سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
يراهنون على أن الأمل الذي يطلقه يحدث صموداً لدى اللبنانيين في انتظار الحلول . مريدو لحود : الصلاحيات كافية إذا أُحسِن تطبيقها نيو شهابية ... لكن المطلوب ذهنيته لا نجومه في الرئاسة
لم يكن ممكناً للعماد اميل لحود، كمرشح للرئاسة، على رغم انه "الأوفر حظاً"، ويتردد انه بدأ تحضير ملفاته للرئاسة ان يجيب عن اسئلة "الحياة" عن القضايا والمشاكل الرئيسية المطروحة في العهد المقبل. فهو من موقعه كقائد للجيش، لا يمكنه وفق القانون ان يدلي برأيه في الأمور السياسية، خصوصاً ان تعديل المادة ال49 من الدستور التي تحظر انتخابه، هو او غيره من موظفي الفئة الأولى، للرئاسة قبل مضي سنتين على استقالته او انقطاعه عن وظيفته او إحالته على التقاعد، لم يحصل بعد. فهو المفتاح القانوني لتحوله مرشحاً للرئاسة. إلا ان الأمر يتجاوز الاعتبار القانوني تماماً مثلما يتجاوز ترشيحه الى اعتبارات سياسية. فالجنرال متكتم بطبعه ولا يحب المقابلات الصحافية، كشخصية عامة. وضاعف من طبعه هذا انه عسكري اشتهر بالتزامه القوانين وتطبيقها. وحين حاولت "الحياة" عبر بعض اصدقائه ان تحصل على "تقدير لما يمكن ان يكون عليه موقفه من بعض القضايا الشائكة المطروحة على الرئىس الجديد"، كان الجواب ان القائد لا يريد دخول هذا الأخذ والردّ وأن سعيه الأساسي هو الحفاظ على مؤسسة الجيش فاذا وقع الاختيار عليه للرئاسة يكون حصل ذلك وإذا لم يقع الخيار عليه فلن يكون قائد الجيش السابق العماد ميشال عون آخر يضحّي بالجيش وبالبلد من أجل الرئاسة. ونصحنا الصديق باللجوء الى من يعرفون افكار الجنرال من محيطه، وبعض من عمل معه لعلنا نجد بعض الاجابات عن بعض الأسئلة. إلا ان أياً من هؤلاء لم يعط الاجابات عن كل الاسئلة التي تطرحها "الحياة"، والمتعلقة بالاصلاحات الادارية والاقتصادية والدستورية، وأوضاع المسيحيين، وتطبيق اتفاق الطائف، وإلغاء الطائفية ... حتى لا يلزموه ما لا يريدون، ولاعتقادهم ان الاضاءة على شخصيته وممارساته قد تكون دليلاً الى طريقته في معالجة القضايا الشائكة المطروحة في العهد المقبل. وبطبيعة الحال، كانت الاحاديث مع هؤلاء، عن العماد لحود وليست منه، ولكن انطلاقاً مما يعتقدون انهم يعرفون عنه. ولئن كان محبّو لحود، من العسكريين او المدنيين، لا يرتاحون الى الطريقة التي يجرى تناوله فيها في الاعلام منذ مدة قصيرة وتصويره على انه "المنقذ" الآتي، نظراً الى صفات النزاهة ونظافة الكف والكفاية الاخلاقية والتزام الأنظمة والوطنية وتفضيل منطق المؤسسات ... لديه، فان العارفين بموقفه من الاستحقاق الرئاسي يتوقعون ان يغادر الجنرال منصبه في المؤسسة العسكرية إما الى الرئاسة وإما الى البيت وحياته الخاصة، عند انتهاء خدمته آخر العام الجاري، اذ لا ينوي البقاء في الجيش اذا لم يقع الخيار عليه في الرئاسة. اما مردّ هواجس محبيه وحتى بعض الحياديين، من الهالة التي يعطيه اياها الاعلام والمدح الذي يلقاه من السياسيين بسبب حظه المرتفع بالرئاسة، استناداً الى صفاته، يعود الى عاملين: الاول: ان عدم انتخابه