وفاة والد الأستاذ سهم الدعجاني    نفاذ تذاكر "كلاسيكو" الاتحاد والنصر    «فار مكسور»    طبيب يواجه السجن 582 عاماً    مطربة «مغمورة» تستعين بعصابة لخطف زوجها!    بسبب المخدرات .. نجوم خلف قضبان السجن!    مركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة يوقع عددًا من مذكرات التفاهم    التشكيلي الخزمري: وصلت لما أصبو إليه وأتعمد الرمزية لتعميق الفكرة    الملحم يعيد المعارك الأدبية بمهاجمة «حياة القصيبي في الإدارة»    تقدمهم عدد من الأمراء ونوابهم.. المصلون يؤدون صلاة الاستسقاء بالمناطق كافة    «كورونا» يُحارب السرطان.. أبحاث تكشف علاجاً واعداً    ساعتك البيولوجية.. كيف يتأقلم جسمك مع تغير الوقت؟    الرياض يتغلّب على الفتح بثنائية في دوري روشن للمحترفين    «مبادرات التحول الاقتصادي».. تثري سوق العمل    في عهد الرؤية.. المرأة السعودية تأخذ نصيبها من التنمية    «قمة الكويت».. الوحدة والنهضة    مملكة العطاء تكافح الفقر عالمياً    هل يمكن للبشر ترجمة لغة غريبة؟ فهم الذكاء الاصطناعي هو المفتاح    مرآة السماء    ذوو الاحتياجات الخاصة    اكتشافات النفط والغاز عززت موثوقية إمدادات المملكة لاستقرار الاقتصاد العالمي    الاتحاد السعودي للملاحة الشراعية يستضيف سباق تحدي اليخوت العالمي    انطباع نقدي لقصيدة «بعد حيِّي» للشاعرة منى البدراني    عبدالرحمن الربيعي.. الإتقان والأمانة    رواد التلفزيون السعودي.. ذكرى خالدة    روضة الآمال    قيمة الهلال السوقية ضعف قيمة الأندية العربية المشاركة في المونديال    المغرد الهلالي محمد العبدالله: لا مكان لنيمار والمترو الأفضل وحلمي رئاسة «الزعيم»    هيئة الترفيه وأحداثها الرياضية.. والقوة الناعمة    فصل التوائم.. البداية والمسيرة    «متلازمة الغروب» لدى كبار السن    نائب وزير الموارد البشرية يزور فرع الوزارة والغرفة التجارية بالمدينه المنورة    الاستدامة المالية    رسائل «أوريشنيك» الفرط صوتية    وكالة الطاقة الذرية: إيران تخطط لتوسيع تخصيب اليورانيوم بمنشأتي نطنز وفوردو    "راديو مدل بيست" توسع نطاق بثها وتصل إلى أبها    إنصاف الهيئات الدولية للمسلمين وقاية من الإرهاب    بالله نحسدك على ايش؟!    عريس الجخّ    كابوس نيشيمورا !    لولو تعزز حضورها في السعودية وتفتتح هايبرماركت جديداً في الفاخرية بالدمام    «COP16».. رؤية عالمية لمكافحة التصحر وتدهور الأراضي    حملة توعوية بجدة عن التهاب المفاصل الفقارية المحوري    مفتي عام المملكة ونائبه يستقبلان مدير فرع الرئاسة بمنطقة جازان    أمير تبوك يستقبل المواطن مطير الضيوفي الذي تنازل عن قاتل ابنه    برنامج مفتوح لضيوف خادم الحرمين الشريفين للعمرة والزيارة "بتلفريك الهدا"    رئيس مجلس أمناء مركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة يعقد اللقاء السابع عشر    وزير الخارجية يصل الكويت للمشاركة في الدورة ال 162 للمجلس الوزاري التحضيري للمجلس الأعلى الخليجي    بالتضرع والإيمان: المسلمون يؤدون صلاة الاستسقاء طلبًا للغيث والرحمة بالمسجد النبوي    الدكتور عبدالله الوصالي يكشف سر فوزه ب قرص الدواء    إنسانية عبدالعزيز بن سلمان    أمير حائل يعقد لقاءً مع قافلة شباب الغد    أكدت رفضها القاطع للإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين.. السعودية تدعو لحظر جميع أسلحة الدمار الشامل    محمد بن عبدالرحمن يشرّف حفل سفارة عُمان    رئيس مجلس الشيوخ في باكستان يصل المدينة المنورة    أمير تبوك يقف على المراحل النهائية لمشروع مبنى مجلس المنطقة    هيئة تطوير محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية ترصد ممارسات صيد جائر بالمحمية    هنآ رئيس الأوروغواي الشرقية.. خادم الحرمين الشريفين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الازمة الاسيوية وانعكاساتها العربية . الانهيارات المتتابعة في دول "النمور" هل تكون نتيجة خلل في النظام المالي العالمي ؟
نشر في الحياة يوم 28 - 05 - 1998

قال الرئيس التنفيذي لپ"مؤسسة الخليج للاستثمار" الدكتور خالد الفايز، في المؤتمر الرابع لاسواق المال العربية الذي عقد في بيروت مطلع الشهر الجاري، ان الازمة الآسيوية فاجأت جميع المراقبين الدوليين من دون استثناء، وانه ليس هناك اتفاق بين الباحثين الدوليين على تفسير موحد للانهيارات الاقتصادية المتتابعة نهاية العام الماضي في دول جنوب شرق آسيا، مشيراً الى ان احد اسباب الازمة ربما كان خللاً في النظام المالي العالمي.
