بادر العديد من الشبان والشابات في السعودية الى إحياء الذكرى الأولى لرحيل الأديب والشاعر والديبلوماسي والوزير السعودي الدكتور غازي القصيبي، كلٌّ على طريقته الخاصة، فذهب البعض منهم للتعبير بكلمات الحب والوفاء عبر شبكات التواصل الاجتماعي الإلكترونية، مقتبسين أبياته وكلماته وآراءه لبثها عبر الفضاء الافتراضي، وفضَّل آخرون النزول إلى العالم الواقعي لتوزيع كتبه مجاناً «تجديداً للعهد وتوطيداً للعلاقة بين فكره والعقول»، ومنهم من علق عباراتِ وصُوَرَ أبي يارا في غرفته ومكتبه، كونه شخصيةً ملهِمةً لهم، ويعتبرونه رمزاً ورقماً صعباً في حياة السعوديين. شبان سعوديون اتبعوا أسلوباً مبتكراً لإحياء ذكرى القصيبي، عبر توزيع كتبه مجاناً على الجالسين والمارة في شارع التحلية (أحد أكثر الشوارع ازدحاماً وشهرة بين الشبان في الرياض)، مرتدين قمصاناً تحمل صورته وعبارة «غازي في عقولنا»، ما حرك عواطف العديد من السعوديين والسعوديات ومشاعرهم، إذ استعاد الكثير منهم ذكريات الراحل، الذي وصل عدد مؤلَّفاته إلى أكثر من 60. وشعر البعض بروحه حاضرة ولم تغب، كما تواردت إلى أذهان آخرين أدق تفاصيل شخصيته، سواء في ابتسامته الدافئة وقصصه الإنسانية، مروراً بأبياته الشهيرة ورواياته المثيرة، وليس انتهاءً ب «معاركه الكبرى» مع مُعارضيه. يقول صاحب مبادرة «غازي في عقولنا»، الإعلامي خالد أبو شيبة: «نحاول من خلال هذه المبادرة تقديم الشكر والتقدير لهذا الرمز الذي أعطى الكثير الكثير، وكذلك دعوة الشباب خصوصاً ليقتربوا أكثر وأكثر من هذه الشخصية الفريدة، وينهلوا من نتاجها الثري، بما ينعكس على ثقافتهم وفكرهم وحياتهم». كانت تجربة توزيع كتبه في الشارع «جميلة»، كما يصفها الشبان، الذين وزعوا 100 نسخة منوعة من مؤلَّفات الراحل، و «لمسنا فيها قبولاً وترحيباً من كثيرين ممن التقيناهم في الطرقات أو الأسواق. البعض حرص على اقتناء كتاب بعينه، والبعض توقف يدعو للراحل بالرحمة والمغفرة، والبعض الآخر ارتسمت الابتسامة على محيّاهم واستلموا إهداء الكتب ومضوا في طريقهم». وكسب الراحل قبولاً وحبّاً لدى كثيرين، امتد عند شريحة كبيرة من السعوديين إلى التأثر بفكر القصيبي الأديب، والروائي، والشاعر، حيث ترعرعوا في حضن رواياته وقصصه وشعره ومقالاته وكتبه، فكانت بصمته حاضرة في شخوصهم. إضافة إلى تجربته الحكومية الفريدة في إدارة عدد من الوزارات الخدمية، جعلت مَن عاصَرَ القصيبي وجايَلَه يتأثر بطريقة حرصه على العمل والإنجاز والأمانة والإخلاص حتى أيامه الأخيرة، وهو الأمر الذي يراه أبو شيبة سبباً للحراك الملفت على مواقع «فايسبوك» و «تويتر»، حيث «خصص شبان وشابات جزءاً كبيراً من صفحاتهم وتدويناتهم للحديث عن الراحل، واستعراض تجاربه الثرية. ويؤكد أبو شيبة ل «الحياة»، أن الأمر لن يتوقف عند توزيع الكتب في الذكرى الأولى، بل «سنحرص على تطوير الفكرة لتأخذ شكلاً وبعداً ونطاقاً أكبر، بحيث نجعل منها حدثاً دورياً يتجاوز مدينة الرياض، وبتنسيق وعمل يتجاوز الأفراد إلى المؤسسات، وبلورتها في قالب يرتقي لمكانة القصيبي». وعلى رغم تقلد القصيبي مناصبَ حكوميةً عدة، حيث كان يلقب ب «معالي الوزراء»، إلا أن كثيراً من الشبان تأثروا بالقصيبي عبر مؤلفاته، إذ اشتهر بغزارة إنتاجه في الرواية والشعر والأدب والفكر والسياسة والدين والإدارة، ومن مؤلفاته في الشعر: «معركة بلا راية» و «صوت من الخليج»، و «الأشجّ»، و «اللون عن الأوراد»، و «أشعار من جزائر اللؤلؤ»، و «للشهداء»، و «حديقة الغروب»، حيث رثى الراحل نفسه في قصائده قبل وفاته أكثر من مرة، أشهرها عندما قدم اعتذاره من عمر السبعين لأنه دلف بابها وهو لم يمت بعد، فكتب قصيدته «سيدتي السبعون». تقول الشابة شيماء القحطاني ل «الحياة»، إن «العظماء لا يموتون، فالقصيبي رحل عن دنيانا لكن بقى في عقولنا، لقد رحل بجسده فقط، أما ذكراه فظلت متجذرة في قلوب الكثير، فهو لم يكن وزيراً فحسب، بل إنسانياً وروائياً عظيماً وأديباً عالي المقام ومواطناً قومياً عربياً، وجدت فيه الفكر الحر وقوة المبادرة والتجربة الفريدة، ومنه فقط تعلمت الوطنية كسلوك فعلي وليس كخطاب تنظيري». وتشير القحطاني، التي اختارت دراسة الماجستير في الإدارة نتيجة لتأثرها بغازي «الإداري»، إلى أنها «أيقنت من خلاله أن الإدارة فن، حدودها الحزم والانضباط والعمل الجاد المخلص، وإنْ ذُكرت الإدارة فهو أبرز روادها... إنه شخصية تستحق أن تخلَّد ذكراها، فقد أمتعنا كاتباً وشاعراً ومؤلفاً وملهماً من خلال مؤلفاته». من مؤلفاته في الرواية: «شقة الحرية»، و «العصفورية»، و «سبعة»، و «هما»، و «سعادة السفير»، و «دنسكو»، و «سلمى»، و «أبو شلاخ البرمائي»، و «الجنيّة»، إذ أحدثت عدد من روايته جدلاً اجتماعياً وثقافياً وفكرياً، كما لاقت معارضة لدى المحافظين، وتعرَّض بعضها للمنع. وفي الفكر والإدارة والسيرة الذاتية: «التنمية... الأسئلة الكبرى»، و «الغزو الثقافي»، و «أميركا والسعودية»، و «ثورة في السنة النبوية»، و «الأسطورة ديانا»، و «أقوالي غير المأثورة»، و «حتى لا تكون فتنة»، و «حياة في الإدارة»، والأخير يعد من أشهر ما نشر له، خصوصاً أنه تناول بجرأةٍ سيرتَه الوظيفية وتجربته الإدارية حتى تعيينه سفيراً في لندن. القصيبي، الذي ولد في مدينة الهفوف (شرق السعودية) في الثاني من آذار 1940، تولى وزارة العمل في السعودية منذ عام 2005 حتى وفاته، وقبلها تولى 3 وزارات، هي: الصناعة والصحة والمياه، وغيرها من المناصب الأخرى، وكان عضواً في جمعيات اجتماعية ومجالس وهيئات حكومية كثيرة.