ولي عهد الكويت يستقبل وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي    عمومية كأس الخليج العربي تعتمد استضافة السعودية ل"خليجي 27″    وزارة الثقافة تُطلق المهرجان الختامي لعام الإبل 2024 في الرياض    بموافقة الملك.. منح وسام الملك عبد العزيز من الدرجة الثالثة ل 200 متبرع ومتبرعة بالأعضاء    "رينارد" يستبعد "الشهراني" من معسكر الأخضر في الكويت    مانشستر سيتي يواصل الترنح ويتعادل مع ضيفه إيفرتون    السعودية: نستنكر الانتهاكات الإسرائيلية واقتحام باحة المسجد الأقصى والتوغل جنوب سورية    أسبوع أبوظبي للاستدامة: منصة عالمية لبناء مستقبل أكثر استدامة    مدرب قطر يُبرر الاعتماد على الشباب    مجلس التعاون الخليجي يدعو لاحترام سيادة سوريا واستقرار لبنان    وزير الشؤون الإسلامية يلتقي كبار ضيوف برنامج خادم الحرمين الشريفين للعمرة والزيارة    تدخل جراحي عاجل ينقذ مريضاً من شلل دائم في عنيزة    وزير الخارجية يصل الكويت للمشاركة في الاجتماع الاستثنائي ال (46) للمجلس الوزاري لمجلس التعاون    الإحصاء: إيرادات القطاع غير الربحي في السعودية بلغت 54.4 مليار ريال لعام 2023م    استخدام الجوال يتصدّر مسببات الحوادث المرورية بمنطقة تبوك    الذهب يرتفع بفضل ضعف الدولار والاضطرابات الجيوسياسية    السعودية رئيسًا للمنظمة العربية للأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة "الأرابوساي" للفترة ( 2025 - 2028 )    استمرار هطول أمطار رعدية على عدد من مناطق المملكة    الفكر الإبداعي يقود الذكاء الاصطناعي    «الإحصاء»: 12.7% ارتفاع صادرات السعودية غير النفطية    رينارد: مواجهة اليمن صعبة وغريبة    وطن الأفراح    حلاوةُ ولاةِ الأمر    بلادنا تودع ابنها البار الشيخ عبدالله العلي النعيم    "الثقافة" تطلق أربع خدمات جديدة في منصة الابتعاث الثقافي    "الثقافة" و"الأوقاف" توقعان مذكرة تفاهم في المجالات ذات الاهتمام المشترك    أهازيج أهالي العلا تعلن مربعانية الشتاء    حملة «إغاثة غزة» تتجاوز 703 ملايين ريال    المملكة ترحب بالعالم    شرائح المستقبل واستعادة القدرات المفقودة    منع تسويق 1.9 طن مواد غذائية فاسدة في جدة    63% من المعتمرين يفضلون التسوق بالمدينة المنورة    نجران: «الإسعاف الجوي» ينقل مصاباً بحادث انقلاب في «سلطانة»    أمير نجران يواسي أسرة ابن نمشان    العناكب وسرطان البحر.. تعالج سرطان الجلد    فرضية الطائرة وجاهزية المطار !    «كانسيلو وكيسيه» ينافسان على أفضل هدف في النخبة الآسيوية    لمن لا يحب كرة القدم" كأس العالم 2034″    واتساب تطلق ميزة مسح المستندات لهواتف آيفون    المأمول من بعثاتنا الدبلوماسية    تدشين "دجِيرَة البركة" للكاتب حلواني    مسابقة المهارات    إطلاق النسخة الثانية من برنامج «جيل الأدب»    نقوش ميدان عام تؤصل لقرية أثرية بالأحساء    اطلاع قطاع الأعمال على الفرص المتاحة بمنطقة المدينة    ما هكذا تورد الإبل يا سعد    أفراحنا إلى أين؟    آل الشيخ يلتقي ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة    الزهراني وبن غله يحتفلان بزواج وليد    الدرعان يُتوَّج بجائزة العمل التطوعي    أسرتا ناجي والعمري تحتفلان بزفاف المهندس محمود    اكتشاف سناجب «آكلة للحوم»    دور العلوم والتكنولوجيا في الحد من الضرر    خادم الحرمين وولي العهد يعزّيان رئيس أذربيجان في ضحايا حادث تحطم الطائرة    منتجع شرعان.. أيقونة سياحية في قلب العلا تحت إشراف ولي العهد    مفوض الإفتاء بجازان: "التعليم مسؤولية توجيه الأفكار نحو العقيدة الصحيحة وحماية المجتمع من الفكر الدخيل"    نائب أمير منطقة مكة يطلع على الأعمال والمشاريع التطويرية    إطلاق 66 كائناً مهدداً بالانقراض في محمية الملك خالد الملكية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ماذا بعد الضربة الأميركية للعراق ؟. انفجار القرن الحادي والعشرين
نشر في الحياة يوم 17 - 01 - 1999

كثر الحديث عن القضية العراقية التي بدت وكأنها عصية على الحل، ولا شك في أن قضية تتعلق بمصير العراق ومستقبله، البلد القوي بإعداده ومكوناته، والغني بثرواته لا بد ان تحظى باهتمامات عديدة، لا سيما مع وجود مشاكل متشابكة، منها ما يتعلق بالعقوبات التجارية المفروضة على البلد، ومنها ما يتعلق بإزالة أسلحة الدمار الشامل، ومنها ما يتصل بتهديد النظام لجيرانه، ثم في آخرها موضوع حقوق الإنسان العراقي.
