«هيئة الطرق»: مطبات السرعة على الطرق الرئيسية محظورة    هل اقتربت المواجهة بين روسيا و«الناتو»؟    «قبضة» الخليج إلى النهائي الآسيوي ل«اليد»    الشاعر علي عكور: مؤسف أن يتصدَّر المشهد الأدبي الأقل قيمة !    رواء الجصاني يلتقط سيرة عراقيين من ذاكرة «براغ»    «السقوط المفاجئ»    الدفاع المدني: هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة    ترمب يستعيد المفهوم الدبلوماسي القديم «السلام من خلال القوة»    مشاعل السعيدان سيدة أعمال تسعى إلى الطموح والتحول الرقمي في القطاع العقاري    أشهرالأشقاء في عام المستديرة    د. عبدالله الشهري: رسالة الأندية لا يجب اختزالها في الرياضة فقط واستضافة المونديال خير دليل    «استخدام النقل العام».. اقتصاد واستدامة    أرصدة مشبوهة !    حلول ذكية لأزمة المواقف    التدمير الممنهج مازال مستمراً.. وصدور مذكرتي توقيف بحق نتنياهو وغالانت    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    إجراءات الحدود توتر عمل «شينغن» التنقل الحر    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    المياه الوطنية: واحة بريدة صاحبة أول بصمة مائية في العالم    ترمب المنتصر الكبير    صرخة طفلة    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    البيع على الخارطة.. بين فرص الاستثمار وضمانات الحماية    فعل لا رد فعل    أخضرنا ضلّ الطريق    أشبال أخضر اليد يواجهون تونس في "عربية اليد"    5 مواجهات في دوري ممتاز الطائرة    لتكن لدينا وزارة للكفاءة الحكومية    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    المؤتمر للتوائم الملتصقة    دوري روشن: الهلال للمحافظة على صدارة الترتيب والاتحاد يترقب بلقاء الفتح    خبر سار للهلال بشأن سالم الدوسري    حالة مطرية على مناطق المملكة اعتباراً من يوم غدٍ الجمعة    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    عسير: إحباط تهريب (26) كغم من مادة الحشيش المخدر و (29100) قرص خاضع لتنظيم التداول الطبي    الأمن العام يشارك ضمن معرض وزارة الداخلية احتفاءً باليوم العالمي للطفل    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    أمير القصيم يستقبل عدد من أعضاء مجلس الشورى ومنسوبي المؤسسة الخيرية لرعاية الأيتام    مدير عام فرع وزارة الصحة بجازان يستقبل مدير مستشفى القوات المسلحة بالمنطقة    ضيوف الملك: المملكة لم تبخل يوما على المسلمين    سفارة السعودية في باكستان: المملكة تدين الهجوم على نقطة تفتيش مشتركة في مدينة "بانو"    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    «المسيار» والوجبات السريعة    أفراح آل الطلاقي وآل بخيت    رسالة إنسانية    " لعبة الضوء والظل" ب 121 مليون دولار    وزير العدل يبحث مع رئيس" مؤتمر لاهاي" تعزيز التعاون    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة للمدينة المنورة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سياسيون ومثقفون عرب: غيرة الفارس على وطنه صنعت منه مبدعًا متمكّنًا

ألقت وفاة الأديب والدبلوماسي معالي الدكتور غازي القصيبي بظلالها على الساحة الثقافية والفكرية والسياسية بالقاهرة ونقل من عرفوه أديبًا وشاعرًا حزنهم لفراقه، محتسبين أن كتابته ستبقى خالدة بعد أن سمحت المملكة بإعادة طبعها وتوزيعها في المملكة، وتحدث الدكتور اسماعيل سراج الدين مدير مكتبة الإسكندرية عن القصيبي الأكاديمي والشاعر والأديب والدبلوماسي والإنسان، ثم يتوقف سراج الدين عند محطة تنافسهما على مقعد مدير عام منظمة اليونسكو عام 1999 ويقول: كانت بيننا منافسة على الرغم من كونها معركة انتخابية فإنها لم تمس صداقتنا الوطيدة بل تقابلنا بعدها في لندن في جلسة مطولة كانت صريحة إلى أبعد مدى، وأكدت هذه الجلسة مدى ما يجمعنا سويًّا من الحرص على الثقافة المعاصرة التي تعطي للعرب الكثير.
