قد يكون وضع المصريين الاقتصادي سيئاً، وقد تكون رؤيتهم السياسية ضبابية، وقد يكونون غير راضين عن مستواهم المعيشي بعد الثورة، لكن الثورة أمدتهم بطاقة هائلة من التفاؤل بمستقبلهم. ليس هذا فقط، بل إن الغالبية العظمى منهم لا يريدون من رجال الدين سوى القيام بدور استشاري في حياتهم التي يحلمون بأن تسودها قيم ديموقراطية من خلال حكومة تمثلهم. نتائج الاستطلاع المثير الذي أجراه مركز «غالوب» للدراسات المعنية بالمسلمين بعنوان «مصر من ميدان التحرير إلى الديموقراطية»، وأعلنت نتائجه أمس في القاهرة، أعطت مؤشرات سياسية واجتماعية ونفسية غير متوقعة. تقول المديرة وكبيرة المحللين في المركز (أبو ظبي) السيدة داليا مجاهد أن مؤشر التفاؤل لدى المصريين ظل ينحدر من سيء لأسوأ في الاستطلاعات المماثلة التي أجريت قبل ثورة يناير. «رغم أن الغالبية قيمت نوعية حياتها الحالية تقويماً أقل من ذي قبل، إلا أن الغالبية أيضاً حملت قدراً غير مسبوق من التفاؤل تجاه مجريات الأمور والحياة في مصر في المستقبل». ويرتكز هذا التفاؤل على عامل مهم، وهو أن 83 في المئة ممن شاركوا في الاستطلاع قدموا شكلاً من أشكال الدعم للمتظاهرين ضد النظام السابق، في حين شارك فعلياً في التظاهرات نحو 11 في المئة، وهو ما يعني أن الأغلبية المطلقة أيدت الثورة. كما أن الموقف من المشاركة الفعلية في الحياة السياسية تغير 180 درجة عما كان عليه قبل الثورة. (90 في المئة تنوي التصويت في الانتخابات المقبلة، و91 في المئة تؤمن أن الانتخابات ستتسم بالصدقية والنزاهة وبعد سنوات من الحلم بالهجرة، قالت الغالبية أنها لن تفكر في الهجرة لأن المستقبل سيكون حتماً أفضل، رغم عدم الرضا عن المستوى الاقتصادي الحالي، وإن رأت 46 في المئة إن الاقتصاد بدأ يتحسن. وأكد 94 في المئة أنهم يثقون في الجيش، وبلغت نسبة الثقة في المحاكم والقضاء 80 في المئة، وكان نصيب الحكومة من الحالية من الثقة 66 في المئة. وعلى النقيض من هذه الثقة الواضحة والصريحة في الجهات المسؤولة، شابت رؤيتهم تجاه الساحة السياسية الكثير من عدم الوضوح. وكانت المفاجأة أن 15 في المئة فقط ممن استطلعت آراؤهم أيدوا جماعة «الإخوان المسلمين» سياسياً، في حين حصل كل من الحزب الوطني الديموقراطي وحزبي الوفد والوسط على عشرة وتسعة وخمسة في المئة من التأييد. وعلى عكس الشعور السائد حالياً بغلبة التأييد للتيارات الدينية، أكدت الغالبية أنها تفضل دوراً استشارياً لرجال الدين في شؤون حياتهم، مع التأكيد على أن الشريعة الإسلامية يجب أن تكون مصدراً، وليس الوحيد، للتشريع. ورغم معاناة المصريين من مشكلات كبرى في مجالات بالغة الحيوية من رعاية صحية وتوفير مسكن ملائم، إلا أن شغلهم الشاغل الحالي هو افتقاد الأمن. وقدم الاستطلاع الذي شمل ألف مواطن في شتى محافظات مصر يمثلون كل المستويات الاجتماعية والاقتصادية من الجنسين، عدداً من التوصيات للجانبين الأميركي والمصري أهمها ضرورة إيجاد حل سريع وحقيقي للصراع العربي -الإسرائيلي، مع قيام الولاياتالمتحدة بدعم المبادئ الديموقراطية في مصر بدلاً من دعم جهات أو تيارات أو جماعات بعينها. وقالت مجاهد أن نتائج هذه الاستطلاعات سترفع إلى الخارجية الأميركية، والبيت الأبيض، وهيئة المعونة الأميركية، وغيرها من الجهات الرسمية الأميركية. يشار إلى أن هذا الاستطلاع أجري في أواخر آذار (مارس) إلى أوائل نيسان (أبريل) الماضيين. يشار إلى أن «غالوب أبو ظبي» مركز بحثي تابع لمؤسسة «غالوب» لأبحاث الرأي العام الدولية.