استطاع الايرانيون ان يحتفلوا بما يسميه البعض "عيد النار"، ليل أول من امس، بشكل مختلف هذه السنة عما الفوه خلال السنوات الاخيرة ومنذ انتصار الثورة قبل 20 عاماً، اذ اضرموا النار في اكوام من الحطب والأغصان، وقفزوا فوق النيران الملتهبة وصفقوا وغنوا ورقصوا في الهواء الطلق. وكل ذلك من دون ان تتدخل قوات الأمن لتمنعهم، بعدما اصدرت وزارة الداخلية بياناً رسمياً سمحت فيه بإقامة المراسم، بل قدمت النصائح وإرشادات عن كيفية الاحتفال والوقاية من المخاطر، خصوصاً ان "اللعب بالنار" الحقيقية خلّف دائماً خلال السنوات الماضية مآسي وضحايا وخسائر مادية. ويطلق على الاحتفال بهذه المناسبة "جهار شنبه سوري" حفلة الأربعاء، وتقام عشية الأربعاء الاخير من السنة الايرانية التي تنتهي في العشرين من آذار مارس من كل عام ميلادي. يعود التقليد الى عشرات القرون، واختلفت الروايات في تحديد منشئه وغاياته. ثمة من يقول ان نور الله تجلى في الكون في مثل هذه الليلة، وهناك من يجزم بأن نار نمرود انقلبت الى برد وسلام على ابراهيم عليه السلام في مثل هذه الليلة. وكثيرون يعتقدون بأن نبي الطائفة الزردشتية "زردشت" ولد في مثل هذه الليلة. وآخرون يحدثون بأن الاحتفال بپ"عيد النار" يعود الى العام 1725 قبل الميلاد عندما اطلق زردشت دعوته الاصلاحية واتخذ من النار رمزاً للانطلاق في نشاطه. ويُذكر ان الانظمة الملكية السابقة للجمهورية الاسلامية كانت تشجع على احياء مراسم "حفلة الأربعاء". وشهد عهد الشاه محمد رضا بهلوي اهتماماً لافتاً بهذا العيد، ويردد الايرانيون باستمرار كيف كان رئيس وزراء الشاه امير عباس هويدا، وهو ينتمي للطائفة البهائية، يظهر في التلفزيون وهو يقفز فوق النار مردداً "عبارات خرافية تهدف الى اشاعة عبادة النار" كما اكدت هذا صحيفة "جمهوري اسلامي" التي قادت حملة انتقادات عنيفة ضد وزارة الداخلية والسلطات الحكومية لسماحها العلني بإقامة المراسم هذه السنة، وقالت "اذا كان الامر طبيعياً بالنسبة الى نظام الشاه فإنه مثير للدهشة والاستغراب الترويج لهذه التقاليد الخرافية والمنحرفة" في عهد الجمهورية الاسلامية. والمفارقة ان الاحتفال بهذا التقليد هذه السنة تزامن مع ذكرى وفاة الامام التاسع لدى الشيعة محمد التقي الجواد، وهو ما دفع اوساطاً دينية واجتماعية الى توجيه انتقادات لاذعة الى الاوساط الحكومية والصحف الموالية لها لموقفها "المشبوه والمخزي"، محذرة من "التفريط بما قدمه الشعب الايراني المسلم من ثمن باهظ لكي تنتصر الثورة الاسلامية". لكن اوساطاً اخرى نظرت للمسألة من زاوية مغايرة، وأشارت صحيفة "نشاط" الموالية للتيار الاصلاحي بايجابية الى قرار وزارة الداخلية وعدم التعاطي مع هذا التقليد وكأنه "من المنكرات"، وطالبت الصحيفة بانشاء ميادين خاصة لاضرام النار وإلقاء المتفجرات والألعاب النارية تفادياً لأي ضرر محتمل. وليل أول من امس، جابت "الحياة" مناطق عدة في العاصمة طهران، وبدت مراسم الاحتفال حاضرة بقوة في الاحياء الشمالية التي تعرف بالراقية، او التي تقطنها الفئات المتوسطة اكثر من المناطق الجنوبية "المستضعفة". وشهد حي "شهرك قدس" الراقي ابرز مظاهر الاحتفال، رغم ان شباناً متدينين حاولوا اقناع المحتفلين بالتزام "آداب الخشوع" في ذكرى وفاة الامام الجواد، وكانوا يوجهون النصائح بمكبرات الصوت، لكن محاولاتهم بدت بلا جدوى. وانتشر رجال الشرطة، لكنهم لم يتدخلوا لمنع المراسم، حتى تلك التي اتسمت بپ"الميوعة" ولم تختلف كثيراً عما يلحظه البعض في ملاه ليلية. ولاحظت "الحياة" مثلاً في احد الشوارع احاطة عشرات المراهقين بأكوام من الخشب وفروع الاشجار الملتهبة، وهم يرقصون على انغام موسيقى وأغان هي عادة محظورة في الجمهورية الاسلامية. وكان الشبان يتفننون في الرقص تحت نظر الشابات. لكن اللافت كان الحركات التي لم يتوقف احد "الشبان" عن القيام بها باسم الرقص، ويتقاضى في مقابلها مكافآت من اصدقائه... بالريالات الايرانية.