حلاوةُ ولاةِ الأمر    بلادنا تودع ابنها البار الشيخ عبدالله العلي النعيم    وطن الأفراح    حائل.. سلة غذاء بالخيرات    حملة «إغاثة غزة» تتجاوز 703 ملايين ريال    الشيباني يحذر إيران من بث الفوضى في سورية    رغم الهدنة.. (إسرائيل) تقصف البقاع    الحمدان: «الأخضر دايماً راسه مرفوع»    تعزيز التعاون الأمني السعودي - القطري    المطيري رئيساً للاتحاد السعودي للتايكوندو    "الثقافة" تطلق أربع خدمات جديدة في منصة الابتعاث الثقافي    "الثقافة" و"الأوقاف" توقعان مذكرة تفاهم في المجالات ذات الاهتمام المشترك    أهازيج أهالي العلا تعلن مربعانية الشتاء    شرائح المستقبل واستعادة القدرات المفقودة    منع تسويق 1.9 طن مواد غذائية فاسدة في جدة    46.5% نموا بصادرات المعادن السعودية    أمير نجران يواسي أسرة ابن نمشان    مليشيات حزب الله تتحول إلى قمع الفنانين بعد إخفاقاتها    الأبعاد التاريخية والثقافية للإبل في معرض «الإبل جواهر حية»    63% من المعتمرين يفضلون التسوق بالمدينة المنورة    جدّة الظاهري    العناكب وسرطان البحر.. تعالج سرطان الجلد    5 علامات خطيرة في الرأس والرقبة.. لا تتجاهلها    في المرحلة ال 18 من الدوري الإنجليزي «بوكسينغ داي».. ليفربول للابتعاد بالصدارة.. وسيتي ويونايتد لتخطي الأزمة    لمن لا يحب كرة القدم" كأس العالم 2034″    ارتفاع مخزونات المنتجات النفطية في ميناء الفجيرة مع تراجع الصادرات    وزير الطاقة يزور مصانع متخصصة في إنتاج مكونات الطاقة    الزهراني وبن غله يحتفلان بزواج وليد    الدرعان يُتوَّج بجائزة العمل التطوعي    أسرتا ناجي والعمري تحتفلان بزفاف المهندس محمود    فرضية الطائرة وجاهزية المطار !    أمير الشرقية يرعى الاحتفال بترميم 1000 منزل    الأزهار القابلة للأكل ضمن توجهات الطهو الحديثة    ما هكذا تورد الإبل يا سعد    واتساب تطلق ميزة مسح المستندات لهواتف آيفون    المأمول من بعثاتنا الدبلوماسية    تدشين "دجِيرَة البركة" للكاتب حلواني    مسابقة المهارات    إطلاق النسخة الثانية من برنامج «جيل الأدب»    نقوش ميدان عام تؤصل لقرية أثرية بالأحساء    وهم الاستقرار الاقتصادي!    أفراحنا إلى أين؟    آل الشيخ يلتقي ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة    %91 غير مصابين بالقلق    اطلاع قطاع الأعمال على الفرص المتاحة بمنطقة المدينة    «كانسيلو وكيسيه» ينافسان على أفضل هدف في النخبة الآسيوية    اكتشاف سناجب «آكلة للحوم»    دور العلوم والتكنولوجيا في الحد من الضرر    البحرين يعبر العراق بثنائية ويتأهل لنصف نهائي خليجي 26    التشويش وطائر المشتبهان في تحطم طائرة أذربيجانية    خادم الحرمين وولي العهد يعزّيان رئيس أذربيجان في ضحايا حادث تحطم الطائرة    حرس حدود عسير ينقذ طفلاً مصرياً من الغرق أثناء ممارسة السباحة    منتجع شرعان.. أيقونة سياحية في قلب العلا تحت إشراف ولي العهد    ملك البحرين يستقبل الأمير تركي بن محمد بن فهد    مفوض الإفتاء بجازان: "التعليم مسؤولية توجيه الأفكار نحو العقيدة الصحيحة وحماية المجتمع من الفكر الدخيل"    نائب أمير منطقة مكة يطلع على الأعمال والمشاريع التطويرية    نائب أمير منطقة مكة يرأس اجتماع اللجنة التنفيذية للجنة الحج المركزية    إطلاق 66 كائناً مهدداً بالانقراض في محمية الملك خالد الملكية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النظام المصرفي والمالي في سورية ومتطلبات الانفتاح على الاسواق الدولية
نشر في الحياة يوم 03 - 03 - 1998

يتكوّن النظام المصرفي والمالي في سورية من المصرف المركزي وخمسة مصارف متخصصة تملكها الدولة بالكامل. وهناك مؤسستان ماليتان في القطاع العام هما "المؤسسة العامة لصندوق توفير البريد" و"المؤسسة العامة السورية للتأمين". ولا توجد مكاتب تمثيل لمصارف اجنبية باستثناء مكتبين في كل من دمشق وحلب لتمثيل مصرف لبناني تملكه بالكامل ثلاث مؤسسات سورية، كما لا توجد سوق رسمية للاوراق المالية او النقدية.
