تحركت عواطف ومشاعر الكثيرين من السعوديين والسعوديات في أشهر شوارع الرياض (التحلية)، بعد أن طاف مجموعة من الإعلاميين السعوديين، بين المقاهي والأسواق، حاملين عدداً من مؤلفات الراحل الدكتور غازي القصيبي؛ لتوزيعها مجاناً على الجالسين والمارة بمناسبة الذكرى الأولى لرحيله إذ استعاد الكثيرون منهم ذكريات أبي يارا الذي مضى على رحيله أكثر من عام، بل إن بعضهم أحس بروحه حاضرة ولم تغب، كما تواردت إلى أذهان آخرين أدق تفاصيله، سواءً في ابتسامته الدافئة، وقصصه الإنسانية، مروراً بأبياته الشهيرة، ورواياته المثيرة، وليس انتهاءً ب«معاركه الكبرى» التي مر بها مع مُعارضيه. وعلى رغم أن شارع «التحلية» اشتهر بوجود الشبان ممن يفضلونه على سواه، خصوصاً في الترفيه واللهو عبر التجوال والجلوس ساعات طويلة، إلا أن مبادرة توزيع كتب القصيبي أعطت الشارع طابعاً آخر يحمل أبعاداً ثقافية ومعرفية؛ فأخذ بعض من التقتهم «الحياة» في استبدال تلك الساعات من «السوالف اليومية» إلى الاطلاع بنَهم على صفحات «شقة الحرية» و«حياة في الإدارة» و«سلمى» و«ثورة في السنة النبوية» و«دينسكو» و«الجنية» و«الوزير المرافق» و«الزهايمر» و«أشعار من جزائر اللؤلؤ»، وغيرها من الكتب التي تم توزيعها، داعين لأبي يارا بالرحمة والمغفرة. وتفاوتت معلومات بعض شبان «التحلية» حول اسم «غازي القصيبي»، ممن لم تتجاوز أعمارهم 15 ربيعاً؛ إذ لم يعرف بعضهم مَن يكون غازي القصيبي! ومن ضمن تلك الفئة العمرية مَن يعرف معلومات يسيرة عنه، غير أن الكثيرين ممن عاصروه وجايلوه عبّروا عن مدى إعجابهم ب«شاعرهم وأديبهم»، والإشادة والزهو بإسهاماته الوطنية والإنسانية والاجتماعية، في الوقت الذي كان أصحاب المبادرة يتشحون بعبارة «غازي في عقولنا» على «التيشيرت» الذي يرتدونه، مطرزاً بصورته مبتسماً، آملين أن تبقى تلك «اللحظات الحزينة» التي عايشها محبوه أثناء مرضه بعيدة عن الأذهان، رغم أن تفاصيلها باقية على جنَبات ذاكرة أصحابه وأحبائه، غير أن المبادرة ذاتها وصفت ب«الإيجابية»، كما أنها تحمل صورة رمزية تقريبية حول طريقة وأسلوب القصيبي في إطلاق المبادرات الناجحة التي تخدم المجتمع. وفضّل صاحب المبادرة الزميل الإعلامي خالد أبو شيبة الذي بادر بشراء جميع الكتب من حسابه الشخصي، أن تشتمل كتب القصيبي على مختلف المجالات التي كان يكتب فيها، بدءاً من الآراء الدينية والنظريات الإدارية، والدواوين الشعرية، إضافة إلى القصة والرواية، مبيناً أن مبادرة «غازي في عقولنا» تزامنت مع الذكرى الأولى لرحيل غازي القصيبي، بهدف تجديد وتوطيد العهد والعلاقة بين مؤلفات غازي وبين عقولنا، وهي دعوة للشباب خصوصاً؛ ليقتربوا أكثر وأكثر من هذه الشخصية الفريدة، وينهلوا من نتاجها الثري بما ينعكس على ثقافتهم وفكرهم وحياتهم. هي مبادرة بسيطة تحمل في طياتها شكراً خجولاً في حق رمز وطني ظل يعطي ويعطي للوطن وأبنائه حتى أيامه الأخيرة. وكان القصيبي قد أطل على حياة السعوديين من نوافذ عدة، لعل أبرزها العمل الحكومي من خلال إدارته لدفة عدد من الوزارات الخدمية، وعمله سفيراً أيضاً؛ ما جعله على تماس مباشر مع المواطن؛ فكان مختلفاً في إخلاصه وعطائه وتفانيه واجتهاده؛ فكسب قبولاً وحباً لدى الكثيرين امتد عند شريحة من السعوديين إلى التأثر بفكر غازي الأديب والروائي والشاعر؛ إذ ترعرعوا في حضن رواياته وقصصه وشعره ومقالاته وكتبه؛ فكانت بصمته حاضرة في شخوصهم. وقبل ذلك كله كانت نافذة غازي الإنسان مفتوحة على الدوام، ويتجلى ذلك في تأسيسه وإسهامه في عدد من الجهات والجمعيات الخيرية. كل هذا وأكثر جعل من القصيبي رقماً صعباً في حياة السعوديين. ولفت أبو شيبة إلى أن ردود فعل الشبان والشابات بعد توزيع مؤلفات القصيبي، تراوحت بين التأثر والدهشة والدعاء والصمت، «وهناك من طلب كتاباً بعينه، وهناك من شكر ودعا له بالرحمة، وهناك من سمع به للمرة الأولى، وأخذ يسأل عنه؛ فكانت كتبه خير معرف».