أقر الثوار الليبيون أمس بأنهم ما زالوا على أبواب مدينة البريقة النفطية الاستراتيجية في شرق البلاد، بعد يوم من تأكيد حكومة العقيد معمر القذافي أن قواتها ما زالت تسيطر على المدينة بعدما أوقعت خسائر ضخمة في صفوف المهاجمين. لكن الثوار أكدوا أمس مجدداً أنهم مستعدون للتقدم قريباً جداً ليس فقط على جبهة البريقة، بل أيضاً على جبهة زليتن بين مصراتة والعاصمة طرابلس. وأفيد أن طائرات حلف «الناتو» قصفت أمس تعزيزات لقوات القذافي كانت تتجه إلى البريقة. وتزامنت هذه التطورات الميدانية مع تأكيد الولاياتالمتحدة أن مسؤولين في إدارة الرئيس باراك أوباما التقوا مسؤولين في حكومة القذافي بهدف نقل «رسالة واضحة» مفادها أن على القذافي التنحي. وأكد مسؤول فرنسي كبير بدء «العد العكسي» لانتهاء حكم القذافي. ونقل تلفزيون ليبيا التابع للثوارعن العقيد أحمد باني، الناطق العسكري باسم قوات المعارضة في بنغازي، عاصمة الشرق الليبي، «إن الثوار يتمركزون حالياً على بعد 9 كيلومترات من بلدة البريقة»، مُقراً بذلك أن مزاعمهم عن دخولها ليست دقيقة. ونقل التلفزيون أيضاً عن المسؤول الكبير في قيادة الثوار أن «الكتائب (الموالية للقذافي) قد تستخدم الغزات السامة للحلولة دون سقوط البريقة». لكن التلفزيون نقل في الوقت ذاته عن «وكالة أنباء التضامن» التابعة للمعارضة ان «المناوشات تواصلت بين الثوار وكتائب القذافي في البريقة ... (هناك) أنباء عن تمركز قوات القذافي عند بوابة مدخل المدينة السكنية الأولى، أما الثوار فيقومون بتمشيط مدينة البريقة وسط حذر شديد من الألغام التي زرعتها الكتائب». وتنقسم البريقة إلى أجزاء مختلفة، بينها مواقع نفطية وأخرى سكنية. وذكرت وكالة أسوشيتد برس أن قوات القذافي قتلت أمس ثمانية من الثوار وجرحت العشرات قررب البريقة. وكان الثوار أكدوا الإثنين سيطرتهم على المدينة التي تضم منشآت نفطية استراتيجية بعد أيام عدة من المعارك. وأعلن شمس الدين عبدالمولى الناطق باسم الثوارلوكالة «فرانس برس» أن «القسم الأكبر من قوات القذافي انسحب إلى راس لانوف» على بعد نحو خمسين كلم غرب البريقة، موضحاً انه يبقى 150 إلى 200 من الموالين للنظام عالقين في الموقع النفطي. وأوضح عبدالمولى أيضاً لوكالة «رويترز» أن الألغام تملأ شوارع البريقة ما يجعل من الصعب السيطرة عليها بشكل كامل. وأضاف في مكالمة هاتفية من بنغازي إن الجزء الرئيسي من قوات القذافي تراجع إلى راس لانوف الواقعة إلى الغرب. لكن الناطق باسم النظام موسى إبراهيم أكد مساء الاثنين أن «البريقة لا تزال بالكامل تحت سيطرة قواتنا بمساعدة القبائل والمتطوعين، وكل ما أعلنه المجلس الوطني الانتقالي المزعوم كذب ومعلومات غير صحيحة». والمجلس الانتقالي هو الهيئة السياسية للثوار. وأضاف أن «البريقة هي مستقبل ليبيا وثروة هذا البلد. ابقاؤها تحت سيطرتنا مسألة حياة أو موت»، مؤكداً أن الثوار «حاولوا استعادة المدينة ولكن تم صدهم وخسروا في المعركة أكثر من 500 من رجالهم». وفي محاولة للرد على مزاعم المعارضة، عرض التلفزيون الليبي مشاهد قال إنها التقطت الإثنين عن الحياة في البريقة وأظهرت طلبة وهم يخضعون لاختبار وعمالاً في محطة للغاز الطبيعي. وبثت وكالة الجماهيرية الرسمية تقريراً عن تشييع ضباط كبار في القوات الحكومية قُتلوا في البريقة. وتعذّر على وكالة «فرانس برس» التحقق صباح الثلثاء من تأكيدات المعسكرين حول هذه النقطة. والسيطرة على البريقة الواقعة على بعد 800 كلم شرق طرابلس و240 كلم جنوب غربي بنغازي، معقل الثوار، ستمثّل نصراً كبيراً للثوار وستتيح لهم السيطرة على البنى التحتية، وخصوصاً النفطية منها، التي تعتبر حيوية لمستقبل البلاد الاقتصادي. وبالنسبة إلى الوضع على الجبهة الغربية حول مدينة مصراتة، ذكرت «وكالة أنباء التضامن» أنه «بعد أيام من تنظيم الصفوف وتأمين منطقة الدافنية بالكامل، يستعد ثوار مصراتة للتقدم غرباً نحو مدينة زليتن في أقرب فرصة سانحة لهم». والدافنية أقرب بلدة إلى زليتن لجهة الشرق، وكانت على مدى أسابيع خط الجبهة الذي توقف عنده الثوار في تقدمهم غرباً لدخول زليتن. وإذا ما تمكنوا فعلاً من دخول هذه المدينة فإن الطريق ستكون مفتوحة أمامهم للزحف غرباً في اتجاه طرابلس. كذلك أفادت معلومات الثوار في مصراتة أنهم تقدموا في الوقت ذاته نحو ضاحية تاورغاء التي