تأسس مصرف سورية المركزي عام 1953، ولعب دوراً مميزاً في السياسات النقدية السورية خلال الخمسينات، الا ان دوره تحجم تدريجاً في منتصف الستينات مع بدء التوجه نحو نظام التخطيط المركزي، ولم يعد يلعب دوراً بارزاً في رسم السياسة النقدية للدولة او في الاشراف عليها، واصبح اشرافه على المصارف هامشياً مع تولي وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية هذا الامر، وبات دوره يقتصر على اصدار العملة والمشاركة في ادارة احتياط البلاد من العملات الاجنبية، وعلى كونه المقرض الاخير للنظام المصرفي.
اكتمل تنظيم المصارف المتخصصة الحالي نتيجة قرارات متتابعة صدرت بين 1961 و1966، تناولت في مجملها تأميم المصارف ودمجها وتخصيصها على اساس قطاعي. وانيط ب "المصرف التجاري السوري" تمويل عمليات التجارة الداخلية والخارجية وب "المصرف الزراعي" تمويل القطاع الزراعي، وب "المصرف الصناعي" تمويل الصناعة، وب "المصرف العقاري" تمويل قطاعي السكن والسياحة، وب "مصرف التسليف الشعبي" تقديم الخدمات المصرفية للتجار والحرفيين والمهنيين من ذوي الدخل المحدود. كما تم حصر التعامل بالعملات الاجنبية ب "المصرف التجاري السوري".
يحمل القطاع المصرفي السوري طابع الخدمة العامة، ولم يعد يعمل من اجل الربح ما افقده الكثير من الخصائص المصرفية التقليدية والكثير من الحيوية بسبب مبدأ الحصر او التخصص الالزامي القانوني في التمويل ما الغى المنافسة من النظام المصرفي.
ويتصف النظام المصرفي في سورية بهيمنة "المصرف التجاري السوري" بالنسبة للودائع والتسليفات. وتشكل قروض القطاع العام نحو 69 في المئة من مجمل القروض المصرفية المقدمة من المصارف المتخصصة، فيما يشكل تمويل القطاع الخاص نحو 31 في المئة، تشكل بدورها 12 في المئة من الدخل القومي السوري. ويأتي معظم تمويل القطاع العام من "المصرف التجاري السوري" والقطاع الخاص من المصارف المتخصصة الاخرى.
ويحظى قطاع التجارة ب 70 في المئة من مجمل توظيفات المصارف المتخصصة، فيما تذهب النسبة الباقية الى الزراعة والتسليف العقاري والصناعي. ويهيمن التسليف القصير الأجل على توظيفات المصارف.
تتشكل موارد المصارف من رؤوس اموالها وودائعها، وتبلغ الودائع المصرفية 29 في المئة من الدخل القومي مقارنة مع 50 في المئة في المغرب و57 في المئة في مصر و88 في المئة في الاردن. وتشكل الودائع القصيرة الاجل نحو 60 في المئة من مجمل الودائع، عاكسة تدني نسبة ودائع التوفير.
اما الفوائد فتحددها وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية التي تبقيها على معدلات ثابتة لفترات طويلة. وتختلف حسب آجالها وحسب المودع والمستلف. وتراوح الفوائد المدينة بين اثنين وتسعة في المئة، والدائنة بين اربعة و11 في المئة ما يجعلها فوائد سالبة في الحالتين. ويحظى القطاع العام بالافضلية في كل من الفوائد الدائنة والمدينة.
المتغيرات في الاسواق الدولية
تتجه اسواق التجارة في العالم الى الانفتاح، وتنمو حركة رؤوس الاموال بوتائر سريعة سواء بين الدول الصناعية او بين هذه الاخيرة والدول النامية ضمن ما اصبح يسمى بالعولمة، والتي سهل قيامها تداعي القيود على حركة التجارة الدولية ونمو ظاهرة التخصيص وتطور تقنيات المعلومات وانتقال رؤوس الاموال.