رئيساً يسبّب خيبة أمل، بعدما نشأ امر واقع نفسي حده الأدنى ان مجيئه سيحدث صدمة ايجابية تشحن جهود اصلاح الاوضاع في البلاد بالأمل. والعسكريون اكثر من يتوجس ذلك لاعتقادهم ان الحملة الاعلامية تكون مسّت بمعنويات الجيش كمؤسسة. الثاني: ان بعض السياسيين يعتقد ان "تكبير حجر" التوقعات من مجيء لحود رئيساً قد يتسبب هو ايضاً بخيبة أمل، لأن المشاكل المطروحة لن تحل في سرعة، فيحصل معه ما حصل مع رئىس الحكومة رفيق الحريري حين جعلته الهالة التي صنعها هو والإعلام حول شخصه يغدق الوعود الربيعية التي أدّت مفعولاً عكسياً في الرأي العام. اذ ليس هناك "قوة خارقة" امام الأزمات والتحديات المطروحة بل معالجات دؤوبة ... على آجال متدرجة. وهذا الهاجس موجود على رغم اعتقاد البعض ان لحود لن يقع في فخ الوعود في حال رسا الخيار عليه. منذ اشهر، لم يعد العماد اميل لحود ينفي انه مطروح للرئاسة. وأقلعت مديريتا التوجيه والمخابرات في الجيش عن الاتصال بالصحف لمطالبتها بإبعاد اسمه عن الاستحقاق الرئاسي وعدم اقحامه في هذه المعمعة، كما اعتادتا ان تفعلا، من دون ان يلغي ذلك ان اسمه بقي مطروحاً في السنوات الثلاث الماضية، بعد التمديد للرئىس الياس الهراوي في العام 1995 بهذا المقدار او ذاك. ولم يكن صعباً اعتبار اسمه بين المرشحين في السابق، اذ انه طرح قبل سنة من التمديد للهراوي في العام 1995، من فريق واسع من القوى السياسية اللبنانية، استناداً الى الصفات نفسها التي تتردد الآن، لكن، وفي شكل رئيسي، استناداً الى انه كان يحظى باحترام القيادة السورية نظراً الى انه اول قائد للجيش سلك طريقاً أدى الى تحوّل في عقيدة العسكر اللبناني القتالية، في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي وفي "التآخي" مع المقاومة ضده في الجنوب، وفي التنسيق العسكري والأمني مع سورية لمصلحة أمن البلدين والجيشين وكسب ثقة القيادة العسكرية السورية التي محضت قيادته دعماً بالعتاد والسلاح منذ تسلمه مهماته، وفي شكل تدريجي. لكن الخيار لدى الجانب السوري كان وقع في حينه على التمديد لأن دمشق كانت اتجهت نحوه في وقت مبكر، قبل اشهر من انتهاء الولاية الاولى للهراوي. وكانت قيادتها اعطت الاولوية لدعم التمديد الى درجة، انها لم تهيئ لاحتمال آخر في سياستها في لبنان حيال موضوع الرئاسة الأولى. وكان جواب القيادة عن مواصلة حلفاء لها طرح اسم العماد لحود: "ان لبنان يحتاج اليه في قيادة الجيش لانه نجح في منصبه". وعليه اقترن التمديد للهراوي بالتمديد ثلاث سنوات ايضاً للحود، الذي كان يفترض احالته على التقاعد في نهاية العام نفسه 1995. لكن العارفين بالكواليس رددوا في حينه ان التمديد للحود في منصبه كان تمهيداً لخروجه منه الى الرئاسة عند انتهاء الولاية الممددة للهراوي. ويشترك عدد من مؤيدي خيار لحود في تعداد الأسباب التي طرحته مرشحاً جدياً، سواء بالنسبة الى الاعتبارات الاقليمية او الى الاعتبارات الداخلية، كالآتي: - ان اتصافه بالنزاهة والاستقامة ونظافة الكف وتطبيق القوانين، كانت مشهودة في ممارساته خلال سني تدرجه في المناصب المتعددة في