بعد كدّ وبحث طويلين عن عمل يفسح لنداء بدوان المجال للإبداع، كان قرار الاعتزال داخل غرفتها الملاذ والحل الوحيد، كحال مبدعات كثيرات لم يحالفهن الحظ في إيجاد فرصهن. داخل غرفتها، وثّقت بدوان (مواليد 1987) لحظات يومياتها من خلال مشاهد تصويرية تبتكرها باستمتاع وانهماك شديدين. فصناعة الكادر الواحد تعني لها «قدرتي على الإبداع من دون حاجة أحد». هكذا تحوّلت الغرفة الصغيرة إلى أستوديو تصوير خاص يعجّ بالأضواء والألوان الفاقعة. في الغرفة تناثرت أشياؤها ومتعلقاتها بعشوائية غريبة، الملابس، الأحذية، فناجين القهوة، الدفاتر، الكتب، صناديق الألوان، وأشياء كثيرة يزدحم بها المكان. هكذا تحبها حرّة «جوكر» كما تلقّب نفسها عبر ال«فايسبوك»، بما يؤكد ملامح شخصيتها المتمردة! تقول بدوان: «أستيقظ فجراً لاصطياد الضوء المتسلل من النافذة الوحيدة للغرفة. ألتقط صوري وأنشرها عبر مدونتي الإلكترونية (500XB)»، فالتصوير لعبتها الجميلة لتمثيل نفسها إلى جانب أدوار مهن مختلفة منها صانعة النسيج، الخيّاطة، الكاتبة، الطاهية، الرسّامة، الكاتبة، راقصة الباليه، مصورة الفونوغراف ومهن أخرى في طريقها لدخول موسوعة الصور، ف«الواقع لا يسمح بغير ذلك»، بحسب نداء ذات النبرة الساخرة دائماً. وكلمّا طالبها الأصدقاء بإنهاء عزلتها والعودة إلى الميدان، تعلّق: «الغرفة هي عالمي البديل»، والكاميرا هي «سلاحي الوحيد بحثاً عن الحلّ المنشود في أعماقي بعيداً من ضجيج الخارج ومعوقاته وهفواته»، وكأنّها مقاتل حقيقي يتصدّى لأعدائه من خلال الاحتماء داخل غرفتها! وغرفتها بحدّ ذاتها هي عمل فنّي متكامل للتشكيلي كمال يوسف. وهو شعاع أبيض يُطلق النار من الأعماق لمتذوّق الفنون جميل راضي، لكنّ الحرص على العزلة يجعل بدوان بعيدة من ميدان العمل بما يقلل فرصها المهنية، كما يعتقد مصور وكالة الصحافة الفرنسية محمد البابا. إلى أين تتجه بدوان؟ هل سيأتيها العمل على طبق من فضة؟ هل سيتوسّلون إليها يوماً كي توافق على الخروج إلى الشارع لمواجهة واقع مجتمعها؟ أسئلة مفتوحة يوجهها الاختصاصي الاجتماعي سمير زقوت لبدوان، ناصحاً إياها بضرورة التأقلم مع الظروف المتاحة إلى حين توافر الفرصة المنشودة. وفي السياق عينه، يشير زقوت إلى اختلاط الحاجات التي تحتاجها المرأة في سن الشباب من الاستقرار النفسي والاجتماعي والمادي، ما يجعلها عرضة للانزواء والابتعاد عن المواجهة، منبّهاً إلى حالة من الهستيريا العالية والإحباط التي قد تصيب فتيات كثيرات لم يحالفهن الحظ في الحصول على عمل، خصوصاً الطموحات منهن لإثبات ذواتهن وتحقيق الاستقلالية. وبمنتهى الاطمئنان يؤكد مفيد بدوان والد نداء رفضه لعزلة ابنته، مشيراً إلى أنّها ستدرك قريباً أنّ العزلة لن تؤدي إلا إلى مزيد من التفكير السلبي والوحدة الموحشة. يذكر أنّ بدوان «المبتعدة والمنعزلة طوعاً» شاركت قبل سبعة أشهر في معارض فنيّة محلية وخارجية، منها معرض «هذه غزة أيضًا» فني الذي نظّم في عمّان.