ونمت التجارة الدولية بمعدل بلغ 30 في المئة سنوياً في النصف الاول من التسعينات مقارنة مع 4.1 في المئة في الثمانينات. وزادت واردات الدول الصناعية في النصف الاول من التسعينات 5.8 في المئة سنوياً وواردات الدول النامية 7.9 في المئة في الفترة نفسها. ونمت صادرات الدول الصناعية 6 في المئة سنوياً خلال النصف الاول من التسعينات، وصادرات الدول النامية 8.5 في المئة خلال الفترة نفسها، ما يشير الى زيادة اندماج هذه الاخيرة في التجارة الدولية، خصوصاً مع دول جنوب شرقي آسيا واميركا اللاتينية.
تترافق الزيادة في التجارة الدولية، مع زيادة التدفقات الرأسمالية الخاصة باتجاه الدول النامية، ما يشير الى اهميتها المتزايدة في تحريك الاقتصاد العالمي الى جانب التجارة الخارجية. وبلغت التدفقات الرأسمالية الى الدول النامية نحو 245 بليون دولار عام 1996، مشكّلة نحو 40 في المئة من اجمالي تدفقات رؤوس الاموال الخاصة في العالم، في مقابل نحو 17 في المئة اواخر الثمانينات. وحظيت دول آسيا بالنصيب الاكبر منها 44 في المئة في العام 1995، حين بلغ التدفق الرأسمالي 237 بليون دولار تلتها دول اميركا اللاتينية والبحر الكاريبي بنسبة 28 في المئة ودول اوروبا وآسيا الوسطى بنسبة 17 في المئة ثم الدول الافريقية - جنوب الصحراء - بنسبة 9.8 في المئة. وتأتي حصة الشرق الاوسط وشمال افريقيا في أسفل اللائحة إذ بلغت 1 في المئة على رغم تزايد الاهتمام اخيراً بالاستثمار في بعض دول المنطقة. وحظيت الجزائر وتونس ومصر بالقسط الأكبر من هذه الاستثمارات.
ومما ساعد على الزيادة الكبيرة في تدفق رؤوس الأموال الخاصة في العالم، انفتاح الدول النامية على الاستثمارات الأجنبية، واتساع برامج التخصيص فيها، وتنامي أدوات الاستثمار المحفظي خصوصاً صناديق الاستثمار. وتلاحظ زيادة تدفقات رؤوس الأموال للاستثمار المحفظي في الأعوام الأخيرة على حساب الزيادة في الاستثمار المباشر بسبب التخصيص وزيادة عدد البورصات في الدول النامية.
وتتجاوب الدول العربية مع ظاهرة العولمة التجارية والمالية بدرجات متفاوتة، إذ ادخلت دول عربية عدة اصلاحات جذرية على اقتصاداتها لدفع التنمية، مزيلة العديد من معوقات الانتاج والتجارة الخارجية، ومتجهة نحو الاندماج في الاقتصاد العالمي. وانضم بعض الدول العربية البحرين، مصر، الكويت، المغرب، قطر، تونس والامارات العربية المتحدة الى منظمة التجارة الدولية، فيما تسعى دول عربية أخرى للانضمام الىها السعودية، الأردن وعمان. ووقع بعض الدول العربية المتوسطية تونس والمغرب على اتفاقية الشراكة الأوروبية - المتوسطية، ولا تزال دول اخرى في مرحلة التفاوض، وستبدأ سورية ذلك مطلع السنة المقبلة.
تبعاً لهذا الانفتاح طوّرت دول عربية عدة أنظمتها ومؤسساتها المصرفية وأسواقها المالية، فنوّعت خدمات مصارفها التجارية، وانشئت مصارف جديدة للاستثمار وأخرى للأعمال. واتجه عدد من المصارف التجارية نحو تعاطي الخدمات المالية الى جانب الخدمات المصرفية التجارية، والاعمال الاستثمارية والتمويل التأجيري والتجارة الالكترونية، وتقديم خدمات مالية ومصرفية تركز على التكنولوجيا المتطورة مثل بطاقات الائتمان، والصيرفة الهاتفية، والصيرفة الحاسوبية وخدمة الصرف الآلي، ودخل بعض المصارف أسواق التمويل الدولية، ولعب دور الوسيط بين المستثمرين الدوليين والشركات الوطنية الباحثة عن تمويل، وأقيمت صناديق استثمار اقليمية مخصصة للمنطقة العربية، وأخرى وطنية في كل من المغرب ومصر وعُمان، ما سهل تدفق الاستثمارات الخارجية الى الأسواق المالية العربية الناشئة.