وطرح الفايز نظريات تفسر الأزمات الاقتصادية في وجه عام في محاولة للتعرف على الازمة في آسيا، التي ما زالت دول المنطقة تعاني آثارها حتى اليوم، ولخص تلك النظريات بما يأتي:
1- السياسة الاقتصادية
تتلخص هذه النظرية بأن سياسة البنك المركزي المتعلقة بزيادة الائتمان في الاقتصاد تتعارض مع محاولة الحفاظ على سعر صرف ثابت للعملة المحلية. وفي كثير من الحالات تنبع سياسة زيادة الائتمان من محاولة تمويل عجز الموازنة وينتج عنها انخفاض في الاحتياط النقدي الذي بدوره يؤدي الى ضعف قدرة البنك المركزي على حماية العملة المحلية ويفتح المجال للمضاربة عليها وبالتالي تدهورها.
2- الخوف المفاجئ وغير المبني بالضرورة على عوامل اقتصادية او سياسية.
وتفسر هذه النظرية الازمة الاقتصادية على انها نتيجة لسحب المقرضين المفاجئ للتسهيلات الائتمانية قصيرة الاجل في ظروف تزيد فيها هذه التسهيلات على الموجودات قصيرة الاجل مع عدم وجود مقرض يستطيع تقديم التسهيلات الضرورية لمواجهة هذا السحب المفاجئ.
3- تضخم اسعار الموجودات والانهيار المفاجئ لها.
تؤدي المضاربات الى ارتفاع اسعار الموجودات المالية الى مستويات تزيد كثيراً على قيمتها الاساسية. ومع وعي المتعاملين في الاسواق الى ان هذه الزيادة مبالغ بها الا انها قد تستمر لفترة طويلة مع تحسب المتعاملين الى امكانية الانيهار واعتقادهم بقدرتهم على الخروج من الاسواق قبل غيرهم. وعلى رغم ذلك يحدث الانهيار، في كثير من الحالات، في صورة مفاجئة ولأسباب ربما لا تكون مرتبطة بالوضع الاقتصادي لسوق معينة الا ان التحسب للانهيار يزيد من حدته حينما يحصل.
4- الاعتقاد بأن التزام بعض القطاعات مضمون من السلطات.
يسهل هذا الاعتقاد على المؤسسات المالية المحلية الاقتراض من الخارج وبالتالي زيادة نشاطاتها التي ربما لم ُتبنَ على اسس مدروسة. وعند حصول ادنى شك لدى المقرضين بهذا الضمان، يتدافعون لحماية انفسهم بتقليص تسهيلاتهم فيتسببون بالأزمة.
5- محاولة المقرضين الحصول على حقوقهم من دون تنسيق بينهم،
فعندما تحصل مشكلة مالية يحاول كل مقرض الخروج قبل الآخرين ويمتنع عن تقديم التزامات جديدة خوفاً من تردد الآخرين بتقديم مثل هذه الالتزامات.
وقال الفايز ان الباحث في ظروف الازمة الآسيوية قد لا يستطيع تفسير ظروفها بنظرية معينة اذ ان مختلف عناصر النظريات المطروحة وجدت جنباً الى جنب اضافة الى ان بعض هذه العناصر لم تكن واضحة للمراقبين على رغم توفرها في حينه.
