أشير الى تصريحات بعض المسؤولين العرب حول التمسك بوحدة السودان، والتحفظات المصرية واليمنية على مبدأ تقرير المصير الوارد في اتفاق البشير - الصادق في جيبوتي وارى ان هذه التصريحات والتحفظات تشير الى عدم متابعة للشأن السوداني من جانب هذه الجهات، والى عدم وجود دراسات او معلومات دقيقة وحديثة عن تطورات الوضع في السودان خلال السنوات القليلة الماضية لدى هذه الجهات. وارى ان مثل هذه التصريحات على رغم تقديري لحسن نية الاخوة الكرام وحرصهم على وحدة السودان، غير مفيدة وتؤدي الى مزيد من تعقيد الموقف المعقد اصلاً، وتفتيت السودان وتفكيك اوصاله، وارى ان من المصلحة ومن المناسب عدم تدخل الساسة في الوقت الحاضر وفي هذه المرحلة من المحاولات السودانية - السودانية لتسوية النزاع، وعدم تحويل النزاع الى نزاع عربي - افريقي، واثارة الحساسيات والنعرات العرقية، اذ نرى حصر النزاع وتحجيمه بين شمال السودان وجنوب السودان وشرق السودان وغرب السودان وقصر المشكلة الداخلية حول الاقرار بالتنوع الثقافي والديني والتعددية الحزبية والديموقراطية وتقسيم الثروة ونظام الحكم وليس باشعال حرب عرقية بين العرب والأفارقة. ولا ننسى ان العرب قد فقدوا فلسطين والصومال وجزيرة زنجبار بسبب التصريحات والمواقف العنترية غير المدروسة وغير الملائمة للواقع في الاوقات غير الملائمة. من جهة اخرى - ارى ان يضع الاخوة في الاعتبار - عند تناولهم للشأن السوداني - تطورات وعناصر الموقف في السودان منذ عام 1956 وحتى تاريخه، ومختلف المحاولات السودانية لتسوية الازمة، وان يضعوا في الاعتبار ايضاً حجم الخسائر البشرية والمالية والدمار البشري والمادي لمختلف المرافق طوال الاربعين عاماً الماضية، وان الوصول الى محطة تقرير المصير لم يكن سلساً او سهلاً، وانما كان صراعاً شرساً، وعراً، طويلاً، وفي غاية الصعوبة والخشونة. بدأت الخلافات السودانية - السودانية على التنوع العرقي والثقافي والديني وتقسيم الثروة ونظام الحكم والاسلوب الامثل لاستقرار الاوضاع وتداول السلطة سلمياً منذ استقلال السودان في عام 1956 وقيام الحركات المسلحة في جنوب البلاد وغربها، وحاولت الحكومات المدنية والعسكرية المتعاقبة في الخرطوم انهاء الازمة بالقوة المسلحة تارة والمفاوضات والحوار تارة اخرى، من دون جدوى. وكانت النتيجة التخلف والضياع، وتدمير انسان السودان وتدمير اقتصاده وتدمير كل مشاريع التنمية والتحديث، والخراب في المعنى الحرفي لهذه الكلمة. وتفاقم الوضع بعد ذلك وتأسست حركات مسلحة اخرى، في مناطق اخرى، حين قامت حركة مؤتمر البجا لضمان نصيبها من الثروة ومشاريع التنمية وتحديد حصتها في السلطة والحكم، وحركات اخرى في منطقة جبال النوبة غرب السودان والمناطق المهمشة في اعالي النيل الازرق، وتحركت المجموعات النوبية في اقصى شمال السودان للحفاظ على لغتها ولهجتها وتراثها التاريخي، واصبح من المستحيل حصر النزاع في الجنوب، وقصره على الحركة الشعبية المسلحة هناك …. اليوم - وبعد اربعين عاماً من الكوارث وتجارب الحرب والسلام، وبعد اربعين عاماً من العنف المتبادل والعناد والمعاناة والمحن، وبعد تدهور الاحوال في السودان، ووصولها الى درك سحيق، وبعد ان اصبح بقاء السودان نفسه في مهب العواصف، اقتنعت الاحزاب والجماعات والقبائل السودانية بأن المخرج الوحيد من هذ الدائرة الشيطانية هو الاقرار بحق تقرير المصير وجمع القبائل والفئات السودانية المتناحرة حول مائدة مستديرة لطرح مقترحاتهم ومظالمهم ومرئياتهم عن الهوية والدستور ونظام الحكم والدين والدولة والثروة ومختلف القيود التي تكبل تطور السودان. وقد وافق الحزب الوطني الديموقراطي على حق تقرير المصير بموجب اتفاق الميرغني - قرنق في عام 1988 وحزب الامة في عام 1993 وفقاً لاتفاق الصادق - قرنق والتجمع الوطني الديموقراطي في عام 1995 بموجب مقررات اسمرا والجبهة الاسلامية بموجب اتفاق الخرطوم، ما يعني موافقة جميع الوان الطيف السياسي الشمالي السوداني على هذا الحق وما يترتب على ممارسة هذا الحق من نتائج، وان تقرير المصير اصبح حقاً مكتسباً لا يجوز التراجع عنه او التحفظ على ممارسته، والتقهقر الى مربع الحرب والنزاع …. قضي الامر وتم تدويل المشكلة - شئنا ام ابينا - وستتدخل اميركا وغيرها من الدول الافريقية اذا لم تتمكن الحكومة من عقد المؤتمر من دون قيد او شرط مسبق او ثوابت وجوبية، واتاحة المجال لاهل السودان لتجاوز مشاكلهم والحفاظ على الوحدة الوطنية على اساس توصيات مجموعة الايقاد والحوار بين مختلف الفئات والمجموعات. ان الجنوب هو الآن سلة غذاء السودان بسبب تربته الخصبة وغزارة المياه، والجنوب هو مصدر الرخاء للسودان بعد اكتشاف البترول في ربوعه، وبعد ان تصحر الشمال بسبب الجفاف وتآكلت معظم اراضيه بسبب اهمال النيل، والجبهة الاسلامية لن تتمكن من الاحتفاظ بالسلطة بهذه الطريقة، ولا يمكن الادعاء بالاستقرار واقامة مشاريع التنمية في مثل هذه الظروف القائمة. عليه - ارى ان الكرة الآن في ملعب الحكومة، وان المطلوب الآن الضغط على الحكومة بكل الوسائل الممكنة لاطلاق الحريات وتهيئة المناخ الملائم لعقد المؤتمر، وترك الأمر - بعد ذلك - للقوى السياسية المختلفة للاتفاق والاختيار بين قيام سودان علماني موحد طبقاً لتوصيات "الايغاد" او فصل الجنوب واقامة حكومة اسلامية في الشمال وحسم النزاع نهائياً مع احتمال تفكك الشمال الى دويلات في الغرب والشرق ودويلة في جنوب النوبة، وانتقال الازمة والحرب الى الشمال. ولكم التحية والسلام. الرياض - عبدالعزيز محمد عبداللطيف مستشار قانوني