الانفتاح على الأسواق الدولية
ادخلت سورية خلال الأعوام العشرة الماضية اصلاحات عدة على نظامها الاقتصادي تضمنت التوجه نحو اقتصاد السوق، واعتمدت التصدير في استراتيجية التنمية الاقتصادية، وقدمت القطاع الخاص في الاستيراد والتصدير والاستثمار، وجذب الاستثمار الخارجي المباشر.
لكن هذه الاصلاحات لم تتلازم مع تعديلات جوهرية في النظام المصرفي تتماشى مع هذه التوجهات، واقتصرت على زيادة شبكة فروع المصارف واستحداث فروع خاصة بالاستثمار وتحسينات في التقنيات المستخدمة والسماح بفتح حسابات خاصة بالقطع الأجنبي للمواطنين، وهي كلها خطوات ضرورية لكنها غير كافية. وظل النظام المصرفي يعمل بمؤسساته وأنظمته التي صيغت تماماً لخدمة نظام التخطيط المركزي، مفتقداً الى الديناميكية في الاداء والى أدوات الادخار والاستثمار المتنوعة والمتعددة الآجال، والى الخدمات المصرفية الالكترونية والى الأساليب الحديثة في التمويل التجاري، والقدرة على الوصول الى أسواق التمويل الدولية. ولا يزال النظام المصرفي الحالي يقدم تمويلاً محدوداً بالقطع الأجنبي الى القطاع الخاص فيما يؤمن هذا الاخير معظم تمويلاته من أمواله الخاصة في الخارج او من مصارف خارج القطر. لذلك لا يقوم النظام المصرفي بوضعه الراهن بتعبئة المدخرات وتمويل عمليات الانتاج والاستثمار في القطاعين العام والخاص بشكل كفؤ، وهو غير قادر على دمج سورية في الاقتصاد العالمي والاقتصاد الاقليمي العربي، فضلاً عن امكان جعلها مركزاً اقليمياً في أي تجمع اقليمي عربي او في أي منافسة اقتصادية اقليمية مع اسرائيل بعد حلول السلام.
وفي الوقت نفسه بقي الاصلاح الاقتصادي في سورية حتى الآن محدوداً فلم يساعد القطاع الخاص على اطلاق امكاناته والقطاع العام على التخلص من عقباته. فالاصلاح لم يلغ او يطوّر العديد من مؤسسات قوانين نظام التخطيط المركزي، ولم يوفر للقطاع الخاص المؤسسات اللازمة لتفعيل دوره بشكل جيد. ولم يحقق الاطلالة اللازمة لسورية على الأسواق الخارجية. واقتصر التحرر التجاري على زيادة دور القطاع الخاص في الاستيراد والتصدير والسماح له باستيراد بعض ما كان محظوراً عليه، وبقيت التنمية السورية معتمدة على الحماية الشديدة من المنافسة الخارجية المتمثلة بالسلع الممنوعة من الاستيراد وبالرسوم الجمركية المرتفعة، ما حدّ من قدرة القطاع الانتاجي على منافسة البضائع الأجنبية في عقر داره، وفي الأسواق الدولية. بعض الحماية ضروري، إلا ان الافراط في ذلك يؤدي الى تدني الانتاجية والجودة.
في ظل هذا الوضع أصبح على النظام المصرفي السوري ان يضطلع بدور أكبر مما يقوم به حالياً بالنسبة الى تعبئة المدخرات المحلية وتلبية احتياجات التمويل الخارجي والاستثماري، في القطاعين الخاص والعام، ولجذب الاستثمار الخارجي، لا سيما السوري المغترب والعربي، واستحداث أنواع تمويل جديدة مثل التمويل التأجيري، وتسهيل عمليات التجارة الخارجية وتنويع المنتجات والخدمات لكل من رجل الأعمال والمستهلك، اسوة بما يحدث في الاقتصادات الدولية والمجاورة، وأن يلعب دوراً مهماً في دفع عملية التصحيح الاقتصادي التي لا تزال في بدايتها وانجاحها.