وبتطبيق نظرية السياسة الاقتصادية، اضاف الفايز، ومدى انطباقها على ظروف دول الازمة فان التقارير الاقتصادية من مختلف المصادر بما فيها تقارير صندوق النقد الدولي اجمعت حتى منتصف عام 1997 على ان الاقتصادات الآسيوية في حال جيدة.
ونتج هذا الانطباع عن التركيز على المؤشرات التقليدية للصحة الاقتصادية لا سيماان اقتصادات دول الازمة الآسيوية ظلت تنمو بنسب حازت على اعجاب العالم. وعلى رغم وجود توقع بانخفاض تلك النسب في السنوات المقبلة بقيت توقعات النمو في صورة عامة عالية بكل المقاييس.
وأوضح الفايز ان توقعات صندوق النقد الدولي للنمو في دول الازمة كانت متفائلة حتى اكتوبر الماضي وان تقرير الصندوق عن الوضع الاقتصادي العالمي توقع نمواً يصل الى 6 في المئة لكوريا سنة 1998 و4.7 في المئة لدول آسيا النامية و4.5 في المئة للدول نفسها باستثناء الهند والصين.
وبالنسبة للوضع المالي، زاد الفايز، كانت دول الازمة الآسيوية تتمتع بفائض في موازناتها يعادل واحداً في المئة من الناتج المحلي للفترة بين 1994 و1997. وعلى رغم ان نمو القاعدة النقدية وصل الى نحو 20 في المئة سنوياً لكن ذلك لا يعتبر عالياً اذا قيس بنمو الناتج المحلي الاسمي الذي كان نحو 15 في المئة فيما لم تزد نسبة التضخم على ستة في المئة.
وشرح الفايز ان العجز في الميزان التجاري كان عالياً وانما كانت تغطيه رؤوس الاموال المتدفقة من الخارج التي لم تغط العجز فحسب بل ساعدت على زيادة احتياطات تلك الدول زيادة ملحوظة.
وقال الفايز انه بتحليل هذه المؤشرات يتبين ان هنالك تطورات سلبية افلتت من تركيز المحللين بسبب انعدام الشفافية للمعلومات في الدول الآسيوية.
واهم هذه المؤشرات درجة اعتماد اقتصادات تلك الدول على رأس المال الاجنبي خاصة وان قسماً كبيراً منه كان عبارة عن تسهيلات قصيرة الاجل استعملت في تمويل موجودات طويلة الاجل. وما ساعد على اخفاء هذه الحقيقة ان معظم الاقتراض كان من طريق المؤسسات المالية والقطاع الخاص.
واضاف ان مجموع اقراض المصارف الخارجية للقطاع الخاص في دول جنوب شرق آسيا بما فيه المؤسسات المالية وصل بنهاية 1995 الى 210 بلايين دولار ، وارتفع في عام 1996 الى 261 بليون دولار اي بزيادة قدرها 24 في المئة، كما وصل الى 274 بليون دولار منتصف 1997.
وشهد النصف الثاني من 1997 والحديث للفايز، تغيراً جذرياً في حركة رأس المال الاجنبي لهذه الدول، اذ كان صافي حركة رأس المال سالباً بمبلغ 12 بليون دولار.
واذا اخذ بالاعتبار ان صافي التدفق المالي لعام 1996 على دول جنوب شرق آسيا كان 93 بليون دولار ادركنا حجم التدفق العكسي لرأس المال اذ انخفض صافي حركة رأس المال خلال عام 1997 بالمقارنة بالعام السابق بمبلغ 105 بلايين دولار او ما يعادل 11 في المئة من اجمالي الناتج المحلي لتلك الدول والذي بلغ نحو 935 بليون دولار.
وشرح الفايز ان المحللين الاقتصاديين ركزوا على حركة الاستثمار في الاسواق المالية للدول الآسيوية، بينما كان مصدر القسم الاكبر من رأس المال من المصارف التجارية الاجنبية والتي بلغ نصيبها من الانخفاض 77 بليون دولار، فيما الانخفاض في المحافظ الاستثمارية 24 بليون دولار.