وأضاف سراج الدين: رحل عن دنيانا، إلا أنه لم ولن يرحل عن ذاكرتنا، عرفته قوي الشكيمة، طويل الباع، لا يحيد عن هدفه، واضح الحجة، منطقي التفكير، لقد مر الرجل على مدار حياته بالكثير من التجارب الحياتية، التى لم تزده إلا شجاعة وثباتًا، إذ أحدثت معظم مؤلفاته الأدبية ضجة كبرى حال طبعها ومنع كثير من التداول، وهاجمه ضيقو التفكير والمتسلطون الذين نصّبوا أنفسهم قضاة على الفكر والإبداع، تميز الراحل في جميع المواقع التي تولاها تعاونًا سويًا حينما كان وزيرًا للصناعة والكهرباء من خلال عملي في البنك الدولي فكانت ثمرة هذا التعاون العديد من المشروعات التنموية، كما أنه ذو شخصية متعددة المواهب وهو ما يظهر جليًا في تنوع المواقع التي شغلها. إنى إذ أنعي هذا الرجل المستنير، أؤكد أن إرثه سيظل باقيًا في وجدان وعقل هذه الأمة.
مواقفه السياسية
وعن مواقفه السياسية يقول الدكتور مصطفى الفقي رئيس لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان المصري: غازي القصيبي كان متفردًا؛ حيث إنه كان دبلوماسيًّا ناجحًا وسفيرًا لبلاده في عواصم عديدة، ثم تقلد منصب الوزارة للأكثر من مرة وهو في نفس الوقت كان الشاعر والأديب المعروف وقلما نجد شخصا لا نستطيع ان نفرق بين كونه شاعرا وأديبا معروفا وكونه دبلوماسيا عريقا فبقدر إسهاماته العملية في دنيا السياسة ومسؤولية الدولة كانت إسهامه الأكبر كشاعر وأديب له قصائد وروايات وكان صوتًا مسموعًا ومعروفًا في سماء الشعر والأدب العربي، ويكفي أن اسم القصيبي يتردد في كل العواصم العربية كونه شاعرًا وأديبًا معروفًا، وقد غلب حس الأديب والشاعر على حس السياسي والديبلوماسي فكانت له مواقف تؤكد إيمانه الحر بالأدب والشعر الذي يعبر عن قضايا الامة وبعيدا عن الدبلوماسية المحكومة بالبروتوكولات، ويكفي أنه أعفى من منصبه كسفير لبلاده في لندن بسبب قصيدة اشاد فيها باحدى الشهيدات الفسلطينيات، التي فجرت نفسها فداء لوطنها كما كان في كتاباته جريئًا معبرا عن واقع الامة بما يؤكد نزاهته ووطنيته ولعل كتابه “ازمة الخليج محاولة للفهم” الذي يتحدث فيه بصراحة عن ازمة الخليج وتداعيات التدخل الاجنبي تؤكد ان القصيبي كان واعيا بامور الواقع لا يبغي النقد للنقد ولكن كانت له رؤية يجب ان تحترم.
صمود القصيبي
واعتبر محمد سلماوي رئيس الاتحاد العام للكتاب والأدباء العرب افتقاد القصيبي فاجعة للأدب والثقافة العربية باعتباره كان رمزا ثقافيا بارزا وواحدا من أهم الأدباء الذين أنجبتهم المملكة، مضيفًا: القصيبي استطاع التأثير في الشارع العربي والإسلامي وحتى الغربي بكتاباته الناصعة البياض التي لا التواء فيها، كما أنه واحد من الذين يثقون في أنفسهم لدرجة أنه اعتبر من أهم النماذج الأدبية القليلة التي لا تعرف سوى الصدق مع الذات والنفس وبالتالي مع الآخرين.
