تتوزع المخاوف الاردنية في تعاملها مع الاحداث لدى الجار الشمالي، سورية، على الجانبين الأمني والاقتصادي. فالأجهزة السياسية والأمنية عينها على وقع الاحداث ووتيرتها اليومية، فيما يرصد رجال المال والاقتصاد الاضرار الناتجة عن الشلل في حركة التبادل التجاري وعبور الشاحنات على جانبي الحدود. عند اندلاع الاحتجاجات في سورية كانت الحكومة الاردنية تسعى إلى هدفين: الأول ضبط الحدود بالاتجاهين لمنع أي تدخل فردي أو شعبي من الجانب الاردني في الاحداث، والثاني منع أي تواصل للمعارضة السورية خصوصاً من جماعة «الاخوان المسلمين» السوريين المقيمين في عمان. في الشق الاول تفاعل افراد اردنيون مع انطلاق الاحتجاجات في سورية نتيجة علاقات الجيرة والمصاهرة، وأعلن المئات عن تضامنهم مع «جيرانهم» وتم تنظيم بعض الفعاليات التضامنية بين الرمثا الاردنية ودرعا السورية، لكن النشاطات توقفت بعد ان دخلت على الخط تيارات دينية، خصوصاً «حزب التحرير» الاسلامي المحظور والذي تصدى له الأهالي. النظام الاردني يريد جاراً هادئاً، إذ ملّ من الهجرات والحروب على حدوده، وحاول الابتعاد عن «شبهات» قد تزعج الجيران، خصوصاً بعدما وجّه الاعلام السوري الرسمي الاتهام إلى «اياد اردنية وعمليات تهريب السلاح عبر الحدود» الامر الذي ادى إلى تواصل بين الجانبين لتفادي توسع «شقة الخلاف». العاهل الاردني الملك عبدالله الثاني وجّه نصائح إلى الرئيس بشار الاسد وحاول ان يلعب دوراً في لقائه الاخير مع الرئيس باراك اوباما لصالح «إعادة تأهيل النظام» الا ان الاحداث على الارض تجاوزت المحاولات الاردنية، التي ما زالت متحفظة وخائفة من المستقبل. أما على صعيد الرأي العام ووسائل الاعلام المؤثرة، فيلاحظ ان معظمها يناهض الموقف السوري الرسمي، وهناك نخب في اوساط المثقفين والحزبيين ما زالت تعتقد بوجود «مؤامرة على سورية» من اجل فك علاقتها «بجبهة المانعة». وحدها جماعة «الاخوان المسلمين» الاردنيين لديها تصعيد شبه يومي ضد النظام السوري و»مجازره وجرائمه» لكن الاحتجاجات امام السفارة السورية ما زالت خجولة لم تزد في أحسن الاحوال عن بضع مئات من المشاركين. وعلى الصعيد الاقتصادي رصدت الاجهزة الاردنية ضغوطاً على الدينار الاردني في الايام الاولى للاحداث نتيجة عمليات شراء للدولار والتي وصلت إلى 600 مليون دولار، لكنها تراجعت كثيرا بسبب انعدام حركة المسافرين والشاحنات. لكن مدير جمعية البنوك عدلي قندح اكد ان التأثير سببه الاوضاع في الاقليم عموماً، مشيراً الى «ارتفاع الودائع بالدينار فيما تستمر عمليات التحويل المالي بشكل طبيعي» ويؤكد عدم وجود مشكلة للبنوك الاردنية العاملة في سورية. وتعتبر الحدود السورية حلقة وصل بين الاردن وكل من الاسواق اللبنانية والتركية وحتى بعض دول اوروبا الشرقية اضافة إلى دول الخليج، فيما تعتبر السوق السورية مهمة للكثير من السلع الزراعية والصناعية. وتوقفت حركة النقل تماماً من وإلى تركيا على رغم انها حركة سلبية للصادرات الاردنية لضخامة حجم الاستيراد الاردني من تركيا، خصوصاً الانابيب الضخمة واكسسوارتها المستعملة في مشروع جر مياه الديسي من الجنوب إلى عمان، وهو مشروع اردني ضخم انجز منه اكثر من 60 في المئة، وكذلك توقف حركة الصادرات والواردات مع لبنان. ويعتقد رئيس اللجنة المالية والاقتصادية في مجلس النواب النائب ايمن المجالي ان الاحداث في سورية لها انعكاس سلبي كبيرعلى الاقتصاد الاردني خصوصاً على السكان في شمال البلاد المرتبطين بعلاقات تجارية كبيرة مع سورية، وكذلك توقف حركة التبادل التجاري والخوف من نزوح جماعي. لكنه يرى ان الايجابية الوحيدة للأحداث قد تتمثل في امكان انتقال رؤوس اموال واستثمارات من سورية الى الاردن. وحسب الاحصاءات الرسمية فإن الصادرات والواردات من وإلى سورية كانت قبل الاحداث في ازدياد مستمر. ففي الربع الاول من العام الجاري بلغت الصادرات 84 مليون دينار مقارنة مع 68.6 مليون دينار في الربع الاول من عام 2010 وبنسبة ارتفاع 22.5 في المئة، فيما بلغ حجم الواردات الاردنية من سورية في الربع الاول من العام الجاري نحو 65.3 مليون دينار مقارنة مع 54.5 مليون دينار للربع الاول من عام 2010 وبنسبة ارتفاع 20 في المئة. وبلغ مجمل التبادل التجاري بين البلدين في الربع الاول من العام الحالي 149.3 مليون دينار مقارنة مع حوالي 123 مليون دينار للربع الاول من عام 2010 وبنسبة ارتفاع 21.3 في المئة. وأدت الاحداث إلى ضرر محلي كبير للسكان الاردنيين المجاورين لمدينة درعا السورية بسبب توقف تجارة «الشنطة» التي يمارسها الافراد على جانبي الحدود والذين يسمون «البحارة» وكذلك تضرر اصحاب سيارات الركاب والشاحنات. وجعل التطور المتسارع للأحداث في سورية الحدود الاردنية - السورية شبه مغلقة يومياً نتيجة تزايد المخاوف الامنية من قبل الطرفين اللذين باتا يمارسان رقابة صارمة على الحدود وحركة المسافرين والشاحنات.