وعلى رغم ان المبلغ الاخير لا يستهان به نظراً لصغر حجم الاسواق الرأسمالية في تلك الدول الا انه تجب الاشارة الى ان القسم الاكبر من اللوم يقع على عاتق المصارف التجارية.
واستدرك للتأكيد على ان احد اسباب الازمات المالية العالمية ربما كان خللاً في النظام المالي العالمي لا سيما وان الظروف الاقتصادية في الدول الصناعية وخاصة في ما يتعلق بهبوط سعر الفائدة فيها دفع المصارف التجارية والمستثمرين في شكل عام الى اسواق الدول النامية التي لم تكن لديها ضوابط كافية لحماية نفسها من التغيرات المفاجئة لحركة رأس المال العالمي.
واضاف انه يجب استرجاع ما حصل لدول اميركا اللاتينية عام 1982 اذ كان احد اسباب الازمة الرئيسية في ذلك الوقت التوقف المفاجئ للمصارف التجارية عن الاقراض، وان الفترة بين تدافع المصارف العالمية للاقراض لدول اميركا اللاتينية وتوقفها كلياً لم تزد على ثلاثة اشهر من ايار مايو 1982 الى آب اغسطس 1982.
دور رأس المال الاجنبي
واوضح الفايز ان الدور الذي قام به رأس المال الاجنبي في الازمة المالية لدول آسيا جعل الكثير من المحللين الاقتصاديين ينحون باللائمة على عنصر الخوف المفاجئ كتفسير اساسي للأزمة.
وقال الفايز ان من المؤشرات السلبية قبل وقوع ازمة جنوب شرق آسيا ضعف النمو في صادرات الدول فيها بسبب عاملين اساسيين: أولهما قوة العملات المحلية الناتجة عن حركة رأس المال العالمي والذي بدوره اضعف القوة التنافسية لصادرات هذه الدول، وثانيهما ان العائد على الاستثمارات الجديدة بدأ بالتدني نظراً الى اتجاه الاستثمارات الى مجالات اقل جدوى ان لم تكن غير مجدية مثل المضاربات في العقار.
وكان من الظواهر السلبية كذلك ضعف المؤسسات المالية في دول الازمة الناتج عن توسع اقراضها توسعاً كبيراً، خاصة في مجالات اكثر مخاطرة في الوقت الذي اعتمدت فيه هذه المؤسسات على تمويل نفسها بالعملات الاجنبية من دون تغطية مراكزها بهذه العملات اعتماداً على ان العملة المحلية مرتبطة ارتباطاً ثابتاً بالدولار. وشجع على هذا التوجه الارتفاع القوي لقيمة العملات المحلية. وبحدوث الازمة والانخفاض الكبير للعملات المحلية مقابل الدولار تآكلت رؤوس اموال الكثير من المؤسسات المالية.
وشرح الفايز ان ارتفاع القيمة للعملات المحلية بالنسبة للدولار بما يعادل 25 في المئة وارتفاع الاحتياط الاجنبي شجع الاعتقاد بعدم احتمال خفض قيم هذه العملات ولم يدرك المتعاملون نظراً لعدم الشفافية في المعلومات ان مصدر الزيادة في الاحتياط كان الاقتراض من الخارج من طريق التسهيلات قصيرة الاجل ولو ادرك المتعاملون في وقته ان هذه القروض تفوق بدرجة كبيرة هذه الاحتياطات وخاصة في بعض تلك الدول أبقوا مراكزهم بالدولار مقابل العملة المحلية من دون تغطية. ولفت الفايز الى ان مستوى الاحتياط في الاسواق المفتوحة ليس بالضرورة مقياس لمتانة الوضع الاقتصادي، كما كان الاعتقاد في السابق بالنسبة للاقتصاد المغلق، لأن هذه الاحتياطات قد تختفي فجأة اذا كان مصدرها رأس المال الاجنبي قصير الاجل.
تضافر عوامل الازمة
وقال الفايز ان الازمة الآسيوية اظهرت النتائج السلبية لعدد من العناصر منها عدم توافر المعلومات وضعف القطاع المصرفي في دول الازمة مع تشابك الملكية بين القطاع الصناعي والمصرفي فيها وكذلك تشابك العلاقة بين القطاع المصرفي وحكومات تلك الدول وضعف الضوابط التي تحكم حركة رأس المال الاجنبي.
