ينتخب المجلس النيابي في لبنان، بعد ايام، قائد الجيش العماد اميل لحود رئيساً لست سنوات مقبلة. هذا الانتخاب اصبح ممكناً بفعل الدعم السوري وتأييد غالبية الطبقة السياسية. وقبل اعلان هذا الاختيار أظهرت استطلاعات الرأي آخرها نشرته الزميلة "الوسط" هذا الاسبوع ان نسبة من اللبنانيين تصل الى حوالى خمسين في المئة تؤيد هذا الترشيح. فتطابق التأييد السوري مع الدعم المحلي، ليصبح رئيس الجمهورية المقبل في موقع يجمع، الى الدعم الاقليمي والاقتراع النيابي، تزكية شعبية لا لبس فيها. واذا كان يصعب الفرز بين الدعم الاقليمي والتأييد السياسي والشعبي لاختيار لحود، فإن المهم في هذا التوافق هو ان الاعتبارات التي أملت احدهما مكملة لتلك التي أدت الى الآخر، او يجب ان تكون كذلك. لا بل يمكن القول ان سر نجاح العهد المقبل يكمن في ادارة هذا التوافق. فالعماد الذي نجح في قيادة المؤسسة العسكرية على نحو نال رضى الجميع، بما في ذلك دمشق، سيكون مواجهاً باختبار تلبية تطلعات اللبنانيين الذين زكّوا رئاسته. الاستطلاعات أظهرت ان الاختيار وقع على أسس "نظافة الكف" و"النزاهة" و"الاخلاق". اي ما شكا اللبنانيون من فقدانه على امتداد اكثر من ربع قرن. والترجمة الفعلية لهذا التطلع تبدأ بالاصلاح الاداري الذي فشل عهد الرئيس الهراوي، لاسباب كثيرة، في التصدي له والطريق الى الاصلاح رسمته القوانين. وبداية تحقيقه اعادة الاعتبار الى المؤسسات الادارية القائمة من مجلس خدمة مدنية وتفتيش مركزي ورقابة مالية الخ… الرغبة في الاصلاح الاداري تبقى امنية، ما لم تكن ارادة قوية تجذب اليها مواقع القرار في السلطة، خصوصاً مؤسستي مجلس الوزراء ومجلس النواب. والذين أيدوا اختيار العماد لحود في المؤسستين تقع عليهم المسؤولية الموازية، لأن القدرة على التعطيل تظل قائمة ما لم تعمم هذه الإرادة. اذ ان المحاصصة في جوهرها إلغاء للهيكل الأساسي للدولة. رئيسا المجلس النيابي والحكومة نبيه بري ورفيق الحريري كانا في نظام المحاصصة الترويكا، وسيبقيان في العهد المقبل، وعليهما مسؤولية كبرى في استجابة طلبي اللبنانيين نظافة الكف والنزاهة، أي إعادة الاعتبار لهياكل الدولة ضمن برنامج يتوافق عليه مع رئيس الجمهورية والتزام هذا البرنامج، بما يجعل قضية الثلث المعطل في مجلس الوزراء غير ذات قيمة. لم يأتِ العماد لحود من قيادة الجيش إلى رئاسة الجمهورية بانقلاب عسكري. أي أن شرعيته الوحيدة سياسية، ولا يدين لموقعه العسكري السابق بأي شيء. وتالياً ليس عليه تسديد أي فواتير في هذا المجال، وهذا ما قاله في تعميم على كبار الضباط. لكن التجربة الشهابية لا تزال في الذاكرة، على رغم تمتع صاحبها بالترفع واحترام المؤسسات والحضور الكبير للطبقة السياسية. وما يثير هذه المخاوف ظروف الأمن والمواجهة مع إسرائيل في لبنان، خصوصاً ان إغراء السلطة أقوى من أي إغراء آخر، ولا يحتاج إلى مبررات كثيرة للظهور. وتبقى مهمة أساسية يمكن استخلاصها من الاستطلاعات التي تظهر ان أكثرية 72 في المئة مع نظام رئاسي وأن أكثرية 92 في المئة تؤيد الانتخاب الشعبي المباشر لرئيس الجمهورية. هذا يعني ان اللبنانيين، بانتماءاتهم الطائفية والاجتماعية المختلفة، يرون ان مؤسسة رئاسة الجمهورية تسبق غيرها من المؤسسات ويرغبون رغبة قوية في اعطاء رأيهم بمن يتولاها، وهم يدعون أصحاب العهد المقبل للتفكير ملياً فيها. اذن، المطلوب من لحود كثير: الارادة الميثاقية لبشارة الخوري والدهاء السياسي لكميل شمعون والحسّ المؤسساتي والاصلاحي لفؤاد شهاب، وثقافة شارل حلو وحسم سليمان فرنجية ودماثة الياس سركيس… وجرأة الياس الهراوي.