وإذا تركنا السياسة بمفاهيمها ومصطلحاتها ومسمياتها المتعددة... كالمعارضة والديكتاتورية. وتركنا جانباً المصالح والمواقف المتعاكسة، فإن مشكلة العراق الحقيقية تكمن في أنه اعطى السبق لبناء القوة على حساب التنمية في سلم الأولويات، الأمر الذي شكل تهديداً قوياً للمصالح الاقليمية والدولية في وقت غير مناسب له، حين تحول العراق إلى معسكر كبير تدور فيه ماكنة التطور العلمي في مجال التدمير الشامل، فيما لم تكن قدراته الاقتصادية في وضع يساعد على تأمين المتطلبات حتى في مجال التطور العسكري. ويتعزز مكمن الخطر عندما تكون العسكرة منطلقة من أفكار سياسة وتطلعات قيادية ودعاوى خارجية مختلفة.
وأصبح في العراق جيش جرار له أول وليس له آخر، وترسانة بيولوجية وكيماوية تشغل حيّزاً مهماً من ترسانات الدول الست الأولى في العالم، ورجال وقادة وفكر عسكري وأجهزة وممارسات وتجارب ومطاولات حربية مشهودة، ووراء هذا كله كان هناك عمل ديناميكي جعل انتاج قنبلة ذرية عراقية قاب قوسين أو أدنى.
وهذا كله، يعتبر تجاوزاً لخطوط المصالح الدولية والاقليمية، لكن وطالما كان التجاوز بعيداً عن التنفيذ العملي، فإن لا أحد يمكنه تدمير البرامج، وكل ما يمكن إحداثه من تأثير يبقى مسألة نسبية مقبولة في حسابات الربح والخسارة ضمن المعادلات الاستراتيجية.
وجاء القرار الكارثة، وصدر الأمر في لحظة من لحظات الانغلاق العقلي نحو الاحتمالات وردود الفعل، فاجتاحت القوات المدرعة الكويت، ليبدأ صراع العقد الأخير من الألفية الثانية، الذي لا شك أنه سيمتد قليلاً ليسجل انفجاراً كبيراً وحتمياً في مرحلة مبكرة من العقد المقبل.
وحصل الاجتياح، وكانت عاصفة الصحراء/ أم المعارك... ولم تعد قصص ما جرى خافية على أحد. وللحقيقة، فإن الجزء الأساسي من الحرب وليس الكل طويت آثاره على واقع الطرفين، واذعن النظام للاعتراف بدولة الكويت بعد أن جعل منها المحافظة التاسعة عشرة، واعترف بالحدود الدولية التي أقرها مجلس الأمن. وبمرور الوقت دمر القسم الأكبر من أسلحة الدمار الشامل، إلا أن ذلك لم يكن كافياً، لأن النظام ارتكب خطأ فادحاً في سياسة التدمير عندما حاول المماطلة والاخفاء والتدمير الأحادي الجانب من دون اشراف المفتشين، انطلاقاً من حجج قانونية مكتبية ضعيفة مفادها ان القرارات الدولية لا تقضي اجراء التدمير باشراف المفتشين. وكأن المسألة تتعلق بقرارات مجردة من النوازع السياسية.
