تنظم جامعة الملك سعود دورات لتطوير مهارات أعضاء هيئة التدريس، ممثلة في عمادة تطوير المهارات، حيث جمعتني هذه السنة دورة في جامعة أوبرن في مدينة أوبرن في ولاية ألاباما، في الولاياتالمتحدة الأميركية، مع عدد من الزملاء أعضاء هيئة التدريس من مختلف التخصصات في الجامعة، وكان أغلب المشاركين من خريجي الجامعات الأميركية أو البريطانية، أي متعرضين للثقافة والتجربة الغربية، لكن هناك بعض القضايا، حتى ولو كنت عشت في الثقافة الغربية فترة، لا تخطر على بالك إلا بعد أن تتعرض لموقف أو تشاهد حدث، يذكرك ببعض الأشياء التي تتمنى أن تطبق لدينا، لتطوير العلاقات بين مجتمعنا ومؤسساتنا، والمؤسسات والمجتمعات الدولية، ومنها الفهم الثقافي للطرف الآخر وكيفية التعامل معه بكل احترام وتقدير وبشكل مهني. لا شك أن الفائدة العلمية والثقافية لهذه الدورات، هي خارج نطاق المناقشة، حيث أن العلم والتطور لا يقتصر على الكتب وقاعات المحاضرات، بل يتعداه إلى الفكر والثقافة والحوار، والوسائل المستخدمة في كل هذه الأمور، حيث تبين من خلال الاختلاط والتحاور والتعرض لتجارب الآخرين مدى أهمية الانفتاح على تجاربهم وخبراتهم، وتقبلها بعقل مفتوح، وتطوير هذه التجارب والخبرات، بما يتوافق مع أهدافنا ورؤانا وثقافتنا، ونقل تجاربنا وخبراتنا، وكذلك رغبتنا في التطوير إلى الآخرين بكل شفافية وصدق، لنكسب احترامهم وودهم وفهمهم لنا. ما جعلني أفكر في كتابة هذا الموضوع، هو لقاؤنا مع مسؤول البرنامج في جامعة أوبرن الأميركية بيل باسكست، الذي أبدى رغبة وحماساً وفهماً للثقافة السعودية والمجتمع السعودي بشكل جعلني أفكر: لماذا لا نستفيد من هؤلاء الأشخاص في البدء بخلق جماعات للضغط في الولاياتالمتحدة الأميركية، تساعدنا على خلق بيئة من التفاهم والانسجام بين المجتمعين الأميركي والسعودي، بدءاً بالمجتمعات ا|لأكاديمية، وانتهاءً بالوصول إلى مختلف شرائح الطبقات المجتمعية المؤثرة في الجانبين؟ وهو دور حيوي يفترض أن تقوم بالتخطيط له الجامعات ومراكز البحوث المختلفة في المملكة العربية السعودية، وبشكل منهجي ومخطط له على المدى القصير والبعيد. لقد استقبلنا مع زملائه في الجامعة، وهو يردد مدى شكره وتقديره للحفاوة التي حظي بها عندما كان يعقد الدورات في جامعة الملك سعود، وفعلاً كان صادقاً في كلامه، عكست ذلك كل تصرفاته، واهتمامه بالدورة، من حيث الوقت والمحتوى والأشخاص المدربين، وكذلك اهتمامه بنا بشكل واضح، حيث دعانا إلى منزله لحفل عشاء. إن خلق جماعات ضغط تكون متفهمة للثقافة السعودية، هو أمر في غاية الأهمية، خصوصاً بعد ما عانته المملكة العربية السعودية من تأثير أحداث 11 سبتمبر على صورتها الذهنية لدى الشعب والمسؤولين الأميركيين، وبعد أن أصبحت الولاياتالمتحدة الأميركية القطب الوحيد الذي يملك أغلب القرارات المؤثرة في القضايا الدولية، لذلك يبرز دور الجامعات ومراكز البحوث في التخطيط للبدء في العمل بشكل مخطط على خلق جماعات للضغط في الولاياتالمتحدة الأميركية، حيث نملك القدرة والتأثير من خلال ما لدينا من علاقات