لم يقفلْ البرّ السوري أمام حركة الترانزيت اللبنانية، لكن هذه الحركة تراجعت بنسبة 50 في المئة عبره بفعل عوامل تتصل بما تشهده سورية من عنف واضطرابات، من دون أن يعني ذلك توقف حركة التصدير عموماً. إذ دفعت هذه التطورات بشركات نقل متخصصة وسائقين إلى الإحجام عن سلوك الطريق البرية خوفاً من أي طارئ أمني يعرّض البضائع والسائق للخطر، وتفضيل المستورد تسلّم بضائعه عبر البحر. ولم يقتصر التأثير على عامل التراجع، بل انسحب على ارتفاع تكاليف عمليات الشحن المستمرة في سلوك البرّ بنسبة 30 في المئة تتمثل بكلفة التأمين وإجرة النقل. وكان بديل البرّ الشحن بحراً، لكن بكلفة أعلى تتراوح بين 30 و50 في المئة بحسب الوجهة. وانعكست الحوادث انخفاضاً في حركة التصدير إلى سورية، بسبب تراجع الطلب بنسبة 60 في المئة، وشملت الصادرات الصناعية والزراعية. وحذّر معنيون بالقطاع الزراعي من أن تتضرر المواسم المقبلة، في وقت يرصد المسؤولون هذه المشكلة إذ أشارت أوساط رسمية إلى مساع تُبذل لفتح أسواق جديدة لتصريف الإنتاج إلى تركيا والعراق وإيران. وكانت الخطوة الأولى إعلان بغداد فتح أسواقها للحمضيات اللبنانية. أعلن رئيس جمعية الصناعيين اللبنانيين نعمت افرام في تصريح الى «الحياة»، أن انعكاس الوضع في سورية على حركة تصدير المنتجات اللبنانية «لم يكن كبيراً». وأشار إلى أن «الصادرات اللبنانية إلى الأسواق السورية تشكل نسبة 5 في المئة من الحجم الإجمالي للصادرات، وتراجعت بسبب الحوادث إلى 3 في المئة، إذ كان لبنان يصدر بقيمة 200 مليون دولار، تراجعت إلى مئة مليون عام 2011». ولم يغفل أن حركة التصدير «توقفت لفترة لدى صدور قرار منع التعامل بالدولار، لكن الأوضاع عادت إلى طبيعتها، ويجرى حالياً تسديد ثمن البضائع بالدولار واليورو». وعلى رغم ما يحصل، يبقى الخط البري الذي تسلكه حركة الترانزيت، «مفتوحاً»، وفق افرام، لافتاً إلى أن «35 في المئة من حركة التصدير تمرّ عبر سورية». وقال: «لا تزال الطريق سالكة ولا معوقات كبيرة حتى الآن باستثناء ارتفاع تكاليف الشحن والتأمين بسبب ارتفاع منسوب الأخطار». وكشف أن «هذه الشاحنات تواكبها أجهزة أمنية لحمايتها». وأعلن رئيس مركز الصادرات الصناعية خالد فرشوخ، أن حركة الترانزيت عبر سورية «انخفضت بنسبة 50 في المئة، إذ كانت تعبر 300 شاحنة يومياً قبل اندلاع الأحداث وتراجعت إلى 150 شاحنة حالياً». وأوضح أن شركات متخصصة وسائقين «باتوا يرفضون العبور، كما أن المستوردين باتوا يشترطون على المصدرين شحن البضائع بحراً تفادياً لأي حادث يمكن أن يتسبّب لهم بخسائر». وأشار فرشوخ إلى «زيادة كلفة الشحن براً بنسبة 30 في المئة، فضلاً عن رفع قيمة التأمين بسبب الأخطار المحتملة». ولفت إلى أن «الكلفة الإضافية على الشحن بحراً تتراوح بين 20 في المئة و50 في المئة بحسب الوجهة». وأكد أن حركة التصدير «لم تتراجع إلى الدول العربية كما أنها لم تنمُ بالمعدلات المسجلة في السنوات الماضية، إذ كانت تسجل نسبة 20 في المئة سنوياً». وأوضح أن الزيادة المحققة والبالغة 6 في المئة «تنحصر فقط في قطاع المجوهرات والمصوغات الذهبية». الطلب السوري وأفضت أحداث سورية إلى تراجع الطلب في سوقها الاستهلاكية، إذ لفت فرشوخ إلى أن «الطلب تراجع بنسبة 60 في المئة العام الماضي في مقابل الصادرات عام 2010». وأشار إلى أن لبنان «كان يصدر بقيمة تتراوح بين 250 مليون دولار و300 مليون وتبلغ حالياً 120 مليوناً». وأوضح أن الطلب في السوق السورية «سجل مزيداً من التراجع في الربع الأول من السنة». وأكد فرشوخ، أن على رغم التراجع في حركة التصدير براً عبر سورية فهي «لا تزال تسلك من دون معوقات أو مشاكل»، لكن لفت إلى «عمليات التفتيش المتشددة على الحدود بين لبنان وسورية وكذلك على الجهة الأردنية، التي تؤخر وصول الشحنة بين ثلاثة أيام وخمسة، ما خفّض عدد الشاحنات التي تدخل البر السوري يومياً إلى 50 فقط». وأعلن رئيس لجنة الزراعة في غرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت وجبل لبنان رفلة دبانة، أن «نسبة تراجع حركة تصدير المنتجات الزراعية إلى الدول العربية بلغت 15 في المئة، بسبب خوف المصدرين وسائقي الشاحنات من أخطار محتملة على الطريق. كما أن غالبية السائقين هم سوريون وبعد إقفال السفارة السعودية في دمشق باتوا مضطرين إلى الاستحصال على تأشيرات