وأوضح سلماوي أنه تعرف على غازي القصيبي عن قرب، حيث إن مكانته الثقافية أهلته أن يتعرف عليه القاصي والداني بشخصيته ومواقفه الجميلة والهامة التي تتخطى حدود ومجالات الشعر والأدب لتحتل مكانا مرموقا على الساحة الثقافية العربية بشكل عام، فهو أضاف كثيرا للثقافة العربية كونه شاعرا مميزا، وفي نفس الوقت هو أحد رموز الثقافة المستنيرة في الوطن العربي وكانت له مواقف رائدة إلى جانب كل ما هو ايجابي ومتقدم في الثقافة العربية، وقد دفع ثمن مواقفه الرائدة بما واجه من هجوم من جانب أناس يعتبرون أنفسهم مثقفين وهم فى الحقيقة لا يعرفون شيئًا عن الثقافة والتقدم والانفتاح على العالم.
وأكد سلماوى أنه في الوقت الذي ناصبته بعض الاتجاهات العداء وجدنا أن نفس أصحاب التعصب في الغرب وقفوا ضده وحاربوه بضراوة وقت أن كان مرشحا لرئاسة اليونسكو.
وأكد رئيس اتحاد الكتاب العرب أن مواقف القصيبي الثقافية ستظل صامدة وشاهدة على تقدمه الفكري والثقافي، حيث ساهم في إجلاء حقيقة الثقافة العربية خاصة أثناء سنوات عمله سفيرا في لندن، وهو ما يضارع في أهميته تراثه الشعري. ونعتبر رحيل القصيبي خسارة شخصية لاتحاد الكتاب العرب، لأنه كان أحد جنود الثقافة والأدب العربي وأحد أشهر الأدباء والشعراء في المملكة.
فقدان فارس
من جانبه قال الدكتور محمد صابر عرب رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب إن الساحة الأدبية العربية فقدت أحد أهم رموز المفكرين من خلال أطروحاته ومؤلفاته الفكرية وأشعاره ورواياته، التي أحدثت صدى واسعا في العالم العربي، لافتًا إلى أن القصيبي من المثقفين والكتاب الذين يحسب لهم الموهبة ولا شك أن فقدانه خسارة كبيرة للوسط الثقافي العربي بشكل عام، وبرحيله نفقد فارسا من فرسان الكلمة الذين تجلت أعمالهم في أرجاء العالم العربي.. مفكرا ومثقفا سيؤثر رحيله على المشهد الثقافي العربي.
حركة الشعرية الساكنة
وانخرطت الكاتبة المسرحية الدكتورة ملحة عبدالله في نوبة من البكاء عندما علمت بنبأ الوفاة خلال اتصال “الأربعاء” بها قائلة: لقد كان قامة كبيرة في الأدب والشعر وحتى على مستوى القيادة الرسمية، ويعتبر القصيبي رائدا لنا في الحركة الشعرية وابتكر مدرسة خاصة؛ ميزتها أنها تهتم بالحركة الشعرية الساكنة وليست الواثبة التي تستفز مشاعر المتلقي وأحاسيسه وهو ما ظهر في أشعاره الوطنية، وأيضًا ما ظهر في رواياته التي كانت مرآة عاكسة لما يحدث في المجتمع، وأعتقد أن أكثر ما يميز غازي القصيبي أنه كان يكتب لأنه يحب الكتابة ولا يكتب ليرضي الآخرين.
وأضافت ملحة حول رفع الحظر عن أعمال القصيبي والسماح بطبعها في المملكة: الحركة السعودية تسير بوعي شديد على يد معالي وزير الثقافة عبدالعزيز بن خوجة، وهذا ما يحدث عندما يتولى وزير مبدع المسؤولية، وبخصوص أعمال القصيبي ستكون لنا بمثابة ثروة كبيرة للأجيال القادمة، وقرار طباعة أعماله في المملكة يتيح للأجيال الجديدة أن تقرأ أعمال الرواد وتتواصل معها لتكون لها اتجاهها الخاص، وأعتقد أن أعمال القصيبي حتى وإن لم تطبع ستكون في الذاكرة وأرى أن التاريخ قادر على إحيائها، وهذا اتجاه جيد من الدولة لإنشاء جسر ثقافي بين الأجيال، لأن هذه الأعمال تمثل حلقة من تاريخ الأدب السعودي وفقدها قد يمثل قطيعة في الثقافة السعودية فيما بعد لأن منذ سنوات اعتمد الروائيون والشعراء على الطبع في دول الشام وعندما يحاولون إدخال كتاباتهم إلى المملكة يجدون مشكلة في التسويق لتحكم دور النشر الداخلية.