من أين يبدأ الاصلاح؟
يبدأ التطوير المصرفي والمالي في سورية من المنطلقات الآتية:
أولاً - تحديد رؤية واضحة لهوية النظام الاقتصادي مستقبلاً بمؤسساته وانظمته وتشريعاته وحدود اعتماده على آلية السوق، ودور كل من القطاعين الخاص والعام. اذ لا تزال القرارات مترجحة بين منطلقات نظام السوق ونظام التخطيط المركزي. وفي غياب الوضوح، تتعرض قرارات المخطط للتناقض، ما يضطر المنتج والمستثمر والمصدر والمستورد، سواء في القطاع الخاص أو العام، الى الاحجام نتيجة عدم اليقين، لذلك فإن أي اصلاح اقتصادي أو مصرفي، لا ينبع من رؤية واضحة لطبيعة النظام الاقتصادي المرغوب، يبقى منقوصاً، وربما تطلب اعادة نظر في مكوناته في فترة لاحقة.
ثانياً - يحتاج الاقتصاد السوري بعد تحديد هويته الى رؤية لمستقبله في ظل محددات نموه ومكامن قوته الذاتية، والى تحديد موقعه من أنظمة التجارة الدولية الجديدة، ومن التكتلات الاقليمية المقترحة العربية - العربية والمتوسطية - الأوروبية، وعند ذلك يصبح في الامكان اعتماد الخطوات الآتية:
أ - وضع خطة تنمية طويلة الأجل تأخذ في الاعتبار تحديات النمو السكاني والموارد الطبيعية والنفطية، والتحديات الناتجة عن الاندماج في التحالفات الاقتصادية الاقليمية والدولية وكيفية الافادة منها، والتركيز على تنمية القطاعات الاقتصادية التي لسورية ميزة نسبية فيها، والقيام بما يلزم من تقوية للقدرات البشرية والتكنولوجية.
ب - وضع خطة للاصلاح الاقتصادي الشامل والمتدرج، تأخذ سورية في اتجاه مأسسة النظام الاقتصادي المرغوب ضمن الرؤية الجديدة، ووضع برنامج زمني لتطبيقه، ويكون الاصلاح المصرفي جزءاً من الاصلاح الاقتصادي. وينبغي ان يتضمن هذا الاصلاح برنامجاً لاقامة شبكات امان اجتماعي. وتنبع الحاجة الى الاصلاح من الاختلالات التي لا تزال قائمة في الاقتصاد وجمود العملية الانتاجية الناجمة عن القوانين المعيقة والمؤسسات الهشة في القطاعين الخاص والعام.
2 - معالم الاصلاح المصرفي المقترح
تشمل عملية الاصلاح المصرفي المطلوبة ثلاثة مكونات رئيسية، يتعلق الاول بالسياسات النقدية وأدواتها وبالمؤسسات التي ترسم هذه السياسات وتنفذها، والثاني بالمؤسسات المصرفية وأسلوب عملها وأدواتها، والثالث بالرقابة والاشراف على المؤسسات المصرفية. ولا يمكن ان يكتمل الاصلاح المصرفي في سورية او ينجح اذا اقتصر على تطوير المؤسسات المصرفية.
بالنسبة الى المكون الأول، يتضمن الاصلاح المطلوب عنصرين رئيسيين:
أولاً: اعداد سياسة نقدية - ائتمانية شاملة قادرة على وضع الضوابط على الطلب الكلي في الاقتصاد وعلى توجيه الائتمان نحو القطاعات الاقتصادية ذات الأولوىة، وذلك من خلال أدوات السياسة النقدية المعروفة أي سعر الفائدة ونسب الاحتياط الالزامي والسقوف على استلاف المصارف من المصرف المركزي. ويجدر التأكيد هنا على ضرورة الحفاظ على أسعار فائدة موجبة، وتحريك الفوائد حسب الحاجة، وتركيز مسؤولية تحريكها في سلطة نقدية واحدة هي سلطة المصرف المركزي، لا سيما القدرة على تحريك سعر الفائدة بمرونة تشكل اداة رئيسية من أدوات السياسة النقدية وتلعب دوراً مهماً في توحيد أسعار الصرف وفي المحافظة على استقرارها.
ثانياً: وجود مؤسسة نقدية مستقلة قادرة على رسم هذه السياسات وتنفيذها. وفي هذا الخصوص يتطلب الاصلاح النقدي - المصرفي احياء مجلس النقد والتسليف الذي نص عليه قانون النقد الأساسي الصادر عام 1953، واعادة الاعتبار الى المصرف المركزي كجهة مستقلة ترسم السياسة النقدية وتنفذها وتشرف على اداء الجهاز المصرفي.