اقتصادية متطورة مع الولاياتالمتحدة الأميركية، في مجال تصدير البترول واستيراد التقنية، علماً بأن الوقت يعمل في صالحنا نظراً للظروف الاقتصادية التي تمر بها الولاياتالمتحدة الأميركية بسبب الأزمة المالية التي تعرضت لها خلال فترة رئاسة جورج دبليو بوش. إن الاستفادة من المواطنين الأميركيين الذين لهم علاقات مع الجامعات ومراكز الأبحاث السعودية، وكذلك ممن عملوا في المؤسسات السعودية المختلفة، خصوصاً أرامكو في تطوير ما يسمى بجماعات الضغط (Lobbyist) لتكون نواة لمشروع طويل ومستمر لهذه الجماعات، لهي أمر حيوي وضروري، لما لهذا المشروع من فائدة كبيرة جداً ستظهر آثارها السياسية على المدى الطويل، وتكون نافذة مؤثرة للسياسة السعودية في الولاياتالمتحدة الأميركية، وتحفظ مصالح الشعبين والحكومتين، علماً بأن مشروع خلق جماعات ضغط في السياسة الأميركية هو أمر متاح وشرعي، في التعامل السياسي مع الولاياتالمتحدة الأميركية. أتذكر أنني قرأت عن مالكوم أكس، الأسود المسلم الذي ذاع صيته في الولاياتالمتحدة، في أواخر الخمسينات، وحتى اغتياله عام 1965، في نيويورك، كيف أنه عندما زار المملكة العربية السعودية عام 1963م حاجاً، وقابل الملك فيصل يرحمه الله، وكان في ذلك الحين ولياً للعهد، تأثر بتلك الزيارة، وأشاد بالمملكة وشعبها وحسن ضيافتها له، وهو ما لمسته في كل مقابلة لمن عمل في المملكة العربية السعودية من الأميركيين أو زارها، حتى أنني تحدثت مع سيدة أميركية بالصدفة في القطار من مطار أتلانتا الدولي إلى قلب المدينة، وعرفت أنني من السعودية، وذكرت لي أنها عملت في المملكة مدة ستة شهور في الظهران، وتتحدث عن كرم الضيافة لدينا، ولذلك أعتقد بأن الاستفادة واجبة ممن عمل أو زار المملكة في التواصل معهم وخلق نوع من نواة لفكرة جماعات ضغط في الولاياتالمتحدة. إن الاستفادة من وجود آلاف الطلبة المبتعثين على برنامج خادم الحرمين الشريفين، في الولاياتالمتحدة الأميركية، في تغيير الصورة أمر حيوي، وأعتقد بأن وكالة وزارة التعليم العالي للابتعاث الخارجي لم تغفل عن هذا الأمر، حيث أدركت ما له من انعكاسات إيجابية على السياسة وتطوير العلاقات بين البلدين، وخدمة مصالحهما المشتركة وخلق نوع من الفهم المشترك بينهما، وتأسيس لأرضية لحوار بين الثقافتين السعودية والأميركية، إضافة إلى الجانب العلمي والتحصيلي بالنسبة للطلبة. لذلك أعتقد بأن وجود تنسيق بين الجهات المختلفة من الجامعات ومراكز الأبحاث ووكالة وزارة التعليم العالي للابتعاث، وأرامكو، والسفارة السعودية، والمؤسسات الأخرى ذات العلاقة أمر مهم وحيوي، للاستفادة من المتعاطفين والمتفهمين للسعودية ثقافة وسياسة من الأميركيين. أظهر التواصل والاحتكاك مع الآخرين سواء كان علمياً أو ثقافياً أو سياسياً، ورسمياً أو غير رسمي، أهميته في بناء أرضية جيدة للحوار مع الأميركيين، وهو ما بدأنا نلمسه في تعاملهم معنا في المطارات في الفترة الأخيرة. والسؤال المطروح هو: متى نرى اللوبي السعودي المؤثر في الكونغرس والرأي العام الأميركيين؟ * أكاديمي سعودي.