واضاف ان معظم التعرض المصرفي الخارجي كان موجهاً نحو القطاع الخاص في دول جنوب شرق آسيا ما جعل من الصعب لأول وهلة معرفة حجم المشكلة وبالتالي نتج عنه التخبط في التقديرات والحلول. وشرح انه كان لعدم شفافية المعلومات عن القطاع المصرفي الاثر الكبير في صعوبة تقويم القطاع وبالتالي صعوبة تقدير حجم المشكلة التي يعاني منها. وقال ان الازمة اظهرت ان القطاع المصرفي في الدول الآسيوية اضعف بكثير من الاعتقاد السائد كما ان تشابك العلاقات بين القطاع المصرفي والقطاع الصناعي من ناحية وبين القطاع المصرفي والمسؤولين الحكوميين اعطى الانطباع بأن هنالك التزاماً للدول نحو القطاع المصرفي يكاد يشبه الضمان لالتزامات هذا القطاع.
وشجع ذلك الكثير من المصارف العالمية على زيادة حجم التزامهم للقطاع المصرفي في الدول الآسيوية اعتقاداً منهم بأن الحكومات في هذه الدول لن تسمح بفشل المؤسسات المالية كما شجع المصارف المحلية على زيادة حجم الائتمان زيادة كبيرة ولمقترضين اكثر خطورة. والى ذلك، زاد الفايز ان انفتاح اسواق هذه الدول على العالم بطريقة غير مدروسة وعدم تواجد ضوابط تحكم حركة رأس المال الاجنبي وسياسة الدول وخاصة في تايلاند التي شجعت استقطاب رأس المال الاجنبي قصير الاجل من طريق اعطائه الحوافز الضريبية ما ساعد على اعتماد الاقتصاد على التسهيلات الاجنبية قصيرة الاجل.
وفي ما يتعلق بالمضاربات سواء بالموجودات المالية او الموجودات الثابتة وخاصة العقار، شرح الفايز ان هذه الدول شهدت ارتفاعاً كبيراً في الاسعار. ونتج عن الازمة انخفاض حاد في القيم اذ خسرت اسواق الاسهم ما يزيد على 50 في المئة من قيمها قبل الازمة ووصلت هذه النسبة الى 89 في المئة بالنسبة لتايلاند و87 في المئة بالنسبة لاندونيسيا و80 في المئة بالنسبة لماليزيا و79 في المئة بالنسبة لكوريا و73 في المئة بالنسبة للفيليبين اذا ما قيس هذا الانخفاض بالدولار.
ولفت الى ان عدم تواجد نظام لحل الازمات المالية الدولية قياساً على نظام حل الازمات بالنسبة للشركات ادى الى تفاقم الازمة الآسيوية، وانه عند ظهور بعض مؤشرات الازمة، تسابق المقرضون لحماية انفسهم بتقليل تعرضهم لهذه الدول في وقت لم توجد فيه طريقة منظمة لمساعدة هذه الدول للخروج من الازمة خاصة وان الازمة بالنسبة لتلك الدول وفي اسوأ الحالات كانت ازمة سيولة اكثر منها ازمة ملاءة.
وفي هذا المجال قال الفايز ان صندوق النقد الدولي تعرض لانتقادات شديدة بسبب طريقة معالجته للأزمة الآسيوية، لأن مجرد ظهوره على المسرح كان مؤشراً على درجة خطورة الموقف مثله مثل سيارة الاسعاف، التي تقف امام احد المنازل كدليل على خطورة وضع المريض وبذلك زاد الدور الذي لعبه صندوق النقد الدولي من تخوف المقرضين لا سيما في المراحل الأولى للأزمة اضافة الى ان خطأ التشخيص للأزمة التي تعاني منها اقتصادات الدول الآسيوية ادى الى محاولة الصندوق تطبيق نظم اصلاح فيها، استعملت في دول أخرى تعاني من مشاكل تختلف جوهرياً عن المشاكل الآسيوية ما أدى الى التخبط في الحلول.
وأضاف الفايز ان البعض يعتقد ان الدور الذي قام به الصندوق ادى الى زيادة حدة الازمة الآسيوية في مراحلها الأولى.