وعلى رغم طي الجزء الأساسي من الآثار المادية للحرب، تحولت عمليات التخبط والفشل في التعامل بين النظام واللجنة المكلفة ازالة أسلحة الدمار الشامل، إلى تطور نحو استراتيجية متعاكسة أساسها غياب الثقة بين الطرفين. فبدأ النظام يشعر أنه مستهدف بالموت البطيء، من خلال الحصار الاقتصادي، وهو ما دفعه لعرقلة عمليات التفتيش بدرجة أكبر، فضلاً عن رغبته الاحتفاظ بسلة من أسلحة الدمار الشامل، أو على الأقل المحافظة على جذور إعادة التكوين، ومن هنا بدأت المشاكل تأخذ مدى أبعد.
ارتكب النظام أخطاء كثيرة، ومن الأخطاء ما يمكن تغافله، إلا أن أكبر خطأين ارتكبهما بعد رفض الانسحاب من الكويت، كانا، اتباع سياسة غير سليمة مع المفتشين، والثاني استعجال تطبيق الفقرة 22 من القرار 687 للتخلص من القيود التي فرضت على صادرات العراق النفطية، وهو موقف سيادي أكثر مما هو اقتصادي على أرض الواقع.
رفع الحصار لا يحل المشكلة
وعلى رغم ان رئيس أي دولة أو حتى رئيس عصابة لا بد ان يحرص على رعاية مصالح شعبه أو عصابته إذا أراد الاستمرارية، فإن من غير المنطق الاعتقاد بأن صدام حسين يريد رفع العقوبات من أجل تخفيف معاناة العراقيين، فإنه يدرك قبل غيره ان المعاناة الكبيرة كتبت عليهم بوجوده بعد حرب الخليج الثانية.
والشيء الواضح أن رفع الحصار لن يحل المشكلة بوجود صدام مع استمرار مبدأ التعويضات، بل على العكس، فإن تطبيق الفقرة 22 سيزيد وضع العراقيين سوءً طبقاً للحسابات البسيطة الآتية:
يسمح للعراق وبموجب القرار 986 تصدير ما قيمته 4،10 بليون دولار سنوياً، بينما يصدر حالياً بما قيمته نصف المبلغ بما لا يزيد عن 8،1 مليون برميل يومياً.
تبلغ حصة العراق النفطية بموجب حصص ال "أوبك" 14،3 مليون برميل يستهلك منها 600 ألف برميل يومياً، وبذلك يكون الرقم المطلوب تصديره هو 5،2 مليون برميل x 8 دولارات = 2.7 بليون دولار، وهو رقم يصعب الحصول عليه لأن زيادة ضخ النفط يترتب عليها تراجع الأسعار.
وبموجب المعادلة البسيطة المذكورة، فإن تطبيق الفقرة 22 لا يؤدي إلى زيادة الدخل العراقي، بل سيؤدي فقط إلى سيطرة النظام على العوائد المالية والتحكم والتصرف بها، وهو موضوع سيادي ولا شك بأننا نحرص على سيادة العراق، لا على سيادة النظام، فمن الذي يضمن ان النظام سيواصل صرف المبالغ الواردة على تأمين المواد الغذائية والإنسانية وغيرها من أساسيات الحياة، ولا يتوجه نحو إعادة البذخ وبناء القصور واجراءات إعادة تقوية النظام. وطبقاً لذلك نرى أن غير مصلحتنا المطالبة بتطبيق الفقرة 22.
ولما كان العراق يعتمد بالدرجة الأساسية على المبيعات النفطية لتغطية موازنة الدولة، فإن المبيعات الأخرى لا تشكل إلا نسبة ضئيلة من الواردات المالية للدولة، وهي مستمرة إلى دول مجاورة ولكن بأسعار زهيدة، كما ان من غير المنطق ان نفترض انفتاحاً اقتصادياً واستثمارياً على العراق في حالة رفع العقوبات عن العراق بوجود صدام.
