علّمتني الحياة ألاّ أحتقر من الأمور شيئاً مهما كان تافهاً، وإليك الدليل هممت بالكتابة عن «السراويل»، فبدأت بالبحث وتجميع المعلومات، ودُهشت للمجلدات التي خرجت بها. أقول «مجلدات» وأنا بكامل قواي العقلية المعتبرة شرعاً! ويرجع السبب في التوغل في هذا الموضوع إلى انتشار ظاهرة السراويل «المنخفضة»، التي بدأ بعض الشباب يلبسونها، الأمر الذي جعل بعض إمارات المناطق تصدر تعميمات بمعاقبة من يرتدي هذا النوع من «السراويل» ممن تأثروا بهذه الظاهرة، أعني ظاهرة Low Waist التي تعني إظهار شكل ونوع ولون الملابس الداخلية! وأول ما استوقفني في موضوع «السراويل»، أن هناك خلافاً مفاده أن كلمة «سراويل» هي مفرد وليس جمعاً، والجمع «سراويلات»، وأن الكلمة أعجمية، أما كلمة «سروال» فلا أصل لها، وكذلك «ِسْرَوالة»، ثم دخلتُ في عالم السراويل لأجد نفسي أمام قائمة طويلة تضم العشرات من أنواعها وأشكالها وأحجامها! وفي الصحيحين عن ابن عباس – رضي الله عنه - أن النبيّ - صلّى الله عليه وسلّم - خطب بعرفات قائلاً: مَنْ لَمْ يَجِدْ إِزَاراً فَلْيَلْبَسْ سَرَاوِيل لِلْمحرم. وتروي الكتبُ أن أول من لبس السراويلَ هو إبراهيمُ الخليل – عليه السلام - اذ كان كثير الحياء، حتى انه كان يستحي أن ترى الأرضُ مذاكيره. وفي عالم الفتاوى، قاسَ كثيرٌ من العلماء إسبال السراويل على إسبال الإزار، لذا يحرّم الإسبال في السراويل، وتبع ذلك فتاوى كثيرة في حكم الصلاة بالسراويل، ودار خلاف بين العلماء، فهناك من يقول ان الصلاة باطلة – مثل الألباني - وهناك من يجيز الصلاة به إذا كان ساتراً ما بين السرة والركبة. ولم تقفُ قضايا السراويلِ عند الاسمِ، والشكلِ، واللونِ، والسيرةِ الغائبةِ؛ بل أضحت قضيّة تعجّ في حركةٍ دائبةٍ، وملامح إمّا خاطئة أو صائبة! وفي سنوات الصحوة «العجاف» في بداية الثمانينيات، جاء «المايوه الإسلامي» (سراويل السباحة)؛ وهو «سرويلات» طويلة يلبسها بعض أهل الفضل، وعادة ما تكون زرقاء، أو سوداء اللون، وتتمادى في طولها لتغطّي الركبة!ٍ وفي عالم كبار السن ما زلت أتذكّر سراويل «خط البلدة»، وهو سراويل طويل، يمتاز بخطوطه، وتلبسه العجائز، وأتذكّر أنّني سألت عجوزاً عن مزايا هذا السروال، فقالت: إنّه أبرد للفخذ، وأرضى للزوج، واستر للساق، ويلبي حاجات كلّ الأذواق! وفي عالم التديّن، اخترع «سراويل السنّة»، وهو سراويل طويل، تحرّج بعض «إخوتنا الشيعة» من تسميته بهكذا اسم، لكنّهم لبسوه بنيّة أن يكون اسمه «السراويل الطويل»، والأعمال - كما جاء في الأثر - بالنيّات، وإنّما لكلّ امرئ ما نوى! أمّا آخر البدع في عالم السراويل؛ فهو ما تناقلته الصحف قبل فترة عن قيام مزاد علني على «سروال الملكة فيكتوريا»، الذي يبلغ قطره 156 سنتيمتراً، وفي ذلك فضح لحجم مؤخّرة هذه السيدة. لذا خذوا حذركم، وحافظوا على «خصوصية» سراويلكم؛ فإنّ ابن آدم إذا مات انقطعت سيرته، ولكن قد تفضحه سراويله!