جسور ممدودة
ويضيف بشار شبارو رئيس لجنة العلاقات العربية والدولية في اتحاد الناشرين العرب: إن ما يميز القصيبي أنه حين جاءت الحداثة الأدبية والفكرية تدق الأبواب لم يقف منها موقف المحافظ بل الهاضم لأطروحتها وكان من القلائل الذين مدوا جسرًا بين الرومانسية والواقعية والحداثة.
وعن السماح بطباعة كتبه في المملكة، فهذا حدث هام يستحقه فقيدنا الكبير، والفضل يعود لمعالي وزير الثقافة والإعلام الذي قدر بحق أهمية أعمال الراحل الكبير، كما أن معاليه يسعى بتدرج إلى زيادة مساحة الرأي والإبداع بما لا يخالف شريعتنا الغراء.
ألمع الكُتّاب
وأكد الروائي المصري فؤاد قنديل أن الموت غيّب كاتبا من أهم الكُتّاب العرب صاحب الإحساس الكبير والرؤية الفكرية الثاقبة، التي كلفته الكثير، حيث كان رحمه الله أحد ألمع الكُتّاب العرب وأكثرهم وفاءً، بالإضافة إلى قدرته الفريدة على خلق رؤية مختلفة مدهشة جذبت إليه القراء داخل الوطن العربي وخارجه، حيث إن افتقاده هو بمثابة فاجعة للأدب والثقافة باعتباره علمًا بارزًا من أعلامه وأحد أبرز قادة المشهد الثقافي وعزاؤنا أنه ترك بصمات واضحة على مسيرة الأدب والثقافة.. رحم الله الفقيد فقد قدم جهودًا يقدرها من يعرفها في مجالات أدبية وثقافية مختلفة.
وقد نعى الاتحاد العام للأدباء والكتاب اليمنيين -الدكتور غازي القصيبي وأكدت الأمانة العامة للاتحاد في بيان نعي تلقى «الأربعاء» نسخة منه- إن الساحة الثقافية فقدت برحيل الدكتور غازي القصيبي، احد أهم رجالات الثقافة والشعر والتعليم في السعودية والوطن وعبّر اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين عن أحر التعازي وصادق المواساة لأسرة الراحل وجميع الأدباء في المملكة العربية السعودية خاصة والوطن العربي بشكل عام.
وأصدرت الصحافة اليمنية بعناوين بارزة ترثي وفاة الأديبين باعتبارهما رائدان من رواد حركة التنوير الفكرية الادبية في العالم العربي.
ممثل الشعر الخليجي
من جهة أخرى عبر عدد كبير من أدباء ومثقفي مملكة البحرين عن بالغ الأسى، معتبرين رحيل القصيبي هو رحيل أهم أعمدة الثقافة في الخليج والوطن العربي الشاعر الأديب، عضو مجلس الشورى محمد هادي الحلواجي يتحدث عن رحيل غازي القصيبي قائلًا: لا شك أن شخصية كشخصية الراحل الكبير غازي القصيبي من الشخصيات التي أثرَت الساحة الأدبية والسياسية والثقافية على حدٍ سواء، ويعد القصيبي ممثلًا للشعر العربي في الخليج، أو نستطيع القول إنه ممثل للشعر الخليجي في الوطن العربي. ما قد تمثله قيمة القصيبي من الناحية الفعلية والثقافية، هي الدراسات العليا التي أجراها عددٌ من الباحثين من أصحاب التوجهات الأدبية الأكاديمية، كالتحضير للدكتوراه وغيرها، كما لا يمكننا أن ننسى أن الراحل القصيبي توجه في الفترة الأخيرة إلى استهداف الرواية الفكاهية التي تدل على سعة أفقه، وسيطرته على زمام اللغة سواء تعامل معها في الشعر أو الرواية.