اما المكون الثاني للاصلاح المصرفي فيتضمن اصلاح المؤسسات وتطوير أسلوب عملها. والبنود العامة الأساسية في الاصلاح المقترح هي:
- الغاء مبدأ الحصر أي مبدأ التخصص المصرفي الالزامي القائم حالياً، والاستعاضة عنه بالتخصص المصرفي المبني على الخبرة.
- ادخال عنصر المنافسة الى العمل المصرفي.
- احلال مبدأ الربح بدل مبدأ الخدمة العامة، فالعمل المصرفي القائم على الربح يؤدي الى التمويل الكفؤ ويمتنع عن تمويل الشركات الضعيفة.
- التأكيد على استقلالية المصارف في قرارات التسليف، سواء للقطاع الخاص أو العام أو المشترك.
- اعادة الثقل في العمل المصرفي الى العلاقة بين المصرف والجهة المقترضة، وذلك بالعودة الى القواعد المصرفية السليمة في التسليف، ومنها النظر في جدوى المشروع.
وبالنسبة الى المصارف المتخصصة القائمة يستحسن:
- اعادة هيكلة بنيتها المالية بعد تخلص محافظها من الديون المتعثرة.
- تحويلها الى القطاع المشترك مع تخصيص الدولة بالنسبة الأكبر من رأس المال، واسناد ادارتها الى شركات ادارة مصرفية دولية بالتعاقد.
- السماح للقطاع الخاص السوري المحلي والمغترب ذي الخبرة المصرفية والمصارف العربية بمشاركة الدولة في ملكية المصارف، للافادة من الخبرات المصرفية المتطورة، والاسراع في ادخال أدوات التمويل الحديثة وأساليبه.
- استثناء المصارف من القوانين والأنظمة المتعلقة بالمؤسسات والمنشآت العامة ومن قانون العاملين في الدولة، ومنحها الاستقلالية في التوظيف والتسريح وتحديد الأجور.
- تقديم المصارف الخدمات والتسليفات الى القطاعات الخاص والمشترك والعام المتجدد على أسس مصرفية بحتة، وتطبيق هذه الأسس على القطاعات الثلاثة من دون تمييز. وفي حال تأخر اصلاح القطاع العام عن الاصلاح المصرفي، يقام مصرف خاص لتمويل القطاع العام بوضعه الحالي، أو يخصص واحد من المصارف القائمة بوضعها الراهن لتمويله، وذلك حتى يتم الاصلاح.
- الزام المصارف بتصنيف دائم لمحافظها المالية ووضع مخصصات كافية مقابل القروض المتعثرة، على أسس تضعها الرقابة المصرفية الجديدة المقترحة أدناه.
- السماح لكل من "المصرف التجاري السوري" و"المصرف الصناعي" بحلتيهما الجديدتين التعامل بالقطع الأجنبي، بما فيه قبول الودائع وفتح الاعتمادات وقبول خطوط ائتمان بالقطع الأجنبي من الخارج لاعادة تسليفها بالقطع الأجنبي الى الشركات والمؤسسات المحلية من صناعية وزراعية وسياحية وغيرها.
- حصر عمل "المصرف التجاري السوري" و"المصرف الصناعي" في خدمة المستثمرين المرخصين بموجب القانون الرقم 10 لعام 1991، وعدم حصر خدمة هؤلاء بهذين المصرفين.
- السماح لأي مصرف بالتسليف للمصارف الأخرى عند الحاجة.
- تنويع المنتجات والخدمات المصرفية التي تقدمها المصارف وتوسيعها كل حسب تخصصه وسياسته واحتياجاته.
- اخضاع الموظفين الحاليين على مختلف المستويات لدورات تدريبية متنوعة كل في مجال اختصاصه.
- الاستمرار في جهود مكننة العمل المصرفي لتسهيل تعامل المصارف مع العملاء ومع فروعها ومع العالم الخارجي.
- تدريب الكوادر البشرية القادرة على استيعاب التقلبات الخدمية والمنتجات المالية الجديدة وعلى ادارة المخاطر.
الى ذلك، يقترح السماح بدخول مصارف تجارية جديدة الى القطاع المشترك اعتماداً على الأسس المشار اليها، وذلك لادخال مزيد من المنافسة الى العمل المصرفي. ويفضل افساح المجال أمام المصارف الجديدة قبل اصلاح السياسة النقدية واحياء المؤسسات المالية المستقلة مجلس النقد والتسليف والمصرف المركزي واقامة أنظمة رقابة مصرفية فعالة، لأن دخول مؤسسات مصرفية جديدة النظام المصرفي لهزات لا ضرورة لها.
