مدينة الاسكندرية الحديثة بعدسة المصوّر البرازيلي كارلوس فرير وبكلمات الكاتب المصري الأصل روبير سوليه، تُعرض في متحف "بوتي باليه" في باريس كمدخل لعظمة الاسكندرية القديمة واثارها التي تقدّم حتى نهاية شهر تموز يوليو الجاري في المتحف الباريسي. كما صدر عن دار "ستوك" كتاب يضم الصور والنص تحت عنوان "الاسكندرية المصرية". في فسحة واسعة وأنيقة، تبدو صور فرير البيضاء والسوداء ملفتة بتنوعها وتقنيتها البارزة، وتكشف لنا عن مدينة الاسكندرية بمختلف جوانبها: الشعبية والعامة، المتداعية والجديدة، الحميمة والعلنية، الحزينة والمرحة... وكارلوس فرير الذي يسكن ويعمل في باريس منذ العام 1968، زار الاسكندريةمرات عدة وأقام فيها مطولاً قبل أن تنفتح له المدينة بأسرارها وسكانها. ولكن في البداية "كان الضوء"، كما يقول في مقدمته، "لحظة سعادة لكل إنسان وللمصور الفوتوغرافي بشكل خاص". أما روبير سوليه فأحب الاسكندرية "بافراط"، وبالنسبة إليه كانت في طفولته أكثر من مدينة، كانت "بلداً تقريباً" يسكنه خلال أشهر الصيف الثلاثة. قلعة قيتباي التي شيدت في القرن الخامس عشر عند موقع المنارة الشهيرة تجذب الضوء في الصباح، في حين ينتصب فندق "سيسيل" الاسطوري أمام تمثال ضخم لامرأة مصرية... ومباني الاسكندرية التي كانت تستوحي هندستها المعمارية، حتى الحرب العالمية الأولى، من النمط الايطالي تحمل الغسيل على شرفاتها مثل معظم شرفات ايطاليا الجنوبية. يصوّر فرير ساحات المدينة وشوارعها ومعالمها الرئيسية، ولكن أجمل ما نكتشفه في هذه الصور هم أهالي الاسكندرية على اختلافهم: الشيخ الذي يقرأ الجريدة في الترام، وحارس قنصلية تشيلي الذي يتحدث إلى صديق، والكوّى الذي يقضي قيلولته أمام دكانه، ووجوه رجال ونساء يسكنون المدينة أو يمرون فيها. السوق تجذب الجميع، والخضار والأسماك تحتل جزءاً من الشارع، في حين تحتل المقاهي أجزاء أخرى... دكاكين المصورين الفوتوغرافيين وبائعي الكتب وتجار اللوحات تنفتح كلياً على الطريق، لا سيما أن الحياة في الاسكندرية تجري في الخارج... حتى الصلاة عندما يمد السجاد في الشارع، يوم الجمعة، ويجتمع المؤمنون لصلاة الظهر. ويتوقف كارلوس فرير بآلة التصوير عند وجوه مشهورة من المدينة: المهندس المعماري محمد عوض، والمخرج السينمائي يوسف شاهين، والروائي إدوار الخراط. وأخرى ظلت وفيّة لها أمثال أناهيد ميراميدجيان التي تدير مكتبة فرنسية تأسست سنة 1935، وبرنار دو زغيب أحد آخر ممثلي الاسكندرية الكوزموبوليتية، وجو حراري أحد آخر اليهود المقيمين فيها... وبعيداً عن الغرائبية، صوّر كارلوس فرير كل ما يمكن تصويره في مدينة تنبض بحياة غير عادية. وقد خصص لها "معهد العالم العربي" في باريس معرضاً فوتوغرافياً كبيراً، وأصدر أخيراً كتاباً بالتعاون مع دار "ايديسيون نوار" يضم صور طوني كاتاني وآن فافري وباتريك مانيز وبرنار نحييو ونبيل بطرس وجيل بيران وريزا، ونصاً وضعه جاك حسون الذي يقول: "... المكان هو ذاته، ولكن كل شيء تغير. على مدى قرن لم يأت البدو للصلاة عند هذه الزاوية من الساحل. والجماعة التي كانت تتردد على هذا الشاطئ في الأربعينات انطفأت. ومع ذلك، في الفسحة ذاتها، القوة المتقدة ذاتها لا تزال تدوم عند ساحل ذاك البحر الأبيض والمتوسط، المتوسط بين كل الثقافات، كل الاعتقادات، كل اللغات، كل الطبقات الاجتماعية".