الجيش. وكان آخرها قبل القيادة، مدير الغرفة العسكرية في مكتب وزير الدفاع. واشتهر العميد اميل لحود في حينه، بأنه كان يفند المعاملات، التي ترسل الى وزير الدفاع للتوقيع عليها، فيشير اليه اين مكامن الخلل فيها، سواء ادارياً او مالياً. وكان اخر وزير للدفاع قبل تسلّم العماد عون مهماته، الرئىس الراحل عادل عسيران يثق به ثقة شبه عمياء، نظراً الى تجاربه معه. ويحكى ان لحود، كان وراء ردّ الكثير من المعاملات التي كانت تحول الى عسيران من قائد الجيش في حينه. وبين تلك المعاملات واحدة بعث بها القائد آنذاك العماد ميشال عون الى الوزير، احتسب فيها الضباط المعنيون قيمة ذخائر تبرعت بها فرنسا للجيش على انها من مدفوعات موازنة الجيش فاقترح لحود على عسيران ردّها لأن الهبة هبة، والمشتريات مشتريات، في مقابل حجة الضباط المؤيدين لعون بأن الجيش يحتاج الى المال... وعند توليه منصب القيادة اثبت لحود صفة اخرى ملازمة للصفات المذكورة، هي الشفافية، اذ وفّر على الخزينة عشرات بلايين الليرات في العقود التي تتولاها مديرية التجهيز، ومديرية الأفراد في المؤسسة وفي تلزيمات شراء الأدوية للعسكريين وعمليات الاستشفاء، وشراء العتاد، بعقود كانت تعرض مع مقارنة بأسعار سابقة على مجلس الوزراء والوزير المختص. ولهذه الصفات وقع ايجابي هذه الايام، في ظل الكلام الذي ملأ تصريحات كبار المسؤولين عن الصفقات والسمسرات اثناء عمليات التجاذب التي شهدتها البلاد بين اركان الحكم. لكن البعض يعتقد ان صفات لحود هذه تصل الى حد العناد في تعاطيه مع الاشخاص، انطلاقاً مما يراه الأصلح والأصوب بمقاييسه، ما سبّب مشاكل له في الكثير من المحطات الى درجة انه لوّح مراراً بالاستقالة، اذا لم يؤخذ برأيه في تعيينات او ترقيات او اشكالات مع السلطة السياسية، وأزعج هذا الأمر احياناً اركان الحكم وبعض المسؤولين السوريين. وقد اضطر الى التراجع عن بعض مواقفه فيما اسهمت المخارج السياسية في حلحلة البعض الآخر لمصلحته. وفيما اعتبر كثر ان هذا كان دليلاً الى انه ليس مسيّساً، يقول الذين عايشوه من السياسيين ان التجربة صقلته وبات سياسياً اكثر مما يعتقد بعض الأفرقاء. - ان لحود خاطر بحياته وقبِل قيادة الجيش في نهاية تشرين الثاني نوفمبر من العام 1989، فغادر شرق بيروت والمناطق التي كانت تقع تحت سيطرة الجنرال عون و"القوات اللبنانية"، الى غرب بيروت، قبيل اغتيال الرئيس الراحل رينيه معوض، لينضم الى شرعية اتفاق الوفاق الوطني في الطائف، لأنه آمن بالتسوية التي نجمت عنها بهدف وقف الحرب. وهو فعل ذلك في وقت كانت اجريت محاولات مع غيره لتبوّؤ القيادة من الضباط فلم يقبلوا. لكنه انتقل متخفياً من شاليه كان يقطنه على الشاطئ طول مدة "حرب التحرير" التي خاضها عون ضد الوجود السوري في لبنان. وكان لحود ترك وزارة الدفاع على خلاف مع فريق عون، في 14 آذار مارس من العام نفسه يوم بدأت "حرب التحرير" اذ سمع لحود اصوات المدافع تنطلق فجأة من محيط وزارة الدفاع، ثم شاهد بعد ثوان معدودة، من شباك مكتبه في الوزارة التي تطل على بيروت، القذائف تتساقط على منطقة الاونيسكو وكورنيش المزرعة غرب العاصمة قبيل السابعة والنصف صباحاً. وركض لحود الى مكتب مدير المخابرات آنذاك العقيد عامر شهاب فسأله: "ماذا تفعلون؟"