في الخامسة والدقيقة الخامسة عشرة صباح أمس بتوقيت طهران، بدأ العام الايراني الجديد 1378، طبقاً للتقويم الهجري الشمسي. ويحتفل الايرانيون بهذه المناسبة التي يطلقون عليها اسم "عيد النوروز"، شأنهم شأن غيرهم من قوميات مختلفة كالأكراد والطاجيك والأفغان. ويعود الاحتفال بهذا العيد الى تاريخ فارس القديمة. ويكاد يكون الأهم بين الأعياد في ايران، حتى بعد قيام الثورة الاسلامية التي رفض قائدها الإمام الخميني استجابة طلب عدد من رجال النظام إلغاء هذا الاحتفال كونه يعود الى التراث غير الاسلامي. وكانت حجة الخميني انه من الصعب اقتلاع عنصر تجذر في الذاكرة الاجتماعية والتاريخية للايرانيين. لكنه دعا في المقابل الى الاقلاع عن المظاهر الاحتفالية الملتصقة به و"الخرافات والتقاليد المجوسية" مثل "عيد النار" المسمى "جهار شنبه سوري"، والذي يقام عشية الاربعاء الأخير من السنة الايرانية. يقول طبيب الأسنان الدكتور هوشنك وحدتي "ان مراسم جهار شنبه سوري كانت تقام قبل الثورة بصورة مختلفة عما بتنا نلاحظه خلال السنوات الأخيرة من ظواهر مذمومة وغير مقبولة بل وهستيرية كالقفز فوق النار والرقص من حولها". ولا يجد كثير من الشبان لذة في الاحتفال سوى بالألعاب النارية والمفرقعات. ويرى وحدتي ان المنع الرسمي لاقامة المراسم "رأى فيه البعض استفزازاً لهويتهم وبدا ان الشبان أرادوا التعبير عن آرائهم بهذه الطريقة السلبية". ويتفق معه صهره الشاب رامين في الاشارة بسلبية الى ما يحف بمراسم "عيد النار" من "حركات شاذة"، لكنه يشدد على أن التمسك بعيد النوروز وبالتقاليد الموروثة "جزء من هويتنا الايرانية" كالمائدة التي تهيئها العائلات الايرانية عشية العيد ويحيط بها أفراد العائلة عادة عند تحول الساعة ايذاناً بنهاية عام وبداية آخر. ويطلق على هذه المائدة "سفره هفت سين"، ويوضع فوقها عادة أربعة أشياء أساسية: مرآة، كرمز لصفاء القلوب، وشموع كعلامة على عام جديد مضيء، ووعاء فيه سمك أحمر كإشارة الى الحياة والرزق، ومصحف للمسلمين كرمز للبركة والرعاية الالهية، بينما يضع المسيحيون الانجيل، واليهود التوراه، والزردشت كتاب نبيهم "زردشت". كما يضع كثير من الايرانيين نسخة من ديوان شاعرهم وفيلسوفهم العرفاني الشهير حافظ الشيرازي، وهو بالنسبة إليهم مصدر عزة قومية ووطنية وعلامة على التفاؤل بالمستقبل. وتوضع فوق المائدة أيضاً سبعة أشياء تبدأ بحرف السين مثل "سيب" تفاح، و"سبزة" حشيش أخضر وفي العادة يوضع قمح، وهو يشير الى قوت كل الناس "بل وقوت من لا قوت له"، و"سمنو" وهي حلوى ايرانية، و"سكه" سكة ذهبية وسماق و"سركه" خل. ومن العادات الحميدة التي انتشرت، تنادي الجميع بدعاء مأثور "يا مقلب القلوب والأبصار يا مدبّر الليل والنهار، يا محوّل الحول والأحوال، حوّل حالنا الى أحسن حال". كذلك سُنت عادة حميدة ازدادت انتشاراً خلال العقدين الماضيين، وهي زيارة المقابر في أيام العيد التي تمتد لثلاثة عشر يوماً، تكاد تتعطل خلالها الحياة الادارية والسياسية والصحافية، ويجلب الزائرون معهم الزهور لتزيين قبور ذويهم وغسلها. والمفارقة، ان الايرانيين، ورغم الضائقة الاقتصادية التي يعيشونها، فانهم حرصوا هذه السنة ايضاً على الاحتفال بالنوروز بكل عناصر البهجة والبذخ مع ما يعنيه من تبضع وارتداء ثياب جديدة وسياحة داخلية، على رغم ان أسعار الوقود والبنزين ارتفعت بنسبة 75 في المئة منذ يوم أمس، وفي ظل تضخم تجاوز معدله العام 30 في المئة.