نشأت المغنية وعازفة العود الكندية اللبنانية لميا يارد (37 سنة) في صغرها على ترانيم الموسيقى المشرقية التي كانت تسمعها في محيطها العائلي. وتسنى لها خلال إقامتها في لبنان بين عامي 2009 و2013 إجراء دراسة موسيقية مستوحاة من عصر النهضة، والتقت أثناءها بعض عازفي الموسيقى الكلاسيكية أمثال مصطفى سعيد ودالين جبور. وسرعان ما أنشأت مع الأخيرة في بيروت فرقة «ميال» وغنت معها في حفلة موسيقية في «زيكو هاوس» ضمت حينها جاد صليبا (عود) وعبد قبيسي (بزق) وناجي العريضي (إيقاع)، وقدمت خلالها باقات مشرقية ووصلات مقامية مستوحاة من مصر وبلاد الشام وتركيا. ولدى عودتها إلى مونتريال حصلت يارد على منحة كندية لمتابعة دراسة الموسيقى في بلجيكا. واجتمعت بالفنان السوري خالد الحافظ الذي عمل على تعميق أبحاثها في الموسيقى المشرقية والموشحات والترانيم العثمانية. تستوحي يارد كما تقول ل «الحياة» ذخيرتها الموسيقية من مصادر العصر العثماني. وتستكشف القصائد والموشحات مثل «موشح قمر وبلبل في الروض» من الخزائن العربية الكلاسيكية والأغاني السفاردية واليونانية من الترات التركي لآسيا الصغرى». وتصف موسيقاها بأنها «باطنية وعلمية (Musique Savante) وأنها شكل من أشكال التعبير لا يمكن العثور عليه في مكان آخر». وهي تتميز بالأصالة والحب والعاطفة والارتجال والتطريزات الصوتية والموشحات الشعبية التي تجول في أسواق حلب القديمة وأروقة القاهرة وحدائق قصر الحمراء والتي ما زالت أصداؤها تتردد في المهرجانات العربية والمشرقية». وترى يارد أن اختيارها للموسيقى التراثية ناجم عن تفاعل وتناغم هذه الخلطة السحرية بين الموسيقى السريانية والعثمانية والأرمينية والعربية واليهودية». وفي هذا السياق تستغرب الناقدة الفنية في «راديو كندا الدولي» ماريس جوبين ما دفع لميا يارد معالجة التدليك، إلى هذا التحول نحو الموسيقى العثمانية الكلاسيكية». وتطلق عليها لقب «المغنية الصوفية». وتفسر يارد هذا التحول بأنه «عشق وحس لا يوصفان بهذه الموسيقى الغنية بالصور والألحان الدافئة التي تداعب الروح والجسد، وليس لها مثيل في موسيقانا المعاصرة على رغم تأثر بعض الملحنين العرب بأسلوبها وأنغامها». أسّست يارد فرقة «زمان» الموسيقيّة عام 2016. وتضم فنّانين عرباً وكنديّين من أصول مختلفة: لميا يارد (مغنية) ديديم باسار (قانون)، نزيه بوريش (عود)، زياد تشبات (ناي) ناثانيل هوارد (ريك-RIQQ) وجويل كير (كونتبارس). وتعود الفرقة، كما تقول يارد: «في كل حفلاتها إلى مصادر الأغاني التقليدية للموسيقى العربية والتركية في العصر العثماني وتنقل وتدمج التأثيرات الموسيقية من دون أي اعتبار للحدود اللغوية». وتقدم إلى ذلك تراتيل وترانيم من أصول سريانية وآرامية وحلبية وعثمانية ومزيجاً من أغانٍ وموسيقى وموشحات بيزنطية ويونانية يؤديها عمالقة الموسيقى المشرقية. تضيف: «في كل مشهد موسيقي تقدم الفرقة ليلة من ليالي العصر العثماني. وتنقل الجمهور في رحلة فنية تاريخية تمتد من حلب إلى إسطنبول وتقدم له باقات من الألحان الصوفية والتركية والسريانية والعربية واليهودية والموشحات الأندلسية». تود يارد العودة إلى لبنان وتعمل حالياً على «توسيع فرقة زمان، وعلى إقامة تجمع لفنانين عرب في مونتريال، وبناء مشروع موسيقي مشرقي معاصر قابل للعيش في خضم الموسيقى المعاصرة، ما دام هناك من يعشق ويطرب ويأنس لسماع موسيقى زمان التي لا تزال تصدح في العديد من العواصم المشرقية والعربية والكندية». وفي هذا الصدد تنشط «زمان» في إحياء عروض موسيقية تحت عنوان «قصص من المشرق» في العديد من المدن الكندية الفرنكوفونية والأنكلوفونية. ويتخلل بعضها وقفات شعرية باللغة الفرنسية بغية التفاعل مع أبعاد الحضارة المشرقية. وتخصص جزءاً من ريع حفلاتها لدعم بعض المؤسسات الإنسانية والعربية والسورية والكندية.