عززت سلسلة تفجيرات ضربت كركوك المتنازع عليها بين العرب والتركمان والأكراد، وخلفت العشرات القتلى والجرحى، مخاوف عراقية ودولية من تحول المدينة الى بؤرة للنزاع، بعد الانسحاب الأميركي المقرر نهاية العام الحالي. وتحكم كركوك منذ عام 2003 معادلة سياسية وأمنية معقدة، ساهمت في تكريس الاضطراب الداخلي وأربكت سيناريوات الحل. وقتل أمس 27 شخصاً على الأقل وأصيب أكثر من ثمانين، معظمهم من الشرطة ثلاث تفجيرات متزامنة في مكان واحد قرب مكاتب حكومية ومرأب للسيارات تابع لمديرية الشرطة في كركوك. وقال مسؤولون أمنيون إن التفجير الأول كان عبوة ألصقت بسيارة أحد عناصر الشرطة، تبعه تفجير سيارتين مفخختين بفارق زمني بسيط في المكان ذاته. وشهدت كركوك خلال الشهور الماضية أعمال عنف وخطف متبادلة بين عرب وأكراد، محركها المباشر إطلاق معتقلات أو مخطوفات من الجانبين تبعتها مواجهات مفتوحة بين تركمان وعرب حول عائدية أراض زراعية. لكن التفجيرات الكبيرة بسيارات مفخخة أو عبوات وعمليات الاغتيال بكواتم الصوت لم تتوقف، وشهدت المدينة سلسلة عمليات خلال الشهور الأخيرة دعت أطرافاً سياسية كردية الى المطالبة ببقاء القوات الأميركية في المدينة التي استثنيت مع عدد من المناطق «المتنازع عليها» من الانسحاب الأميركي الذي تم منتصف عام 2010. وتدير بعثة الأممالمتحدة في كركوك حوارات تركز على الأمن في المدينة، في إطار حوارات عامة تتبناها المنظمة الدولية لضمان مستقبل المدينة. وتشير المصادر الى أن البعثة الدولية أقرب الى تبني خيار إعادة تشكيل القوى الأمنية، بما يضمن تمثيلاً متوازناً لمكوناتها، وهذا اقتراح طرحه التركمان وأيده عرب المدينة، فيما يفضل الأكراد الاحتفاظ بالتقسيم الأمني الحالي الذي أقر عام 2007 عبر قوة مشتركة من البيشمركة الكردية والجيش العراقي والقوات الأمنية. ودعا الشيخ برهان مزهر العاصي، العضو العربي في مجلس كركوك في تصريح إلى «الحياة»، حكومة بغداد إلى «توسيع دورها في كركوك من خلال الوجود والاهتمام بالأجهزة الأمنية». ويتسق مطلب تشكيل قوة أمنية محلية مع مطالبات عربية وكردية بتقسيم السلطة الأمنية والسياسية في المدينة بواقع 32 في المئة لكل من مكوناتها الثلاث متهمين الأكراد بتنفيذ سياسة «تكريد» واسعة النطاق منذ عام 2003 شملت السيطرة على القوى الأمنية والقرار الإداري والسياسي ويرفض الأكراد هذه التهمة، ويطالبون بالمضي في تطبيق المادة 140 من الدستور التي تنص على تطبيع الأوضاع وإنهاء سياسة التعريب السابقة وإجراء استفتاء على الانضمام الى إقليم كردستان. ولا يتيح الخلاف السياسي والعرقي في كركوك التي تضم أحد أهم حقول النفط العراقية التوصل الى آلية لضمان الأمن، وسط تنازع واضح بين القوى الأمنية الكردية وقوات الجيش العراقي المتمركزة في حدود المدينة الجنوبية، تتخلله احتكاكات في غياب مركزية القرار. في المقابل، يعتبر سياسيون معتدلون أن الاضطراب الأمني يقلل فرص التوصل الى حل دائم وشامل لقضية كركوك يضمن مصالح أبنائها. وعلى رغم محاولة تكتم الأطراف المختلفة في المدينة حول مواقفها النهائية من الانسحاب الأميركي فأنها تتفق كما يبدو على أن الانسحاب الأميركي، في ظل تصاعد التهديدات، قد يوقع المدينة في صراع عرقي واسع النطاق كاد يحدث في مناسبات مختلفة. وقال علي مهدي، العضو التركماني في مجلس كركوك في تصريح إلى «الحياة» إن «هناك ضعفاً في الأجهزة الأمنية الاستخباراتية في كركوك، وهي متعددة، ما يتطلب توحيدها وتدريبها في شكل مهني مع وجود دور أكبر للحكومة المركزية». وتابع إن «هذه الانفجارات أثبتت الإدارة المدنية والأجهزة غير قادرة على ضمان الأمن». وزاد إن وراء التفجيرات أسباب «سياسية تتعلق باقتراب موعد انسحاب القوات الأميركية»، ولفت إلى أن للمحافظة «لها وضعاً خاصاً، وهناك أطراف تريد خلق فتنة قومية بين أهلها». ويرى مراقبون أن استمرار العنف في كركوك يجعلها مبرراً قوياً لتمديد بقاء القوات الأميركية في العراق بعد عام 2011، ويطرح هؤلاء أسئلة عن هوية الأطراف التي تسعى الى إبقاء المدينة على حافة الهاوية في شكل دائم. وكان ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في العراق إد ميلكرت بحث مع مسؤولين في إقليم كردستان أول من أمس قضية الأمن في كركوك في نطاق حل أزمة المدينة.