اذا كانت حفلة الزفاف مناسبةً تطغى فيها دموع الوالدين على زغاريد المبتهجين باعتبارها بداية لفراق عائلي وجغرافي لا يتجاوز غالباً بضعة أمتار، فكيف تكون الحال اذا كان الفراق جغرافياً بفعل الاسلاك الشائكة والالغام، وسياسياً قائماً على معادلة الرحيل من الوطن... الى "العدو المحتل". كيف ينسجم شهر العسل بين العروسين مع "الطلاق السياسي" مع الآخر. وماذا يقدم "الشعور الجمعي" لأقارب خمس عرائس في لحظة تجمعهم عند آخر نقطة في "الوطن الحبيب" باتجاه الجنوب... الى اسرائيل. المشاعر التي انتابت مئات "الجولانيين" النازحين كانت مرتبكة، لدى وقوفهم أمام نقطة "الصليب الاحمر الدولي" في مدينة القنيطرة في الجولان. كانت الزغاريد مرتجفة وتصبح أكثر ألماً لدى امتزاجها بأغانٍ حزينة او سياسية مثل :"ياجولان ويلّي ما تهون علينا" على أمل "لا بد الشمل يلتم. مرخصين فداك ياجولان الدم". وتبلغ الصورة حزنها الأبلغ عندما "يمتزج" سواد اثواب الامهات بالبكاء لفراق بناتهن، وعندما تسيل كحلة العرائس على وجناتهن ويستسلمن ل "حرارة اللحظة" و"المرارة" التي لفحت امهاتهن. اذ قالت ام وسام الصباغ: "لا يكفي اننا لم نفرح في العرس لأنه لم يكن كاملاً بل ربما لن أرى ابنتي أبداً". وسام واحدة من خمس عرائس عبرن أمس من الاراضي السورية الى الجولان المحتل منذ العام 1967. حيث تجمهر الشباب: معضداد صباغ وزايد دعبوس وعلي منذر ووسام ابو صالح وناضر فخرالدين مع مئات من اقاربهم على بعد بضعة امتار وتحت مكان "يرفع فيه موقتاً العلم الاسرائىلي"، لاستقبال عرائسهم والعودة بهن الى... بلدتيْ مجدل شمس وعين قنية الواقعتين تحت الاحتلال. بكّرالشباب الخمسة في الوصول الى آخر "نقطة اسرائىلية" لانتظار العرائس: وسام ورنا وميسون ونيبال ولينا، الآتيات من آخر "نقطة محررة" بموجب اتفاق فك الاشتباك الذي توصل اليه وزير الخارجية الاميركي السابق هنري كسينجر في ايارمايو 1974 بعد حرب تشرين الاول اكتوبر العام 1973. لكن لا بد من عمليات تسليم وتسلم قام بها موظفو "الصليب الاحمر" بين الجانبين. صحيح ان الفاصل بين النقطتين لا يتجاوز بضعة عشر متراً لكن الزمن مرّ ببطء شديد. اذ كان "العرسان" على أهبة الاستعداد في انتظار عرائسهم اللواتي كانت مشاعرهن مختلطة بين فرحة لقاء شريك المستقبل وحزن وداع الاهل. ولن يستطيع هؤلاء الالتقاء بأهلهم إلاّ بشروط صعبة توفر أحدها بعد توقيع الاردن اتفاق السلام بحيث يكون الجميع على موعد في عمّان. وتشكل هذه اللقاءات فرصة لاجتماع الاقارب والتعارف الذي يؤدي أحياناً الى الزواج. وهناك طريقة اخرى بأن يتعرف الشاب على الفتاة خلال دراسته في الجامعات السورية ذلك ان اكثر من 400 طالب يدرسون في سورية منذ فتح الباب امامهم في العام 1978. ولا تنتهي حالات الزواج بين الطلاب الى الخير، اذ ان "العروس" لينا صقايا توجهت امس مع طفلها الى لقاء زوجها بعد نحو ثلاث أعوام من زواج تم في دمشق، بسبب تأخر وصول الموافقة الاسرائىلية. لكن "اهم" طرق التعارف يتم عبر اشرطة الفيديو التي يحضرها الطلاب الى سورية، بحيث يختار بعض الشباب شريكته عبر الصورة والوصف. دفعة العرائس التي عبرت أمس كانت الثانية في غضون أيام، اذ ان ستاً أخريات توجهن في 25 الشهر الماضي الى الزواج والعيش في القسم المحتل، بعد عمليات اجرائية تستمر بين سنة واربع سنوات تتضمن: ان يقوم وليّ الشاب بتوكيل شخص في سورية لعقد القران على الفتاة وتسجيل عقد الزواج في "الصليب الاحمر الدولي". ثم يطلب الزوج عبر "الصليب الاحمر" عبور زوجته الى القسم المحتل تحت عنوان "لم الشمل". ويُقدر عدد الزيجات التي حصلت الى الآن بنحو عشرين حالة. كانت ربيعة اولى العرائس اللواتي... توجهن جنوباً في حفلة جرت في العام 1987، ويتذكرها معظم السوريين عبر الصور التي بثت في التلفزيون الرسمي.