معلم بارز
ويضيف: أحمد الله كشاعر عاصرت هذا الأديب الكبير وإن لم ألتقه، لكن لا شك أن رحيل رجل كالقصيبي، وهو واجهة من واجهات الشعر العربي له أثر كبير، كما سيترك فراغًا أكبر، خصوصًا للمتتبعين للساحة الأدبية والفكرية، لأنه كان معلمًا بارزًا للشعر العربي في المنطقة العربية والخليج. فإسهامات الأديب هي إسهامات في النتاج الثقافي والشعري والروائي، كما لا يمكن أن نتنكر أن القصيبي كان حاضرًا في كل الأحداث والمناسبات العربية والإسلامية، كما إن له إسهامات وبصمات جلية على الساحة الأدبية ولا يمكننا أن ننسى إنتاجه المميز في الرواية، تلك الرواية التي تضمنت أفكاره ورؤاه الشخصية، فهو لم يستنسخ غيره روائيًا بل أبدع الجديد فيها كلها.
بين السعودية والبحرين
ويقول الأمين العام لجمعية المنبر الديمقراطي التقدمي، المهتم بالشأن الثقافي في مملكة البحرين د.حسن مدن: رحيل غازي القصيبي هو رحيل لقامة إبداعية كبيرة ليس على المستوى السعودي أو الخليجي أو العربي بل على مستوى العالم، فله من الإبداعات والإنتاجات الغزيرة الكثير، فهو شاعرٌ مميز، وفي الفترة الأخيرة قدم روايات مميزة جدًا خصوصًا رواية «شقة الحرية»، تلك الرواية التي جسدت مرحلة مهمة من تاريخ الوطن العربي المعاصر وتاريخ البحرين تحديدًا، فالقصيبي بالمقدار الذي كان به سعوديًا فهو بحريني النشأة، بل إنه عدّ أحد الأصوات البحرينية في بداياته الأدبية. لقد كتب القصيبي في السير الذاتية وفي علم الإدارة وفي المقال أيضًا، فهو يمثل مرحلة مهمة في التهافتات والمتغيرات.
ويضيف مدن: من النادر جدًّا أن تجد رجلًا يجمع بين كونه سياسيًا وأديبًا عميق المعرفة، وملمًا بالتراث العربي، فهو من أشد المتأثرين بالمتنبي وبالقامات الشعرية الكبيرة. ولا شك أن رحيله سيترك فراغًا كبيرًا في العالم العربي، لأنه ظل على عطائه الإبداعي المتميز حتى الأسابيع الأخيرة من حياته. إنني لم ألتقه شخصيًا، لأننا نمثل جيلين مختلفين، ولكنني التقيته في أكثر من مناسبة أدبية وفي أكثر من مكان. إن رحيل القصيبي يمثل صدمة بكل الاتجاهات لأنه نموذج متزاوج بين ثقافتين وشعبين (السعودي والبحريني)، ولهذا لا يمكن أن نفصل بين غازي السعودي وغازي البحريني، لأنه في النهاية شخصٌ يمثل بلدين. لقد رحل السياسي والأديب والناقد والإداري والدبلوماسي، تلك الصفات التي تستحيل أن تتوافر في شخص واحد، وهذا ما قد جمعه الأديب الراحل في شخصيته.
بصمات واضحة
يرى الأمين العام لجمعية التجمع الوطني الديمقراطي، الباحث الاقتصادي والسياسي د.حسن العالي أن من يقرأ للمرحوم غازي القصيبي أو يقرأ حاضره السياسي والأدبي، فلا بد أن يرجع كل ذلك إلى خلفية تكوينه الثقافي، فهو تشبع منذ الصغر بالفكر القومي والوطني والعروبي، مما انعكس على بنيته الثقافية والأدبية، كما انعكس على كل ما له علاقة بتطور المجتمع والاقتصاد، وهذا ما لاحظناه جليًا، حينما تسلم مناصب سياسية أو وزارية، فرأينا بصماته الأدبية والوطنية في عمله الإداري والسياسي، فهو لم يكن متحيزًا لأحد بل كان متحيزًا للمواطن ولمصالحه، في الجانب الآخر نجد أن موهبته الثقافية والأدبية كانت متزامنة مع حضوره السياسي، إذ كانت تمثل له مصدر إلهامٍ وعطاء.