، فأجابه: "بدأنا معركة التحرير وسترى ماذا سنفعل". واستشاط لحود غضباً وقال له: "لكنكم تقصفون شعبكم فما ذنبه؟". وقال شهاب: "لا مجال لتحريك الوضع إلا بهذه الطريقة. وسيقوم الناس ضد السوريين". ولم يستمر الحوار طويلاً وكان لحود يعتقد ان ما يحدث هو "جنون" ... ولكنه جمع اغراضه من مكتبه وغادر الوزارة ليعيش في الشاليه، الى ان انتقل منه الى قيادة الجيش في ظل الطائف. - سعى لحود، في ظل شرعية الطائف، برئاسة الرئيس الهراوي وحكومة الرئيس سليم الحص الى لملمة الجيش الذي كان يقوده اللواء سامي الخطيب في غرب بيروت، وإلى اجتذاب الضباط والعناصر الذين كانوا تحت قيادة عون، او الذين غادروا الجيش الى بيوتهم. وكان ينقصه العديد والعتاد. فاستمهل قرار انهاء تمرّد العماد عون على الشرعية واعتصامه في قصر بعبدا لاجتذاب مزيد من العسكريين. وفي الوقت نفسه كان الذين يترددون على لحود يفهمون منه ان الظروف لم تنضج بعد وأن ازاحة عون بالقوة تتطلب حكماً المساعدة العسكرية السورية المباشرة، المرتبطة بظروف سياسية خارجية حساسة وبحسابات دقيقة كان يعبّر عنها بتبسيط يستند الى تسوية اتفاق الطائف لإنهاء الحرب اللبنانية، بالقول ان الضوء الأخضر لإزاحة عون يحصل عند حصول تقاطع المصلحة السورية والأميركية بذلك، مشبّهاً الأمر "بدخول المفتاح في القفل، فينفتح الباب". وفي 13 تشرين الاول اكتوبر عام 1990 تحرك الجيش السوري ومعه قوات لحود فجراً في عملية منسّقة لإزالة التمرّد خلال بضع ساعات فاضطر عون الى تسليم مقاليد الجيش اليه، في المخرج الذي اعتمده للقبول بوقف النار. - حقق لحود توحيد الجيش بعملية دمج للألوية فيه على مراحل وبتوزيعها بالتناوب على المناطق، من اجل ازالة الطابع الطائفي عن هذه الألوية التي لاذ جنودها وضباطها بطوائفهم عند انقسام المؤسسة العسكرية. وشيئاً فشيئاً، سعى الى إبعاد الطائفية عن الجيش، بدعم سوري لقيادته وخطته التوحيدية فباشر التطويع على اساس الكفاية واختيار تلامذة الضباط على اساس نتائج امتحاناتهم، مستبعداً الوساطات والمحسوبيات التي كانت تفعل فعلها على الطريقة اللبنانية، قدر الامكان، بعدما سعى الى كسب عدد لا بأس به من الرموز الضباط الذي تعاونوا مع العماد عون، معتمداً العصبية العسكرية كرابط لهم مع رفاقهم، فيتغلب ولاؤهم للمؤسسة على عاطفتهم حيال القائد السابق للجيش. - مع تشدده في تنفيذ قرار مجلس الوزراء جمع سلاح الميليشيات وتسلّم المؤسسات العامة منها، أبدى لحود تفهماً للاعتبارات السياسية، الاقليمية، التي حالت دون مواصلة تنفيذ هذا القرار في الجنوب، ان بالنسبة الى المخيمات الفلسطينية او الأحزاب التي تقوم بعمل المقاومة ضد الاحتلال الاسرائيلي لأن هذا الامر يرتبط بالوضع في الجنوب. وسمحت قيادة لحود بتغطية عمل المقاومة، لأن قوات الجيش لم تصطدم بها اثناء تحركاتها. وبينما كان استثناء بعض المناطق والاحزاب موضع انتقاد من القيادات المسيحية وخصوصاً البطريرك الماروني