وطبقاً لهذه الرؤية، فإن الحديث عن رفع الحصار لم يعد أكثر من مسألة نفسية، فيما يطلق رفع الحصار يد النظام ويزيد من معاناة الشعب، وعلى رغم ذلك، فإن رفعاً للعقوبات سيثبت عقم وعدم صدقية الدعاية الصدامية، وسيقوي النظام ويضعف الشعب خلافاً لما يطرح من آراء، وفي الوقت نفسه، فإن الحال ستزيد من التباعد بين الشعب وحاكمه أيضاً، وهي حال تبقي المطالبة بحتمية التغيير مطروحة. والواضح بأن الحديث عن الحصار سيبقى مجرد دعاية من كلا الطرفين، ولا معنى للحديث عن رفع المعاناة من دون برنامج واسع تسقط فيه ديون، ويلغى بموجبه قرار التعويضات، وتطلق يد التنمية بكاملها، ومثل هذه القرارات مستحيلة بوجود صدام، خصوصاً في مرحلة انهيار أسعار النفط.
انطلق النظام بخياراته ومراهناته من مشاعر وقياسات موجة الخمسينات القومية التي قادها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وماكنة الاعلام المصري القدير، على رغم تغير الظروف خلال العقود الأربعة الأخيرة، فضلاً عن ان ما كان في عبدالناصر يختلف عما في صدام، خصوصاً لجهة التعفف في الحياة، وهو ما يترك أثره داخل نطاق الدولة أكثر مما يتركه خارجها.
راهن النظام على قدرة المطاولة والصمود في حرب المجابهة الميدانية فكانت كارثة الصحراء، وراهن على عامل الزمن فأساء التصرف خلاله، وراهن على الشارع العربي فحصل تعاطف شعبي كبير في المرحلة الأخيرة التي عشناها، ولكن ها هي مصر قيادة وشعب وماكنة إعلامية ضخمة تتخذ موقفاً علنياً مطالباً بضرورة تحمل النظام مسؤولية كل ما حصل، ولا بد هنا من التعبير عن التقدير لموقف الرئيس مبارك، الموقف الذي طالبنا به كثيراً، فلا شك بأننا نريد مصر رئيساً وقيادة وشعباً وإعلاماً مع الشعب العراقي على طريق التغيير السياسي المطلوب للهوية العربية المتطلعة نحو الحياة.
عمليات ثعلب الصحراء
جاءت عمليات ثعلب الصحراء وما تبعها لتثبت ان النظام لا يزال يعيش في مرحلة الخمسينات، وإلا كيف له أن يفرض أو حتى أن يقبل مجابهة كبيرة ضد أحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا بصواريخ سام من جيل الستينات، التي أثبتت هذه المرة أنها مجرد هدر للأموال وسلاح خادع لا يمكن التعويل عليه، وأثبتت الأحداث أيضاً أن النظام لا يتغير، فبعد جهود سياسية طويلة أمكن التوصل إلى مرونة في الموقف الرسمي المصري تجاه النظام، وفجأة يأمر صدام كاتب الملمات طارق عزيز للفصل بين القيادة المصرية وبين الشعب المصري، وليته بنى عُشر ما بنته القيادة المصرية، فتحولت مصر وتحول ملايين المحبين للعراق من المصريين الذين عاشوا فيه سنوات طوال إلى موقف التصدي الأول للنظام، فأية عبقرية هذه؟
وتفاوتت المواقف من الضربة على المستويات العربية والدولية، وداخل المعارضة العراقية، من الشجب القوي والفعال إلى حد التأييد، وتشير معلومات موثوقة بأن كل من وزيري خارجية دولتي عُمان وقطر اتخذا موقفاً قوياً ضد النظام في الاجتماعات الأخيرة، ولا شك في أن لكل فريق من الفرقاء أهدافه وغاياته ومبرراته، وتأخذ الحال الأشكال الآتية:
هنالك شريحة تقف بالضد من المواقف الأميركية ولا تثق بها، وهي شريحة تنطلق من موقف مبدأي تؤمن به.
هنالك أطراف تشعر بالإحباط من عدم دعوتها لاجتماعات الخارجية البريطانية والسفارة الأميركية، فهاجمت الاجتماعات والضربة.
ومن الأطراف من يبغي موقفاً استهلاكياً.
ومنهم من يعتقد ان العلاج ينبغي أن يكون بشكل آخر.
ومن الأطراف من يعتقد أن الضربة تقصر من عمر النظام.
ومنهم من تقتضي مصالحه بقاء النظام كي يبقى مستفيداً.