اما المكون الثالث، فهو الرقابة المصرفية التي ينبغي ان تتلازم مع تطوير المؤسسات القائمة، والدعوة الى اقامة مؤسسات مصرفية جديدة قبل الاستعداد لذلك، ربما عرض على أساس المنطلقات الآتية:
- حصر دور الرقابة على المصارف في مجلس النقد والتسليف وممارسة المجلس هذا الدور من خلال مفوضية الحكومة لدى المصارف كما نص عليه قانون النقد الأساسي.
- اخضاع حسابات الأرباح والخسائر والموازنة الختامية للمصارف لرقابة مجلس النقد والتسليف من خلال مفوضية الحكومة لدى المصارف.
- اعادة تركيز مهمة الرقابة على المصارف على حسن توظيفاتها ووضعها المالي وعلى الوضع المالي للمقترضين وقدرتهم على التسديد، مع وضع أسس لكفاية رأس المال وفقاً للأسس المقررة في لجنة بازل ووضع حدود دنيا لرؤوس أموال المصارف.
- وضع نظام لتصنيف الأصول حسب جودتها منتظم، ودون المستوى، والمشكوك بتحصيلها، والرديء، والزام المصارف تكوين مخصصات لكل درجة من التقييم حسب قواعد ونسب يضعها المصرف المركزي.
تطوير أسواق المال
يعتبر تطوير أسواق المال الشق الآخر المطلوب في الاصلاح المصرفي والمالي، وهو يتكامل مع تطوير النظام المصرفي، فكلاهما يعمل على تنمية المدخرات وتشجيع الاستثمار المحلي والانفتاح على الأسواق الدولية تجارة واستثماراً. لكن الأولوية في سورية ينبغي ان تكون لاعادة هيكلة النظام المصرفي، اذ لا يمكن قيام سوق مالية فعالة قبل وجود نظام مصرفي متطور.
يمكن لسورية ان تبدأ الاعداد لاقامة سوق للأسهم، خصوصاً انها تتميز بالاستقرار السياسي، وهو شرط أساسي لقيام سوق المال. الى ذلك، ينبغي توافر شروط أخرى لمنع الهزات المفاجئة أهمها:
- توضيح معالم النظام الاقتصادي المستقبلي في شكل رسمي.
- وضع قواعد واضحة للافصاح من قبل الشركات المساهمة، واقامة جهات رقابية فعالة وقادرة على تنفيذ هذه القواعد.
- بث الوعي للخروج من الشركة العائلية التضامنية الى الشركة المساهمة، فوجود عدد قليل من الشركات في السوق يعرضها لتقلبات حادة.
- التخلص من القيود والأنظمة والقوانين المقيدة لظهور عمل اقتصادي يتصف بالشفافية، حتى يسهل قيام الشركات المساهمة الملتزمة القوانين والأنظمة النافذة.
- العمل على اعتماد السياسات النقدية والمالية اللازمة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي الكلي.
- السماح بإقامة صناديق استثمار.
- توفير البنية التحتية المالية.
- البدء في اعداد القاعدة المعلوماتية الصحيحة عن الاقتصاد الكلي والاقتصاد الجزئي وأداء الشركات ونشر هذه المعلومات على أوسع نطاق.
ولا بأس من انشاء مكتب في غرفة التجارة مثلاً لتداول الأسهم ريثما تتحقق الشروط اعلاه، ويتم الانتقال الى سوق رسمية لتداول الأسهم والسندات في ما بعد، بمؤسساتها وضوابطها وأنظمتها المستقلة.
4 - تطوير البنية المالية التحتية
حتى تكتمل عناصر تطوير الجهاز المصرفي والمالي لا بد من تطوير البنية المالية التحتية ويشمل ذلك العناصر الآتية:
- توفير الكفايات المصرفية القادرة على تقويم المشاريع وادارة المخاطر المصرفية.
- اصدار أنظمة محاسبة متطورة وتوفير قدرات محاسبة محلية كفية لخدمة المصارف والقطاع الانتاجي الخاص والعام.
- تطوير قانون التجارة السوري.
- اقامة أنظمة واضحة لحقوق الملكية ولحل المنازعات التجارية وتصفية الشركات والحجز على الممتلكات في حال عدم التسديد.
- ايجاد أنظمة واضحة للافصاح المالي تلتزمها الشركات، واقامة دوائر قوية في الدولة قادرة على الزام الشركات التقيد بها.
- انشاء رقابة فعالة على نشاط الشركات من قبل الدولة لحماية كل من المساهم والمستهلك ولمنع الاحتكار.