نصرالله صفير، لم تتردد قيادة لحود في التنفيذ العملي للإجراءات الامنية المطلوبة من جانب القضاء ومجلس الوزراء ضد حزب "القوات اللبنانية" وقائدها الدكتور سمير جعجع، الذي حوكم ويحاكم بقضايا عدة، وصدر في حقه حكم بالسجن المؤبد لمسؤوليته عن اغتيال الرئىس السابق لپ"حزب الوطنيين الاحرار" داني شمعون، ويمضي عقوبته في غرفة في وزارة الدفاع. - انسجاماً مع عقيدة الجيش الجديدة في مواجهة اسرائيل، سقط له شهداء، على تواضع امكاناته اثناء العمليات الكبرى التي قامت بها القوات الاسرائيلية خلال السنوات الماضية. وكان للحود والجيش موقف من الطروحات الاسرائيلية بتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 425 مشروطاً بمفاوضات على ترتيبات امنية، ولم يكتفِ بموقف مجلس الوزراء الرافض له فأصدر نشرة توجيهية الى العسكريين فنّدت العرض الاسرائيلي واعتبرت ان للمرة الأولى في التاريخ يطلب المحتل تجريد مقاومة المحتلة ارضه من سلاحها في حين يحتفظ المحتل لنفسه، بعد الانسحاب، بحق التصدي الدائم عسكرياً... ويطلب المحتل ضمانات أمنية من المحتلة أرضه... وأكدت النشرة أن "ليس من واجب لبنان قبول الشروط أو تقديم الضمانات أو الإجابة عن الأسئلة التي تعبر عن هواجس اسرائيل لما بعد الانسحاب... وأن كل الضمانات والأسئلة تجد الأجوبة الطبيعية والنهائية عليها في اطار عملية سلام عادلة وشاملة تجمع لبنان وسورية وباقي المسارات العربية". وأضافت النشرة التي تصدر عن قيادة الجيش "ليس من واجبنا ان نؤمن لإسرائيل الراحة والضمانات والأجوبة وأن نأخذ عنها الأعباء الأخرى في مقابل انها لوحت مرة بالانسحاب لأن الاحتلال يضايقها". وكان لموقف لحود هذا تثمين سوري علني. أدّت الإشادة السورية بمواقفه المذكورة الى انقلاب أفرقاء تحفظوا عن مجيء لحود سابقاً، فصاروا معه، ومنهم رئيس الحكومة رفيق الحريري الذي قام منذ سنة بتطبيع العلاقة معه. وتقدم وزير الدفاع محسن دلول الداعين الى دعم ترشيحه، بعدما سبق ذلك استطلاعات عدة للرأي عن المرشحين الى الرئاسة جعلت لحود في الصدارة، إذ حاز في ما نشر منها، وما لم ينشر، نحو 30 في المئة من التأييد لدى الجمهور اللبناني، وبفارق نحو 20 في المئة عن الخيار الثاني وأكثر من ذلك، عن الخيارات الأخرى، فكانت احدى الحجج لتزايد فرصه. وكرت سبحة التصريحات المؤيدة لترشيحه ونشأ مناخ سياسي - اعلامي وضعه على قاب قوسين من الرئاسة، في انتظار "القرار النهائي" لدى القيادة السورية. إلا أن صناعة صورة لحود كرئيس اقترنت أيضاً مع هواجس من مجيء عسكري، ومن عسكرة النظام، ومن عودة الشهابية دور الجيش والمخابرات في السياسة. والمتحمسون لمجيء لحود قابلوا هذه الهواجس، فيما سلّم بعضهم ان رئاسة لحود تعني نيو- شهابية، وتوزعت مواقفهم صنفين: - الاول يرى اننا لو سلّمنا ان لحود سيكون متعباً للسياسيين وعلى رغم المخاوف من دور الجيش، يبقى وضع البلد معه افضل، كرجل قوي، من الذي وصلت اليه بسبب تنازع الرئاسات على الحصص والصلاحيات. وهو تجربة تغني عن خوض غمار تعديل الصلاحيات التي لها مخاطر كثيرة، كي يستقيم الحكم. والقوة التي