وعلى رغم حساسية الموقف، وحرصنا الشديد على منشآتنا الحيوية، ورجال قواتنا المسلحة بما في ذلك الأجهزة الخاصة، فالحقيقة التي عشناها داخل العراق ولا تزال أخبارها تتوارد إلينا، تؤكد أن العراقيين ينتظرون ويفرحون بضرب قصور ومآوي الديكتاتور، بل ويقبلون ما هو أوسع من ذلك، إذا كان المستهدف بها النظام مباشرة. وهذه حقيقة لا يدرك أبعادها الذين شاءت الأقدار أن يتركوا العراق من زمن بعيد، فقد أحدثت السنوات الثماني الصعاب تغييراً شاملاً في المواقف. ومن الجنون أن يغامر معارض وطني عراقي بسمعته في العراق ويتحدث عن الحقائق لو كانت الرؤية غير كذلك. وإن الإشارة إلى الحقائق لا تعني تحت أي ظرف من الظروف مطالبتنا بتنفيذ ضربات على قواتنا المسلحة أو منشآتنا الحيوية، كما أن تقديراتنا لحساب المدة التي يمكن أن تحرك المواقف المضادة للنظام فإنما تأخذ شكلاً من أشكال الدراسات التحليلية والتوقعات ذات الطابع العسكري والاستخباري، ولكن هذا لا ينفي أن ننقل حقيقة مشاعر الشعب التي عشناها في العراق والتي لا تمانع ولا تقف بالضد من الضربات إذا كانت موجهة نحو رأس النظام ومرتكزاته الأساسية، ومن غير المنطق أن نحرص على سلامة قصور صدام، فعلى الرغم من أنها بنيت من أموالنا، فإنها لن تكون في يوم من الأيام تحت تصرف الشعب. كما يمكن مطالبة الغرب بتنفيذ اسناد لعملي محددة تهدف إلى اسقاط النظام في حالة وجود مشروع من هذا القبيل، ولكن مثل هذا المشروع لا وجود له على أرض الواقع العملية وعندئذ تصبح الضربات مشروعاً يدخل ضمن عملية المجابهة بين الغرب والنظام.
التغيير عبر الجيش
المعارضة العراقية داخل العراق هي كل العراقيين، وفي الخارج فإنها كما نراها واسعة ومشتتة أيضاً، وبعض أسباب التشتت منطقية، ولكن المهم في الأمر، فقد حاول الأميركيون، وحاولت أطراف المعارضة نفسها العمل خلال السنوات الثماني التي أعقبت حرب الخليج الثانية، ومع هذا فإن النظام باقٍ.
كان هناك حدثان بارزان على مستوى المعارضة، الأول كان انتفاضة آذار مارس 1991 فقد تمكن الأكراد من السيطرة التامة على محافظات أربيل وكركوك والسليمانية ودهوك، وكان قادة من الحركات الكردية على رأس جماهيرهم، وخرج جنوب العراق كله، عدا جزء صغير من البصرة ومقر الفيلق الرابع جنوب العمارة، عن سيطرة الدولة، ومع ذلك لم تدخل قيادات من المعارضة في الخارج العراق، وكان هذ خطأ أو نقصاً استراتيجياً ترك خللاً كبيراً. ومع هذا كله وعلى رغم ان الجيش كان في أضعف مراحل تاريخه حين تراجعت القوة البشرية لعدد من الفرق من 15000 عسكرياً في الفرقة الواحدة إلى أقل من أربعين شخصاً، وعلى رغم وجود ثورة عارمة واستياء عام وشامل وظروف قيادية ومواصلاتية ولوجستية معقدة جداً بالنسبة للنظام والمؤسسات الحكومية، أعادت القوات المسلحة السيطرة على كل المحافظات خلال أربعة أسابيع، ومع ذلك فمن الخطأ ان يعتبر ذلك مؤشراً إلى ولاء القوات المسلحة والأجهزة الخاصة للنظام، ومن الضروري فهم واقع الحال بدل الاتهام.
أما الحدث البارز الثاني، فكان عمليات آذار 1995، إذ نتج عن التحرك تجاه الجيش من المنطقة الكردية التحاق أو تحرير أكثر من 700 عسكري من المراتب والضباط، وكانت عمليات رائدة لأنها توخت إتاحة الفرصة للجيش للحركة، ولكن لعدم توافر القدرات اللوجستية بالمرة ولظروف استثنائية توقفت العمليات.