الانعكاسات على الدول العربية
وقال الفايز ان الاقتصاد العربي يرتبط بدرجات متفاوتة بالاقتصاد الآسيوي اذ كانت الازمة الآسيوية اشد تأثيراً على الدول العربية المصدرة للنفط لأن ضعف النمو في دول الازمة الآسيوية أثر سلباً على الطلب على النفط وبالتالي ادى الى انخفاض الاسعار. وذكر ان توقعات نمو الطلب على النفط تعتمد اعتماداً اساسياً على توقعات النمو في آسيا، مشيراً الى ان وكالة الطاقة الدولية تقدر انخفاض الطلب العالمي على النفط في 1998 بنحو 400.000 برميل يومياً نتيجة للأزمة الآسيوية.
وأضاف الفايز ان الصادرات الاخرى مثل البتروكيماويات والغاز ستتأثر كذلك بالأزمة الآسيوية وان انخفاض الطلب على الغاز سينعكس على بعض المشاريع الرئيسية لتصدير الغاز في كل من قطر وعمان.
وأوضح ان انخفاض دخل الدول العربية المصدرة للنفط سينعكس في محاولات لترشيد الانفاق في تلك الدول وسيؤدي بالتالي الى انخفاض النمو لهذه الدول في السنة الجارية.
لكنه لفت كذلك الى ان انخفاض عملات دول الازمة الآسيوية وتواجد الطاقة الانتاجية الفائضة سيزيد حدة المنافسة العالمية على الأسواق وسيؤدي بالتالي الى انخفاض الاسعار والحد من التضخم العالمي.
وشرح الفايز ان الدول العربية استوردت ما قيمته 31 بليون دولاراً من الدول الآسيوية خلال 1996 وان دول الازمة الآسيوية كانت مصدراً لما قيمته نحو 9 بلايين دولار من تلك الواردات.
ومن ناحية اخرى توقع الفايز ان تتأثر بعض الصادرات العربية المنافسة للصادرات الآسيوية من خلال المنافسة المتوقعة على الأسواق. وبالنسبة للشركات الانشائية لفت الفايزالى ان مشاريع بعض الدول العربية ربما استفادت نتيجة لمنافسة الشركات الآسيوية على انشاء المشاريع في المنطقة العربية وبالتالي فإن تكلفة هذه المشاريع قد تنخفض.
أسواق مالية
وقال الفايز ان تأثر الأسواق المالية العربية بالأزمة الآسيوية كان محدوداً اذ لم تنتقل إليها اعراض الازمة مثل بعض الدول النامية الاخرى بسبب عوامل عدة أهمها:
ان السوق العربية لا تزال منعزلة عن السوق الدولية الى درجة كبيرة ولم تشارك الى حد كبير في عولمة سوق رأس المال. وانه على رغم الانفتاح الجزئي لبعض الأسواق العربية الا ان رأس المال الاجنبي لا يلعب دوراً يذكر فيها.
وشرح الفايز ان السياسة النقدية في كثير من الدول العربية حرصت على وضع حد للتعامل بعملاتها في الخارج ووضعت القوانين التي تحد او تمنع الاصدارات الدولية بالعملات المحلية. ولا يزال استثمار رأس المال الاجنبي في اسواق الاسهم العربية مقيداً لدرجة كبيرة، ومع ان هذه القيود حمت السوق المالية العربية من التقلبات في السوق الدولية الا انها في نفس الوقت حرمت الاقتصاد العربي من الاستفادة من دور رأس المال الاجنبي في توسيع القاعدة الانتاجية.
وأضاف ان مجموع رأس المال الاجنبي الذي حصلت عليه الاسواق النامية وصل الى 295 بليون دولار في 1996 الا ان نصيب الدول العربية من المبلغ كان 2.3 بليون دولار او ما يعادل اقل من 1 في المئة. ويرجع ذلك الى عدم انفتاح الاسواق العربية وعدم شفافيتها ومحدودية تطورها في شكل يسهل حركة رأس المال.
وأوضح انه على رغم عدم انتقال عدوى الأزمة الآسيوية مباشرة الى سوق رأس المال العربية الا ان انخفاض اسعار النفط وتأثيره على موازنات الدول العربية المصدرة للنفط وبالتالي على السيولة في تلك الدول أثر بدوره على اداء اسواق الاسهم فيها اذ كان الأداء سالباً في معظم دول مجلس التعاون الخليجي خلال الربع الأول من السنة الجارية. كما ان أداء الاسواق العربية الاخرى كان ضعيفاً مقارنة بالعام الماضي.
