في يوم ما رفع الرئيس التركي الراحل تورغوت أوزال شعار (من بحر الإدرياتيك إلى سور الصين) وهو هنا يشير إلى الحدود الجغرافية التي تمتد فوقها الأقوام التركية التي يجمعها العرق والتاريخ واللغة. هذه النزعة القومية التركية تسمى (بالطورانية) نسبة إلى إقليم طوران في وسط آسيا حيث يجعلونه منبع الشعوب التركية التي انتقلت غربا في هجرات متتالية واستقرت في الأناضول، والطورانية لها جذورها التاريخية القديمة بالاضافة إلى امتداداتها ومظاهرها المتعددة في الوقت الحاضر كما يشير د. محمد نور الدين أستاذ اللغة التركية في الجامعة اللبنانية في كتابه (الكمالية وأزمات الهوية التركية)؛ حيث يشير إلى "الدور البارز الذي تقوم به تركيا لترسيخ النزعة الطورانية عبر استقطاب الشعوب التركية تحت مظلة - أمة واحدة - مركزها أسطنبول، لاسيما بعد الفراغ السياسي الذي خلفه تفكك الاتحاد السوفياتي ورحيله عن الجمهوريات الإسلامية، فمقام (أحمد يوسوي 1103-1167) والموجود شمال طشقند ترعاه وترممه الحكومة التركية، وفي مدينة تركستان وفور انفصالها عن الاتحاد السوفياتي قامت تركيا بتأسيس جامعة تركية –قازاقية تمولها أنقرة، وتنظم فيها المؤتمرات الدورية التي تكرس الوعي بالنزعة التركية في تلك الجمهوريات، حيث إن الأتراك لايفوتون فرصة سانحة إلا ويستغلونها لتعزيز النزعة الطورانية والرابطة المشتركة بين الشعوب التركية". وإن كان كتاب نور الدين لم يتحدث عن الطورانية وتفرعاتها بشكل مفصل، إلا إن التاريخ يخبرنا بأن أبرز ملامح الحقبة العثمانية هي المساعي المتصلة للتتريك وطمس هويات شعوب البلقان وشمال أفريقيا والعالم العربي، والتي كانت تخضع لعملية تتريك مستمرة على أكثر من صعيد. على سبيل المثال عندما كانت مكةالمكرمة سنجقا إداريا إبان العهد العثماني، كان التدريس في مدارسها يتم عبر اللغة التركية كالمدرسة الرشدية ومدارس البرهان التي أشرفت عليها الدولة العثمانية وأمدتها بالمعلمين الأتراك. أما صحيفة الحجاز الصادرة في مكة فقد كانت تصدر باللغتين العربية والتركية معا، وهو الأمر الذي يشير إلى عدم انفصال الدولة العثمانية عن (طورانيتها) عبر جميع مراحلها التاريخية. وهذا أمر طبيعي من الأمبراطوريات التوسعية التي جوهرها التوسع والهيمنة بينما شعاراتها عقائدية دينية، حيث لاتكتفي بالتوسع الجغرافي بل تسانده بطمس الثقافات المحتلة، وتفرغها من محتواها التاريخي والثقافي، وتستبدلها بثقافة المحتل كضمان يرسخ ثقافة الغالب حيث اللغة هي الوعاء الحضاري الأول للثقافة. النزعة الطورانية في الثقافة التركية لاتتبدى لنا واضحة في الوقت الحاضر كعرب، بعد أن اختارت بعض التيارات العربية أن تطمس تاريخ جميع النضالات العربية ضد الاحتلال العثماني.. وتستبدلها بحلم الخلافة العثمانية.. متغافلين عن كون الطورانية هي مكونا رئيسا وأساسا في "الإسلام التركي".