تحد مصراتة على الطريق شرقاً نحو خليج سرت. وذكرت «فرانس برس» أن حلف شمال الأطلسي سمح الثلثاء لوفد يضم مسؤولين من بنغازي بالمجيء بطائرة الى غرب ليبيا على رغم الحصار الجوي المطبق. ورفض العقيد جمعة ابراهيم المسؤول في المجلس العسكري في الزنتان، تحديد من هم هؤلاء الاشخاص. وأوضح أن هذه الاستثناءات التي يمنحها الحلف الأطلسي «لا تتعلق بمدنيين، هي فقط لبضعة أشخاص مهمين». وهبطت طائرة الثوار في مطار مصراتة لتكون بذلك أول طائرة تهبط هناك منذ شهور. وتستعد قوات الثوار في غضون ذلك للمعركة المقبلة في القواليش (الجبل الغربي)، بحسب ما صرح الضابط مختار الأخضر. وقال: «نستعد للمعركة. نأمل (حصولها) قبل شهر رمضان (في اب/اغسطس) إن شاء الله»، من دون ان يستبعد مع ذلك إمكان أن تحصل خلال هذا الشهر. وأضاف هذا المسؤول: «ننتظر الأمر من بنغازي (المقر العام للثوار). حتى الآن وفي كل المدن التي استولينا عليها نبقى لتنظيم قواتنا، إننا نأخذ وقتنا لانهاء ذلك. ننتظر الإذن وخطة (المعركة) من بنغازي». من جهته، أعلن الحلف الأطلسي الثلثاء أنه قام الاثنين ب 129 طلعة أصاب خلالها نحو عشر آليات مسلحة في محيط البريقة. وفي ضواحي طرابلس، أصاب الحلف قطعة مدفعية وراداراً وقاذفة صواريخ، إضافة إلى ست قطع مدفعية قرب مصراتة. وعلى خط مواز، تتكثف الاتصالات الديبلوماسية الرامية إلى حلحلة النزاع الليبي، في اتجاهات عدة. فقد التقى مسؤولون كبار في وزارة الخارجية الأميركية السبت الماضي مسؤولين في نظام القذافي في تونس بهدف حض الزعيم الليبي على التخلي عن السلطة، بحسب ما أعلن مسؤول أميركي رفض كشف هويته. وأكد ناطق باسم حكومة طرابلس حصول المحادثات وقال إنها «مرحلة أولى من الحوار» مع الأميركيين. إلا أن الأميركيين أعلنوا، على العكس، أن لقاء جديداً غير متوقع لأنه «تم توجيه الرسالة» وأن ما حصل «ليس مفاوضات». وأفيد أن الوفد الأميركي الذي التقى الليبيين ضم نائب وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى جيفري فيلتمان والسفير الليبي في ليبيا جين كيرتز الذي غادر منصبه في طرابلس قبل اندلاع الأزمة الحالية. ورفض الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون التعقيب على الاجتماع الليبي - الأميركي، لكنه قال إن الأممالمتحدة تقوم بدور محوري في خطوات تعرض على القذافي خططاً لتنحيه. وصرح إلى «رويترز» في جنيف أمس: «هناك العديد من الأطراف والأممالمتحدة تقوم بدور تنسيقي. مبعوثي الخاص يقوم بدور تنسيقي محوري». وكان يشير إلى مبعوثه عبدالإله الخطيب الذي شارك في اجتماع عقدته مجموعة الاتصال الدولية حول ليبيا في اسطنبول واتفقت خلاله على خريطة طريق يتنازل بموجبها القذافي عن السلطة وترسم مساراً لانتقال ليبيا إلى الديموقراطية. وتم تفويض الخطيب - وهو وزير خارجية أردني سابق - بأن يعرض على القذافي خططاً لترك السلطة. وفي هانوفر (رويترز)، قال الرئيس الروسي ديمتري مدفيديف أمس إنه يعتقد أن التوصل إلى حل وسط بين المعارضة الليبية والحكومة ما زال ممكناً، مضيفاً أن مساندة جانب واحد في الصراع لن يكون في مصلحة ليبيا. وتابع في مؤتمر صحافي مشترك مع المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل: «يجب أن نواصل البحث عن فرص التوصل لحل سلمي... سنستمر في البحث عن حل وسط. في اعتقادي هذا أمر ممكن تحقيقه». وسيستقبل وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف نظيره الليبي عبدالعاطي عبيدي في موسكو اليوم «بناء على طلب الجانب الليبي»، بحسب ما قالت مصادر رسمية روسية. وذكرت وكالة ايتار-تاس الروسية الرسمية للأنباء أن الرجلين سيبحثان خصوصاً في دور وساطة الاتحاد الأفريقي في النزاع. وفي باريس، اعتبر وزير الدفاع الفرنسي جيرار لونغيه في مقابلة مع شبكة «فرانس 2» الثلثاء أن «العد العكسي بدأ» لرحيل معمر القذافي. وصرح لونغيه في المقابلة: «أعتقد فعلاً أن العد العكسي بدأ وأن الأمور في مثل هذه العملية يمكن أن تتسارع أكثر مما كان متوقعاً». وأضاف: «إلا أنني التزم الحذر الشديد لأن (معمر) القذافي ليس منطقياً ويمكن أن يعتمد استراتيجية الخنادق ويتخذ من سكان طرابلس المدنيين رهائن». واعتبر أن الأمور تتطور «لأن الرأي العام الليبي بمختلف أطيافه على اقتناع تام اليوم بأن القذافي لم يعد يمثل الحل من أجل المستقبل».