ومن جهة اخرى قال الفايز ان صغر حجم سوق رأس المال العربية نسبياً ومحدودية تطورها خاصة في ما يتعلق بالنشاطات خارج الموازنة مثل المشتقات المالية والمعاملات الآجلة والخيارات، ادى الى عدم تأثرها نسبياً بالازمة الآسيوية.
وأضاف بأن وضع المؤسسات المالية العربية في شكل عام اسلم بكثير من مثيله في الدول الآسيوية اذ حرصت السلطات النقدية في الدول العربية على سن التشريعات التي تكفل سلامة المصارف. اذ انها تشمل كفاءة رأس المال ومتطلبات السيولة وتوزيع المخاطر والحد من المضاربات بالعملات.
ومن العوالم الاخرى لعدم التأثر الكبير بالأزمة الآسيوية لجهة الاسواق العربية شرح الفايز ان نسبة الاقتراض الخارجي الى الدخل القومي في معظم الدول العربية لا تزال منخفضة لأن السوق المالية العربية ما زالت مقرضة للعالم الخارجي. وان مطلوبات القطاع المصرفي العالمي من الدول العربية كانت نحو 80 بليون دولار بنهاية ايلول سبتمبر من 1997 في الوقت نفسه الذي كانت الموجودات العربية لدى المصارف العالمية في نفس التاريخ نحو 220 بليون دولار.
الى ذلك اوضح الفايز ان التجارة البينية العربية وحركة رأس المال بين الدول العربية كونها محدودة جداً، وان انتقال الازمات المالية في احدى هذه الدول الى الدول المجاورة كما حصل في آسيا هو احتمال ضعيف. لكنه في الوقت نفسه لفت الى ان ارتباط القطاع المصرفي وخاصة في دول مجلس التعاون ارتباط وثيق وان السلطات النقدية في الدول الخليجية ادركت ضرورة تنسيق السياسات النقدية والتشريعات التي تحكم عمل المصارف. حيث ان امكانية انتقال العدوى بين المصارف هي اكبر منها بالنسبة للنشاطات الاقتصادية الاخرى.
دروس وعبر
وقال الفايز ان هامشية السوق العربية حمتها من انتقال عدوى الازمة لها. وان الدرس الذي يجب استيعابه هو ليس القبول بانعزال الاسواق المالية العربية عن العالم وإنما اعداد هذه الاسواق للمشاركة في عولمة السوق الدولية، لأن انفتاح السوق المالية العربية على العالم لا مفر منه لا سيما وبعض الدول العربية انضم الى اتفاقية التجارة الدولية فيما البعض الآخر يحاول الانضمام.
وأشار الى ان اعداد السوق المالية العربية للمشاركة في العولمة يتطلب:
1 - تقوية القطاع المصرفي
وشرح ان هنالك تشبعاً في السوق المصرفية العربية التي يزيد عدد المصارف فيها عن حاجة الاقتصاد العربي. كما ان الكثير من هذه المصارف صغير الحجم ولا يستطيع المنافسة في سوق مفتوحة. ان مجموع موجودات القطاع المصرفي العربي وكذلك مجموع رأس مال هذا القطاع لا يكاد يعادل رأس مال وموجودات احد المصارف الرئيسية في الدول الصناعية.
وأضاف انه لا بد من تشجيع هذا القطاع على الاندماجات والتكتلات كذلك لا بد من الاصرار على تقوية موازنات الكثير من المصارف لا سيما مصارف القطاع العام التي تشكل القروض غير المنتجة قسماً كبيراً من موجوداتها.
كما يجب الاصرار على شفافية المعلومات التي يقدمها القطاع المصرفي والاستمرار في تعزيز وتقوية التشريعات التي تحكم عمل المصارف.
ولفت الفايز الى ان اتباع السلطات النقدية في الدول العربية سياسة حماية لمؤسساتها المصرفية واحتكارها سوقها المالية نتج عنه الاعتقاد السائد بأن السلطات النقدية الحكومية لن تسمح بفشل اي من المؤسسات المالية، ما ادى في الماضي الى الادارة السقيمة للمصارف وأخذها بالمخاطر العالية اعتماداً على حماية الدولة لها.
وشدد على ان الحماية الصحيحة للقطاع المصرفي تكمن في الاصرار على ان تقوم المصارف باعداد نفسها للمنافسة العالمية من طريق تقوية اداراتها ونظمها ورأس مالها وسياساتها.
