عندما يُهَدِّدُ أحدُ أفرادِ جيلِ السِّنابِ وآيباد وتيك توك ومنصة X وأشباهِها بأنَّه إذا لم يُعطَ مقالاتٍ قصيرةً جدًّا (م ق ج)، فإنَّه سوف يُقاطِعُ الكُتُبَ والمقالاتِ الطَّويلةَ نهائيًّا، فإنَّه بذلك يُعبِّرُ عن احتجاجِهِ لعدمِ تلبيةِ رغباتِهِ المشروعةِ في الحصولِ على المعلومةِ بسرعةٍ. لا نفضِّلُ القراءةَ العابرةَ والقصيرةَ على القراءةِ المعمقةِ، بل نعدُّها أفضلَ من التوقفِ عن القراءةِ تمامًا. السمةُ البارزةُ لهذا الجيلِ هي الاستعجالُ في الحصولِ على المعلومةِ بأقلِّ عددٍ ممكنٍ من الكلماتِ، وهذا ما دفعَ منصةَ X الشهيرةَ في بداياتِ إطلاقِها إلى تحديدِ عددِ حروفِ تغريداتِها ب140 حرفًا، قبلَ زيادتِها لاحقًا. ربما أدَّتْ كثرةُ الخِياراتِ المتاحةِ لهذا الجيلِ إلى تقليصِ الوقتِ الذي يمكنهمُ التركيزُ فيهِ على موضوعٍ واحدٍ إلى دقائقَ قليلةٍ جدًّا إن لم تكنْ ثوان، وذلك ما دفعَ بعضَهم لتشبيهِ ذاكرتِهم بذاكرةِ السَّمكِ لقصرِها. بينما كان شبابُ الأجيالِ السابقةِ قد لا يجدونَ أماكنَ لقضاءِ أوقاتِهم في الترفيهِ، يُعاني جيلُ اليومِ من وفرةِ الخياراتِ، وهو ما جعلَ القراءةَ تحتلُّ مرتبةً متأخرةً في قائمةِ اهتماماتِهم. يأتي هذا النمطُ من الكتابةِ تماشيًا مع رغباتِ وميولِ الجيلِ الذي يُفضِّلُ الاختصارَ والسرعةَ، ومحاولةً لإعادتِهم إلى ساحةِ القراءةِ والكُتُبِ. لا يمكنُ أن يُعَدَّ التوجُّه نحو الاختصارِ في الكتابةِ خضوعًا لرغباتِ الشارعِ، بل هو محاولةٌ لجذبِ القرَّاءِ نحو القراءةِ المعمقةِ وأُمهاتِ الكُتُبِ في مختلفِ المجالاتِ، بدلًا من انسياقِهم نحو مغرياتِ الأدواتِ الترفيهيةِ التي تُحيطُ بهم وتقللُ من وقتِ بناءِ خلفيتِهم الثقافيةِ والفكريةِ، وهو ما يُسهمُ في زيادةِ حالةِ التسطيحِ في مجتمعاتِنا. هذا التوجُّهُ في الكتابةِ هو خيارٌ متاحٌ عبر جرعات خفيفة لمن لا يرغبُ أو لا يستطيعُ تحمُّلَ قراءةِ الكُتُبِ أو المقالاتِ الطويلةِ، على أملِ أن يُشجِّعَهم- على المدى البعيدِ- على العودةِ إليها.