- ضمان نزاهة القضاء وارتقائه فوق سلطة الحكومة وقدرته على ضمان تنفيذ العقود.
- توفير القاعدة المعلوماتية الواسعة للاداء الاقتصادي الكلي والجزئي.
- تطوير الوسائط المالية غير المصرفية مثل صناديق الاستثمار في الأوراق المالية وصناديق التقاعد وصناديق تمويل المشاريع الجديدة ذات المخاطر.
- تشجيع القطاع الخاص والقطاع العام المتجدد على اصدار سندات الملكية والدين.
5 - دروس الأزمة الآسيوية
تشير الازمة الأخيرة التي عصفت بأسواق دول جنوب شرقي آسيا الى ضرورة التدرج في الاندماج في أسواق المال العالمية ووضع قيود على انتقال الأموال المستثمرة الى البلد المضيف. فالانفتاح على أسواق المال الدولية يزيد السيولة في أسواق الأسهم والسندات، الا انه يعرض الدولة المضيفة الى هزات خارجية، خصوصاً اذا غلب الاستثمار المحفظي والتدفقات القصيرة الأجل على الاستثمارات الخاصة المباشرة والقروض الطويلة الاجل في تمويل العجز في الميزان التجاري.
وللاندماج المالي في أسواق المال الدولية وهذا أمر مستبعد في الوقت الحاضر بالنسبة الى سورية، شروط أساسية لا بد من توافرها لتفادي الهزات المفاجئة، واهمها:
- ضرورة الا تغلب الاستثمارات المحفظية على القروض الطويلة الاجل وعلى الاستثمارات الخاصة المباشرة في تمويل العجز التجاري للبلد المضيف.
- محاولة الدولة المضيفة توجيه الاستثمار الخارجي المباشر نحو القطاعات الانتاجية ذات الأولوية.
- يتطلب الانفتاح على الاستثمار الخارجي المحفظي خصوصاً، اطاراً اقتصادياً كلياً سليماً يتصدى بمعدلات تضخم معقولة، وعجز، ان كان لا بد منه، مقبول في كل مالية الدولة والميزان التجاري للبلد المضيف لا سيما ان تدفق الاستثمارات المحفظية من الخارج يتسبب في ضغوط تضخمية.
- وجود قطاع تصديري قوي في البلد المضيف، قادر على الاستمرارية على المدى البعيد ومبني على مصادر متجددة في الاقتصاد، زراعية وصناعية وسياحية، وليس على مصدر ريعي كالنفط. ووجود مثل هذا القطاع التصديري القوي ضرورة ملحة حتى يبقى الميزان التجاري في حدود معقولة. ويستطيع حماية العملة الوطنية من التدهور. واذا كان البلد المضيف لا يملك قطاعاً كهذا، فيجب ان يتلازم الانفتاح الاقتصادي الخارجي مع برامج تنموية لتنويع الانتاج وزيادته، اضافة الى برامج ازالة العقبات المؤسساتية والقانونية أمام الاستثمار والتصدير واعادة هيكلة المؤسسات العامة والخاصة.
الى ذلك، ينبغي توافر نظام مصرفي قوي يتصف ب:
- التوافق بين آجال الموارد المالية للمصارف وآجال توظيفاتها.
- وجود رقابة مصرفية فعالة من قبل المركزي تؤكد على:
سلامة التوظيف وتوجيهه الى المشاريع الانتاجية والتجارية المجدية، وليس الى المشاريع البراقة.
سلامة الوضع المالي للمصارف باستمرار وفي كل وقت، خصوصاً لجهة مؤشرات السيولة والملاءة.
المراقبة الدقيقة للوضع المالي للشركات المدرجة في أسواق المال.
توافر المعلومات حول الأداء الحقيقي للمصارف والشركات المساهمة والتأكد من دقة هذه المعلومات.
مراقبة حجم الأموال الخارجية الداخلة الى البلاد والقطاعات الاقتصادية التي تستقبل هذه الاموال.
يبقى ان الجهاز المصرفي والمالي السوري يحتاج الى تطوير جذري وشامل لتمكين البلاد من الانفتاح على الأسواق الدولية من جهة، وانجاح الاصلاحات الاقتصادية التي ادخلت او ستدخل في المستقبل من جهة اخرى، حتى تستطيع لعب دور رائد في الاقتصاد الاقليمي العربي، معززة موقعها في التحالفات الاقتصادية التي ستقوم في المنطقة بعد استتباب السلام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.