وأضاف ان الحماية الصحيحة تكمن كذلك في اتخاذ القرار الشجاع بالتخلص من المؤسسات الهزيلة في ظروف تستطيع بها السلطات النقدية التحكم بالنتائج قبل ان تضطر السوق هذه المؤسسات للسقوط في ظروف ربما لا تقدر السلطات النقدية فيها على التحكم بالنتائج ما سينعكس سلباً على القطاع المصرفي بكامله.
2 - تطوير السوق الرأسمالية:
وفي هذا المجال شرح الفايز انه لا بد من اعداد السوق الرأسمالية للمشاركة التامة في عولمة السوق الدولية. وان ذلك يكمن في سن التشريعات التي تسمح بانفتاح السوق الرأسمالية العربية على الاسواق العالمية وتتحكم في حركة رأس المال بطريقة تحد من التقلبات المفاجئة.
وقال انه يجب اعادة النظر في القوانين التي تحكم استثمار رأس المال الاجبني بهدف تشجيع الاستثمار المباشر وفتح المجال امام رأس المال الاجنبي للمشاركة في مختلف القطاعات الاقتصادية والحد من الاقتراض قصير الاجل. وأعطى الفايز مثالاً على ذلك بتشيلي التي سنت قوانين تحكم حركة رأس المال مثل وضع ضريبة غير مباشرة على الاقتراض قصير الاجل من طريق الاصرار على ان يودع 30 في المئة من أي اقتراض اجنبي مدته اقل من سنة في البنك المركزي من دون فائدة.
وأضاف انه يجب سن التشريعات التي تحكم التعامل في الكثير من الخدمات المصرفية الاستثمارية والنشاطات خارج الموازنة وتعزيز القوانين التي تسمح بتداول اسهم الشركات في البورصات العربية والاصرار على شفافية المعلومات التي تقدمها الشركات، اضافة الى تشجيع قيام المؤسسات المتخصصة في خدمة سوق رأس المال.
3 - السياسة الاقتصادية
ولجهة السياسة الاقتصادية ودورها في اعداد السوق المالية العربية للمشاركة في العولمة قال الفايز انه لا بد للدول العربية من الاستمرار في اتباع سياسات اقتصادية ومالية توازن بين دخلها ومصاريفها مع تقليص الحاجة الى الاقتراض الى ادنى نسبة وترشيد الانفاق الحكومي. وأضاف انه لا بد كذلك من اعادة هيكلة الاقتصاد والاسراع في عملية تخصيصه بعد تحريره من الكثير من العوائق البيروقراطية.
ولفت الى ان الكثير من القوانين التي تحكم الدورة الاقتصادية في عالمنا العربي بنيت على ان الأصل في الأمور "المنع" ولا بد من تغيير هذه النظرة الى ان الأصل في الأمور "الاباحة" ما لم يكن هنالك سبب جوهري ومنطقي يتطلب المنع.
4 - وأخيراً شدد الفايز على ضرورة التركيز على الدرس الأساسي من الازمة الآسيوية وهو ان تواجد الاحتياط والسعر الثابت للعملة المحلية مقابل الدولار ليس بالضرورة دليلاً على صحة الاقتصاد او ضماناً لتجنب الأزمات.
وأوضح ان التركيز لا بد ان يكون على حركة ميزان المدفوعات الجاري وميزان حركة رأس المال، مشيراً الى ان الأزمة الآسيوية برهنت على ان مستوى الاحتياط في الاقتصاد المفتوح ربما كان دليلاً على مدى اعتماد الاقتصاد على رأس المال الاجنبي الذي اختفى عندما تعرض الاقتصاد لبوادر الأزمة.
وعليه، اضاف الفايز، لا بد من تحليل مصادر الاحتياط في اقتصاد الدولة، هل هو نابع من الادخار المحلي او من استيراد رأس المال الاجنبي؟ وهل الاخير استثمار طويل الاجل او تسهيلات قصيرة الاجل؟ وفي ما استعملت هذه التسهيلات وما هي نسبة الاحتياط للالتزامات الاجنبية للاقتصاد المحلي؟
ولفت الى ضرورة ان لا تُنسى حقيقة مفادها ان دول الازمة الآسيوية وجدت نفسها غير قادرة على الابقاء على السعر الثابت لعملتها لأن مصدر قوة هذه العملة هو التمويل قصير الاجل من الخارج.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.