحد". وأصدرت النقابات الثلاث بياناً اعلنت فيه ان "العمل الجاري لوضع تقرير يضمن اعادة الامور الى نصابها بتعيين رئيس مجلس ادارة متخصص في حقل الطيران يكون مسؤولاً مع اللجنة واضعة التقرير على انهاض الشركة وتوسيعها". وثمّنت "النظرة الموضوعية وللمرة الاولى لدى مسؤول لتجاوبه بمشاركة النقابات اصحاب الشأن في الاستشارات".