من القنصلية في بيروت، وبما أن عددهم كبير بات الحصول على التأشيرات يأخذ وقتاً طويلاً، كما يجب تكرار هذه العملية شهرياً لأن التأشيرات القصيرة الأمد تعطى لشهر واحد فقط». لذا رأى ضرورة «المطالبة بإعطائها لستة أشهر مثلاً، توفيراً للوقت وإسراعاً في عمليات التصدير التي تزداد صعوبة يوماً بعد يوم». وأشار إلى أن «المواسم الزراعية قليلة في هذه الفترة من السنة، ما يجعل المشكلة غير بارزة حتى الآن»، لكن «ستتفاقم وتصبح كارثية في الأشهر المقبلة مع ازدياد كبير في كميات المنتجات الزراعية المعدّة للتصدير ونوعياتها». ولفت دبانه، إلى أن «انخفاض حركة التصدير براً انعكس زيادة في شحن البضائع بحراً، وكلفة الشحن إلى دول الخليج تقلّ عن تلك المسجلة إلى الأردن، إذ يُعاد نقلها من ميناء العقبة إلى عمّان براً». وأوضح أن حركة الشحن الجوي، «لا تزال تقتصر على بعض السلع (الخس والبازيلا والبامية والعنب...)، وهي ليست من الأصناف الأساسية من ناحية الكميات». وبالنسبة إلى تصدير المنتجات الزراعية إلى سورية، رصد دبانه «تراجعاً في حركة الصادرات إلى أسواقها بسبب انعدام الحركة السياحية وأخطار تحصيل ثمن المنتجات والانخفاض الكبير في سعر صرف العملة، إضافة إلى التدني الملموس في أسعار بيع هذه المنتجات بسبب ضعف القوة الشرائية عند المستهلك». أزمة الانتاج الزراعي وربط رئيس جمعية المزارعين اللبنانيين انطوان الحويك، ازمة الإنتاج الزراعي في لبنان ب «الوضع الداخلي في سورية وحركة الشحن عبرها، وبالانخفاض الملحوظ في حركة الاستهلاك الداخلي في السوق اللبنانية، التي تأثرت بالأحداث في سورية نتيجة تراجع الحركة السياحية عبرها والقدرة الشرائية لدى المواطن اللبناني». وأكد أن «التراجع في الاستهلاك الداخلي للمنتجات الزراعية بلغ نحو 40 في المئة، إذ بات المواطن يعتمد أولويات في سلة الغذاء مخفضاً موازنة استهلاك الخضر والفاكهة، بسبب ضعف قدرته الشرائية». وعزا الانخفاض في السوق الداخلية أيضاً إلى «تقلّص طلب المطاعم التي كانت تستهلك كميات كبيرة من الإنتاج الزراعي، نتيجة تراجع الحركة السياحية في لبنان بفعل أحداث سورية وعدم الاستقرار السياسي». وبذلك يعاني القطاع الزراعي أزمة «كبيرة»، لأن «معظم أسعار الجملة متدنية، ما يؤشر إلى ركود». ولفت الحويك، إلى «تأثير توقف الحركة التجارية البينية سواء كانت عبر تبادل شرعي أو عبر التهريب»، مشيراً إلى أن هذه الحركة «كانت تشكل 40 في المئة من الحركة التجارية الإجمالية في لبنان». كما تراجعت الصادرات الزراعية إلى السوق السورية، معلناً أن لبنان «صدّر إلى الأسواق السورية نحو 162 ألف طن من الخضر والفاكهة عام 2010، وتراجعت إلى 108 آلاف طن العام الماضي، أي بنسبة 43 في المئة». وربط عاملاً آخر سبّب الانخفاض في الكميات المصدرة يتمثل ب «تراجع تصدير الموز اللبناني، من 89 ألف طن عام 2010 إلى 35 ألفاً العام الماضي، اي بتراحع 55 ألف طن، فانخفضت صادرات الموز الى سورية من 30 الف طن في كانون الاول (ديسمبر) عام 2010 الى 8300 طن في الشهر ذاته من العام الماضي، ومن 19 ألفاً في كانون الثاني (يناير) عام 2011 الى تسعة آلاف طن في الشهر ذاته من هذه السنة، ما سبب مشكلة في قطاع الموز، الذي نما في السنوات الاخيرة لتلبية طلب السوق السورية». لكن أوضح أن التصدير إليها «تراجع بعد خفض الرسوم على الموز المستورد الى سورية من الدول الاستوائية وتراجع قيمة صرف الليرة السورية». وأعلن أن لبنان «ينتج نحو 180 ألف طن من الموز سنوياً ويتميّز عن الإنتاج الأفريقي والآسيوي، بأنه شبه عضوي ويمكن تصديره بسهولة إلى الأسواق الأوروبية بأسعار مرتفعة في حال أُعطي شهادات على انه عضوي، لكن أحداً لا يرغب في السير في هذا المشروع». وقال: «أدى تراجع تصدير الموز الى مضاعفة الكميات المطروحة في السوق المحلية فتدنت الاسعار، ما شكل منافسة لقطاعات الفاكهة الاخرى كالتفاح والحمضيات التي تراجعت مبيعاتها وأسعارها في السوق». وأكد الحويك، أن «الصادرات الزراعية إلى الدول العربية التي تشمل الحمضيات والبطاطا والتفاح استقرت عامي 2010 و2011، ويشكل التصدير إليها نسبة 95 في المئة من الإجمالي». ولفت إلى أن «الكميات المصدرة عام 2010 بلغت 540 ألف طن وتراجعت إلى 470 ألفاً عام 2011 بسبب انخفاض تصدير الموز، وارتفاع كلفة الشحن بسبب أخطار المرور عبر سورية».