وحصلت عمليات "ثعلب الصحراء" ولم يتحرك ساكن داخل العراق، ويجب استيعاب الدرس الرئيسي، وهو ان "لا مجال للتغيير من دون الجيش"، وفي المحصلة، فمن دون استمالة الأجهزة الخاصة نفسياً فلا تغيير ممكناً بحكم نفوذها القوي في كل مكان، وعندما تطمئن فستتحرك هي ضد النظام، ولسنا بذلك مطالبين بأن يكون الحكم عسكرياً، لكنهم العسكريون يشكلون الضرورة الكبرى للتغيير، وعلينا الاستفادة من ذلك والتوجه إليهم بطريقة صحيحة.
عمليات المفتشين وعلاقاتهم الخارجية
تردد كثيراً في الفترة الأخيرة، خصوصاً في كبريات الصحف الأميركية، أنباء عن قيام المفتشين الدوليين بالتجسس على النظام لحساب المخابرات الأجنبية، وإذا كانت هناك غرابة في الأمر، فإنها تكمن في استغراب الحالة، وابتداء فإن القرارات الدولية لم تكن قرارات بعيدة عن الأهداف السياسية، لأن أساس المشكلة كان سياسياً، كما ان عملية التفتيش عن السلاح أخذت طابعاً تحقيقياً وبحثياً ضمن نشاطات الاستخبارات، وهذا نتج من الأهداف السياسية وكذلك السياسة القاصرة التي اتبعها النظام مع المفتشين، ومن الطبيعي أيضاً أن تعيّن الدول عملاء أو موظفين منها بواجبات ومهام ضمن تركيبة اللجان، ومن السذاجة أن يعتقد أحد بأن معلومات اللجنة لم تكن متاحة لأجهزة مخابرات ما، أو ان تلك الأجهزة لم تقدم معلومات إلى اللجنة تساعدها على تنفيذ مهماتها، فهذه هي الحروف الأولى من الأبجدية السياسية الموجهة والاستخبارية، وانه لمن دواعي الحزن ان يكون العراق بكل تراثه الاستخباري غافلاً عن ذلك.
الموقف العربي
طالبنا أكثر من مرة بموقف عربي يساعد العراقيين على التخلص من النظام، وتبدو هنالك مؤشرات عن تطورات أولية بهذا الاتجاه، وعلى رغم ان النظام فقد عناصر المناورة وما يترتب على ذلك من فقدان قدرة التأثير الاستراتيجي، فمن دون الجيش لا يمكن التغيير مطلقاً، وهذا يتطلب من الدول العربية مد الجسور وتقوية الروابط مع مركز ثقل الدولة إدراكاً لحقيقة كانت وستبقى قائمة مفادها "ان كل تحرك ينبغي أن يراعي مشاعر قادة الجيش واقرانهم في مؤسسات الدولة، وهذا يتطلب العمل معهم ومن خلالهم بمشروع جدي للتغير"، ثم يمكن بعد ذلك الانتقال نحو نظام ديموقراطي متوازن، وبخلاف ذلك، فإذا لم يجد قادة الجيش سبيلاً لإسقاط النظام، ولم تساعدهم التحركات الخارجية على الاطمئنان، فسيختارون ما هو منظور - أي القبول بالأمر الواقع والعمل معه - وهو ما نتمنى أن تدرك أبعاده من قبل الأشقاء العرب ومن قبل فصائل المعارضة.
أضعفت عمليات "ثعلب الصحراء" النظام وستزيده مضاعفاتها المقبلة ضعفاً. وأصبحت المرحلة حساسة ودقيقة، والسؤال: ماذا بعد؟ وكيف يتصرف العالم والعرب؟ وما هي أبعاد توجهاتهم؟ وما هي الجسور المراد نصبها؟ وهل ستدفع المواقف الخارجية القادة العراقيين للتحرك ضد النظام؟ أم سيشعرون بالخطر على مستقبل العراق؟
أصبحت المتابعة واجبة، للتأكد من أن كل خطوة ينبغي أن لا تؤدي إلى انفلات أمني، وان تلاحظ المحافظة على وحدة العراق وسلامة مؤسسات الدولة وكيانها المستقبلي، وان لا تحطم مرتكزات التوازن الاستراتيجي المطلوب في المنطقة.
إن انتقال الصراع بين التحالف البريطاني - الأميركي والنظام إلى ساحة مكشوفة هو صراع لا بد ان يؤدي إلى الانفجار، والانفجار مقبل لا محال، لكنه سيأخذ فسحة من الوقت تمتد نحو القرن المقبل، وفي المحصلة سيأخذ العراقيون طريقهم نحو حياة ديموقراطية.
* لواء ركن سابق في الجيش العراقي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.