ينظر القضاء اليمني في سلسلة من القضايا تتعلق بتنفيذ تفجيرات ومخططات "تخريبية" وخطف اجانب وجرائم قتل وسطو وقطع طرق، تعود الى الفترة بين عامي 1995 و 1999. وهناك قائمة طويلة لقضايا تخص متهمين بهذا النوع من الأعمال احالتها اجهزة الأمن على السلطات القضائية لاستكمال إجراءات محاكمتهم، وأخرى في طريقها الى القضاء، ومنها قضايا التفجيرات التي طاولت انبوب النفط، وخطف اجانب وسياح والاتجار بالسلاح، بالاضافة الى قضايا ثارات واشتباكات قبلية. وكل هذه الظواهر ما زال يؤثر في الوضع الأمني، علماً ان وزارة الداخلية واجهت خلال السنوات القليلة الماضية انتقادات واسعة واتهامات بالتهاون والتقصير، ناهيك عن الأضرار الجسيمة التي لحقت بقطاع النفط وقدرت بنحو عشرين مليون دولار سنوياً، كما قدرت الاضرار بما يوازي هذا المبلغ في قطاع السياحة. وتنفذ التفجيرات في انبوب النفط في مأرب وعمليات خطف السياح عناصر قبلية من اجل الضغط على الحكومة في مقابل دفع تعويضات واستصلاح اراض زراعية او اطلاق سجناء من ابناء القبائل متهمين بقضايا امنية وغيرهم ممن لهم مطالب شخصية لا يكشف عنها عادة. وبعدما كانت ردود الفعل لدى السلطات تتضارب حيال التفجيرات وعمليات الخطف ومرتكبيها ودوافعها، فإن خروجها الى العلن وضع حداً لتلك التناقضات. واصبحت كل القضايا ضمن ملف يعكس اختلالات امنية خطيرة تترك تأثيرها على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، وتخلف ظواهر جديدة على اليمنيين. في الملف الامني نحو مئة حادثة خطف للأجانب والسياح، و 25 حالة خطف ليمنيين بسبب خلافات قبلية او تجارية منذ اواخر عام 1991. وخلال ثماني سنوات خطف أربعمئة سائح وخبير وديبلوماسي ومواطنون اجانب واربعون يمنياً. وسجلت 33 عملية تفجير لانبوب النفط منذ مطلع عام 1997 واكثر من مئتي حادث تفجير بواسطة عبوات ناسفة في عدن وابين والضالع وصنعاء وغيرها من المدن والمناطق، بالاضافة الى مئات من حوادث القتل والسطو والتخريب المنظم، عبر جماعات مسلحة متشددة او محترفة للجريمة. وهناك ظاهرة حمل السلاح وانتشاره بين المدنيين 50 مليون قطعة سلاح وهي تتسبب ايضا في خسائر في الارواح والممتلكات. وأصبحت السلطات اليمنية اليوم امام خيارين احدهما أمرّ من الآخر: اما مواجهة الاختلالات الامنية بحزم وقوة، متجاهلة الاعتبارات الاجتماعية والسياسية ونفوذ الوجهاء، لفرض هيبة القانون وسلطة الدولة، وإما التعايش مع تلك الاختلالات. وكانت الانتخابات الرئاسية في اليمن التي اجريت للمرة الأولى بالاقتراع المباشر في 23 ايلول سبتمبر الماضي، اعطت مؤشراً الى وجود اتجاه لحسم القضايا الامنية، اذ اعلن الرئيس علي عبدالله صالح مبكراً أن من أولوياته "إنهاء حال الفوضى". وباشر تنفيذ تعهده بعد فوزه من خلال المتابعة الشخصية لكل ما يحتويه الملف الأمني، وكان عليه ان يبدأ بمعاودة ترتيب اوضاع السلطة القضائية، فبدأت اجراءات تعيين القضاة ومحاسبتهم والتحقق من كفاءاتهم وضمان حمايتهم ونزاهتهم. واستهدفت تلك الاجراءات اعادة الاعتبار للقضاء في توطيد الامن والاستقرار. وفي ضوء قرارات عاجلة اتخذتها اللجنة الامنية العليا ومجلس القضاء الاعلى برئاسة علي صالح، استأنفت المحاكم نشاطها، وبدأت باتخاذ اجراءات لمقاضاة جميع المتورطين بنشاطات تخريبية وتفجيرات وعمليات خطف، ونشاطات "مشبوهة" لمتشددين يمنيين واجانب. واحيلت 70 قضية تفجير وخطف وجرائم منظمة على القضاء خلال الايام القليلة الماضية كما شُكلت محاكم خاصة كلفت بت قضايا الخطف والتفجير والاعمال التي تستهدف الامن العام بسرعة. وتبدو السلطات اليمنية امام اختبار حقيقي، والاخفاق فيه سينعكس مزيدا من التدهور الامني وما دام خيار الحكومة اغلاق ملفات "الفوضى" فإن النجاح في ذلك الاختبار لا يمكن ان يتحقق الا بخطوات عاجلة وحاسمة لا تحتمل التردد او التراجع عنها.