يؤكد مهرجان العالم العربي في مونتريال (تستمر فعالياته حتى 14 الجاري ) حضوره وتجدده وتألقه للعام الحادي عشر على التوالي، ليس كحدث فني يجمع الأصالة والتجدد والإبداع وحسب، وإنما كونه منتدى لحوار عالمي ممتع يطل على ألوان راقية من اطياف الموسيقى والرقص والغناء والفولكلور. ويتعاقب على مسارح المهرجان فنانون عرب وكنديون وأفارقة وهنود وأرمن وأوروبيون وأميركيون ويرتاده سنوياً اكثر من 200 الف مشاهد. افتتح المهرجان وسط حشد فني وثقافي وشعبي تحت شعار «ارابيتيد» (Arabitude ) تأكيداً على هويته وتصميمه على تغيير الصورة النمطية للعربي من خلال انفتاحه وتواصله وتفاعله مع فنون الآخرين. وتتضمن فعالياته اكثر من 30 عرضاً موسيقياً ومحاضرات وندوات فكرية وثقافية وفنية وعشرات المسرحيات والأفلام الوثائقية ومعارض الرسوم والصور. واستهل انشطته الفنية بعرض مميز على مسرح «استرال» لفرقة «دجماوي افريكا» (Djmawi Afrika) ذات الأصول الأفريقية - الجزائرية والمؤلفة من تسعة عازفين على آلات موسيقية تقليدية وحديثة (طبلة، ساكسفون، كلارينت، فيولون، غيتار وعود). وقدمت الفرقة لوحات من فسيسفاء الموسيقى المغاربية والغناوي والراب والشعبي والريغ الأفريقي والجاز والروك والبلوز. فألهبت نغماتها مشاعر الجمهور الذي كان يتمايل طرباً على وقع اغنياتها وألحانها السريعة ويواكبها بين الحين والآخر بموجات من التصفيق وصيحات الفرح والإعجاب. أما العروض الأخرى فتتوزع على العديد من صالات مونتريال ومسارحها وتقدم تحت عناوين متنوعة بعضها «أجساد راقصة» أشبه بمسرحية يتناوب على أدائها راقصون وراقصات اتراك وأميركيون على وقع موسيقى صاخبة. وبعضها الآخر «صيحات» وهي حوار موسيقي روحاني يزاوج بين الألحان الكلاسيكية الإيرانية وأنغام البلوز المعاصرة. و «بامبارا ترانس» وهي مغناة موسيقية منسوجة من ألحان عربية وأندلسية وأفرو لاتينية، تعالج مسائل الهجرة والاندماج في المغتربات. كما قدمت المسرحية الغنائية «ساحل القراصنة» التي تتآلف فيها الصورة والموسيقى وتكشف الستار عن مشاهد نادرة من تاريخ دول الخليج في ستينات القرن الماضي، اضافة الى منوعات غنائية وموسيقية هندية وإيرانية تضفي عليها ايقاعات الطبلة مسحة من الحب والخشوع، وصولاً الى ملحمة «العشق المقدس» التي تقدمها فرقة صوفية اميركية من تكساس ( الكاوبوي الصوفي ) بهدف كسر حواجز الأديان واللغات والثقافات. ويتعاقب كل من عازف البيانو وسيم سوبرة على تقديم وصلات من سمفونيات باخ والسوناتا الشرقية بالاشتراك مع المغنية الكندية سيانا ألان، والأخوين خليفة رامي وبشار في العزف على البيانو كمجددين في الموسيقى التقليدية، والمغنية السورية لينا شماميان التي تقدم باقات من المنوعات والألحان الأرمنية والسريانية وتوشحها بألوان من موسيقى الجاز. اما الفنون الفولكلورية فتتجلى في لقاء حميمي بين «الجيغ الكيبيكي» الشعبي والدبكة اللبنانية على خشبة واحدة ودخول الزجل لأول مرة الى مسارح الشمال الأميركي على يد زياد ملتقى الذي ارتقى به وحوله من لغة شعبية شفوية الى مستوى الأوبرا الغربية الحديثة . وأصدر مهرجان العالم العربي ومؤسسة «فيدس» الكندية كتاباً يؤرخ مجمل نشاطات المهرجان منذ نشأته وحتى اليوم ودوره الريادي في اطلاق اول مؤسسة فنية ثقافية اغترابية في الشمال الأميركي.