في مؤتمر دعم لبنان الذي عُقد مؤخراً في باريس، أعلنت ألمانيا تقديم دعم مالي بقيمة 96 مليون يورو للبنان، وذلك للمساهمة في مواجهة التحديات الاقتصادية والإنسانية التي يعاني منها الشعب اللبناني. هذا الدعم يأتي في وقت تعاني فيه البلاد من أزمة اقتصادية غير مسبوقة، ونقص في المواد الأساسية، إلى جانب تداعيات الانفجار الضخم في مرفأ بيروت في عام 2020، والاعتداءات الإسرائيلية المتعددة على الضاحية الجنوبية وبيروت وجميع مناطق لبنان. المبادرة الألمانية التي رحب بها كثيرون، تأتي ضمن جهود دولية لمساعدة لبنان على النهوض من أزماته المتفاقمة. ومع ذلك، فإن هذا الدعم السخي من ألمانياللبنان يثير تساؤلات كبيرة حول تناقض واضح في سياستها الخارجية، خصوصاً في ظل تقديمها أسلحة فتاكة لإسرائيل، التي تستخدمها في قصف غزةولبنان. فبينما تدعو ألمانيا لدعم السلام والاستقرار في المنطقة، نجدها تُسهم في تأجيج الصراع من خلال بيع الأسلحة لإسرائيل. إن إسرائيل تستخدم هذه الأسلحة لقصف المدنيين في غزة ومناطق في لبنان، مما يزيد من معاناة الشعوب التي تسعى ألمانيا رسمياً إلى دعمها. هذه الازدواجية في الموقف الألماني تفتح باباً للنقاش حول مدى التزام الدول الكبرى بالقيم الإنسانية التي تتبناها في خطاباتها الرسمية، ففي حين أن تقديم مساعدات إنسانية للبنان يعكس جانباً من التضامن الدولي، إلا أن تصدير الأسلحة لإسرائيل يطرح تساؤلات حول مدى مصداقية هذا التضامن، خاصة عندما تُستخدم هذه الأسلحة ضد دول وشعوب يُفترض أن ألمانيا تعمل على مساعدتها. إذا كانت ألمانيا حريصة حقّاً على السلام والاستقرار في المنطقة، فربما يكون من الأفضل إعادة النظر في سياساتها المتعلقة بتصدير الأسلحة، لا سيما إلى دول تشارك في صراعات مستمرة تؤدي إلى تدمير المجتمعات وتفاقم الأزمات الإنسانية التي تسعى الدول المانحة إلى معالجتها. في نهاية المطاف، لن يتمكن أي دعم مالي أو إنساني من حل الأزمة إذا استمرت الصراعات العسكرية التي تغذيها الأسلحة المتطورة. على ألمانيا، وغيرها من القوى الكبرى، أن تتبنى سياسات تتسق مع مبادئها المعلنة لتعزيز السلام والاستقرار، بدلاً من التناقض الذي يفاقم معاناة الشعوب في الشرق الأوسط.