يتمتع بها كفيلة بضبط المشاكل بين الرئاسات. - يقول احد السياسيين الذين عاصروا الشهابية ان ليس بالضرورة اسقاط تجربة الرئىس الراحل فؤاد شهاب الذي انتقل من قيادة الجيش الى الرئاسة وكان "المكتب الثاني" المخابرات مساعداً اساسياً له على الحكم، على تجربة لحود، على رغم ان والد الاخير الوزير والنائب السابق والعسكري السابق جميل لحود كان شهابي الآراء والتوجه وكان متميزاً في الأداء عن الرئىس الراحل. ويفضل السياسي نفسه تحديد النيو- شهابية التي يمثلها لحود، بتاريخ استقالة الرئىس السابق الشهيرة التي عاد عنها، او عزوفه عن ترشيح نفسه ثانية، بسبب اعتقاده ان الطبقة السياسية لا تتيح تحديث الدولة والمضي قدماً في انشاء المؤسسات، وأن مقاربة لحود وشهابيته من هذه الزاوية تتيح القول انه سيكون شهابياً بعدما كان شهاب قطع شوطاً في اعطاء افكاره بعدها المدني. وفي كل الاحوال فان الحلقة الضيقة المحيطة بلحود تعتقد ان منطلق المقارنة بينه وبين شهاب غير صحيح، فالعماد مطروح للرئاسة ليس لأنه ترشح بل لأنه مؤهل لها من خلال ممارساته في موقعه الحالي في التعاطي مع استحقاقات سياسية وأمنية فأثبت انه اذا جاء رئىساً لن يضعف امام عوائق الاصلاح، ولأن قوته في انه لا يريد شيئاً لنفسه، فيما منطق المحاصصة بين ترويكا الحكم كان يتيح هذا الشيء الذي هو في غير وارد الدخول فيه. ويقول المحيطون بلحود انه "ليس مرشح الجيش حتى يقال ان مجيئه يعسكر النظام، فالجيش ليس لديه حل للمشكلات الاقتصادية والسياسية التي تعيشها البلاد، بل هو جزء من مؤسسات الدولة وهو يملك الحل للمشكلة الامنية لا اكثر، وبالتالي فان مجيء عسكري لتنظيم الوضع من اجل مواجهة هذه المشكلات، تمليه الخلقية التي يتمتع بها، هي التي أهّلته لذلك، اكثر من اختصاصه العسكري. وهي خلقية تنظيمية وإدارية وسياسية تساعد على معالجة خلل في الأوضاع. فضلاً عن ان التناقضات اللبنانية تتطلب معالجات سياسية ليست في حوزة الجيش". ويتابع مريدو لحود "ان ظروف مجيء شهاب العام 1958 اثر الثورة والأحداث الامنية الطائفية آنذاك غير ظروف العام 1998. فالأولى أعطت بطبيعة الحال دوراً للجيش لأن شهاب استلم السلطة من ثورة اوجبت الاستعانة بالعسكر، فيما اميل لحود اذا تسلّمها فضمن تركيبة سياسية استوجبت نهاية مداها الدستوري انتهاء العهد الاتيان بشخص يساعد على ترميم ما تسببته الثغرات التي ظهرت بالممارسة. والجيش حين كان شهاب قائداً له لم يواجه استحقاقات، فكان الصامت الأكبر، في ثكنه ولم يخضع لاختبارات كالتي خضع لها في السنوات الماضية، بل كان في جو هدنة بين لبنان واسرائيل، فيما نحن الآن في جو سقوط الهدنة ونواجه اوضاعاً مصيرية، ما يجعل الفرق جوهرياً والمقارنة خاطئة، فلو كان لحود، سيتسلم السلطة من الميليشيات لكانت جازت المقارنة اما الازمة الآن فهي ليست امنية بل اقتصادية - سياسية. ولو كان ممكناً للعسكر ان يؤدوا دوراً لكانت السنوات التسع الماضية مسرحاً يتيح لهم ذلك اكثر من الآن. لكن العهد الماضي شهد المعالجات الامنية ورست خلاله مقومات سياسية للنظام، ان كانت خاطئة او صائبة". ويرى هؤلاء