ويؤكد العالي: بلا شك أن رحيل شخص بوزن القصيبي يترك فراغًا كبيرًا، وما قد يجعل الخسارة مضاعفة هو أننا سنفقد شخصًا سياسيًا ورسميًا وأديبا بارعًا. لقد كان الراحل في كل المجالات ومن ضمنها العمل الرسمي يصنع التميز والجِدّة أينما حل وهذه سمة مميزة في شخصيته وتاريخه. إن الانسجام السلس الذي احتوته شخصية القصيبي لم يأت من فراغ، وإنما كان بفعل تمازج الأدوار في شخصيته الفذة.
الأمين العام لمجلس التعليم العالي، الشاعر والناقد والمؤلف د.علوي الهاشمي يتحدث من منطلق تجربته القريبة من الراحل غازي القصيبي، فيقول: إن غازي القصيبي قامة لا تضاهى في عالمنا العربي، وتبدأ أهميته من الخليج العربي وبشكل خاص من البحرين، لانطلاقته الأولى من الجزيرة التي تغزل بها في بداية مجموعته الشعرية الأولى، وقد لعبت البحرين دورًا كبيرًا في تأسيس تجربة الشاعر غازي القصيبي، عندما جاء البحرين رفقة مع عائلته وكان عمره حين ذاك خمسة أعوام، فدخل مدارسها الابتدائية، وكنت أول من نشر صورتين للراحل في صغره في كتابي «شعراء البحرين المعاصرون»، وأتذكر أن الشاعر الراحل اتصل بي حينما شاهد الصور وطلب مني نسخة من الكتاب لأن تلك الصور لم تكن عنده.
ويضيف: البحرين بالنسبة إلى القصيبي شكّلت المهاد الأول الذي نمت فيه تجربته الشعرية، من خلال طبيعتها الساحرة خصوصًا في الأربعينات من القرن المنصرم حينما رأى نخيلها وعيونها فسحرته تلك الطبيعة فتغزل بها، كما كانت علاقته الأولى مع المرأة ومع من أحب، فصارت محركًا جيدًا لتجربته الشعرية. وأعتقد أن غازي قال أجمل أشعاره في البحرين، أقول هذا وأنا مسؤول نقدي عما أقول، ثم قال الجميل الآخر عن الخليج العربي. لقد كان قوميًا عروبيًا محبًا للتراث ذاكرة العرب ومؤمنًا بالعروبة، كما كان يحب الخليج حبًا جمًا، ثم رحل القصيبي عندما أنهى دراسته الثانوية في البحرين مع الشاعر عبدالرحمن الرفيع إلى مصر لإتمام دراسته، وهناك أصدر مجموعاته الشعرية «قطرات من ظما» و«معركة بلا راية»، ثم انطلق إلى الغرب لإكمال دراساته العليا (في أمريكا وبريطانيا) ثم جاء إلى السعودية أكاديميًا وسياسيًا حتى انتهى به المطاف سفيرًا سعوديًا في البحرين.
ويقول الهاشمي: غازي هو نافورة من المواهب المتعددة وله نتاج غزير في كل هذه الجوانب، ورحيله خسارة فادحة للثقافة العربية ولنا هنا في الخليج وفي البحرين بشكل خاص، تلك الثقافة التي أحبها غازي فأثراها بحوارات نقدية ساخنة في مطلع حياته.
أما الكاتب حمد الشهابي فقد بدت عليه آثار الحزن من الخبر وقال: فقدت الساحة الأدبية عملاقًا من عمالقة الأدب العربي، هذا الرجل الذي بدأ مشواره بقوة كمثقف مبدع وإداري محنك. وأضاف: البحرين كلها اليوم تعيش الحزن على وفاة غازي القصيبي فكلهم أحبابه وكلهم أصحابه.. لأنها وطنه الثاني الذي أحبه. وإذ يطوي الثرى غازي القصيبي فإن ذكراه ستظل حاضرة في قلوب كل من أمتعهم بأدبه أو الذين أبهجهم بأسلوبه الإداري الناجح.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.