من الناحية الرسمية يحدد، عادة، تاريخ تأسيس جمعية "العربية الفتاة"، احدى اهم وأخطر الجمعيات التي عملت من اجل الفكرة والوحدة العربيتين ما ان بدأت علامات الوهن تلوح على الامبراطورية العثمانية، بأنه قد حدث في العام 1911 في باريس، وهو أمر يجمع عليه عدد من الباحثين، ومع هذا فان الحقيقة التاريخية تقول لنا بأن الجذور الأولى والأساسية لتلك الجمعية نمت يوم 14 تشرين الثاني نوفمبر 1908 وفي مدينة اسطنبول بالذات، وان الجمعية تأسست في الاصل على ايدي عدد من المثقفين العرب الذين كانوا يتلقون دراساتهم في عاصمة الخلافة ورأوا في الانقلاب على عبدالحميد 23/7/1908 بداية الاشارة الى الفصل بين العثمانية والطورانية، مما يفتح الطريق واسعاً امام انبعاث الفكرة العربية. ومن الملفت ان يكون عرب اسطنبول قد انشأوا جمعيتهم على غرار جمعية "تركيا الفتاة" التي كانت تنادي بتغليب النزعة القومية الطورانية على النزعة العموم - اسلامية التي كان عبدالحميد يحكم باسمها. اذن، بعد اعلان الدستور بأيام، وحسبما جاء في مذكرات احمد قدري احد مؤسسي الجمعية تم تشكيل جمعية "العربية الفتاة" السرية "لكي تنهض بواجب الدفاع عن حقوق العرب ورفع مستواهم". غير ان الانقلابيين الاتراك، الذين قاموا ليحكموا باسم مبادئ الحرية، سرعان ما تبدوا اكثر عسفاً من عبدالحميد فأصدروا قانوناً يمنع قيام اي جمعية أو حزب قومي، خارج اطار القومية التركية، فحوّل العرب جمعيتهم الى "منتدى أدبي" كان كبار رجال العرب في العاصمة يناصرونه. بيد ان قيام المنتدى لم يمنع المناضلين العرب من مواصلة النضال السياسي، بعد مخاض دام عدة سنوات، وعلى ذلك النحو عادت جمعية "العربية الفتاة" لتأسس مرة اخرى في فرنسا على يد رستم حيدر وعوني عبدالهادي واحمد قدري، هذه المرة، وكان الثلاثة من الذين انتقلوا بالدراسة وبالجمعية من اسطنبول الى باريس، فكانت جمعيتهم جمعية مثقفين مدنيين، وواحدة من جمعيتين اساسيتين عملتا في ذلك الحين من اجل فكرة القومية العربية، أما الجمعية الثانية فكانت جمعية "العهد" وجل اعضائها من العسكريين، وهي التي اسسها عزيز علي المصري في اسطنبول بعد عودته من طرابلس الغرب متأثراً من جراء هزيمة العرب والمسلمين في ليبيا امام الزحف الايطالي وبفعل التقاعس العثماني - التركي.