ان الفروقات بين الرجلين شخصية ايضاً، فالرئىس شهاب "من مدرسة فرنسية بينما لا ينتمي لحود الى مدرسة اجنبية، وهما قد يتشابهان بأنهما يتمتعان بفكر مؤسساتي وأنهما عسكريان. ولكن ... وفي كل الاحوال فان الأقدر على منع العسكر من التعاطي في السياسة هو العسكري لأنه يدرك عقلية العسكريين اكثر من المدنيين". إلا ان لدى الخائفين من دور الجيش تساؤلات ومخاوف على رغم حجج مريدي لحود: ماذا عن تجربة تطويق الجيش لوزارة المال قبل اعوام نتيجة خلاف بينه وبين الوزير، وماذا عن محطات اخرى تدخل فيها في السياسة؟ ثم أليس الدور الأمني المنتظر للجيش في الجنوب، في حال انسحبت اسرائىل، وفي الداخل نظراً الى انعكاسات الانسحاب سيعطيه دوراً في السياسة؟". ويردّ مريدو لحود بالقول ان حادث وزارة المال كان عابراً وأن الجيش تعلم منه وأن الدور الأمني المنتظر للجيش في الجنوب يقرره مجلس الوزراء والسلطة السياسية، فيما هو ينفذ. وخطوة انتشاره هناك ليس لها الوهج الذي يتيح له دوراً سياسياً، في وقت كانت خطوات امنية اهم قام بها في ظل هذا العهد تتيح له دوراً سياسياً ... على المستوى الداخلي. ويشير هؤلاء الى "ان المطلوب من لحود في الرئاسة اذا تسلّم مقاليدها ذهنيته، لا نجومه. وثمة عامل مهم يتناساه البعض هو ان وجوده فيها، بات خاضعاً، خلافاً لأيام الرئىس شهاب، لتوازنات جديدة. فاذا كان الجيش استطاع في حينه ممارسة نفوذه فلأن صلاحيات الرئاسة كانت مختلفة وكانت تسمح للمكتب الثاني بأن يؤثر في المؤسسات الاخرى، فكان العقيد غابي لحود مسؤول المخابرات ايام الشهابية يتمتع بسطوة عند رئيس المجلس النيابي صبري حمادة ... وهكذا دواليك في المؤسسات الاخرى. فهل الجيش قادر هذه الايام على التحكم برئيس المجلس النيابي او برئيس مجلس الوزراء؟ ومن هو الضابط الذي يستطيع ذلك في ظل السلطات التي لدى كل منهما وفق الدستور الجديد، الذي يضع الجيش بأمرة مجلس الوزراء مجتمعاً، بينما كان سابقاً بأمرة رئىس الجمهورية؟ في السابق كان هناك تحالف بين الجيش والرئاسة بسبب ذلك". وينتهي المريدون الى القول ان زخم الانفراج الذي يمكن ان يحدثه مجيء لحود سيساعد على الأمل بالحلول وعلى الصمود مدة من اجل المجيء بالعلاج، فيما الاتيان بغيره قد لا يجعل الناس يأملون كثيراً. ولحود لن يجد حلاً سريعاً، بل ان تعاطيه مع الازمة قد يوقفها عند حد يسمح بتسريع هذا الحل. هذا فضلاً عن ان مناخاً ايجابياً سينشأ عند بعض المسيحيين المستنكفين وإن كانت ذهنيته غير طائفية ولا ينوي خوض معارك في شأن صلاحية الرئاسة كمنصب للموارنة، لأن الصلاحيات الموجودة كافية اذا احسن من في المنصب تطبيقها. ويعترف هؤلاء ان التنبّه كي لا يخطئ كما فعل شهاب لجهة علاقة السلطة بالجيش ضروري، خصوصاً ان حجم المشاكل التي امامه اكبر من تلك التي واجهها الرئىس الراحل. فالتحدي في نظر البعض يكمن في ان مجيء عسكري قد يسيل لعاب تحويل الجيش حزباً له في السلطة. وثمة من يقول ان العماد لحود اجتمع مع اركانه وأبلغهم انه اذا انتخب رئيساً، فهذا لا يعني ان الجيش تسلّم السلطة "وأدعوكم الى الانتباه الى هذه الناحية".