عندما تخرجنا في الثانوية العامة بأواخر الثمانينات، كانت الخيارات أمامنا محدودة، صحيح أن الضغط لم يكن كبيراً مثل اليوم، لكن كان على خريجي المدن الصغرى شدّ الرحال إلى العاصمة أو المنطقة الغربية أو الشرقية للبحث عن فرص قبول جامعي أو عسكري، ومواصلة مسيرة الحياة. اليوم يرحل بعض الطلاب اختياراً وليس إجباراً لنحو ثلاثين وجهة إذا أرادوا، أو يبقوا في مدنهم ومحافظاتهم لأن طموح خادم الحرمين الشريفين كما نقرأه أن كل مدينة ومحافظة سيكون لها جامعتها، وجامعتها سيكون لها مستشفاها، ومستشفاها يكون له مركز أبحاثه، وهكذا دواليك. يوم أمس لم يكن تدشين حلم سعودي جديد فحسب، كان أشياء كثيرة، بدأت من الإرادة الملكية بإنشاء كيان عملاق، وتسميته بامرأة سعودية هي فخر لنا، وتخصيصه لإخواتنا وبناتنا لإدارته والدراسة فيه. رغم استقلالية الكليات والأقسام الجامعية قديماً في المباني والإدارات وفصول الدراسة، إلا أنها كانت بشكل أو بآخر تتبع عادة إحدى الجامعات، وحتى المستقلة تماماً لم تكن بالحجم الذي يجعلها تناكب الموجود من الجامعات الكبيرة. اليوم أقترح على الرجال أن يضعوا أيديهم على قلوبهم، فهذه الجامعة لن تؤرخ فقط لقفزة تنموية سعودية على صعيد بناء الإنسان، ولن تسجل فقط في تاريخ المعمار السعودي، ولن تكون مجرد حجر كريم في عقد الجامعات السعودية الذي كبر واتسع وسيواصل الالتفاف حول جيد هذا الوطن، إنها أيضاً ستكون بمثابة المعمل الذي سيثبت نظرية تفوق المرأة السعودية أكاديمياً وعلمياً على الرجل، وهو التفوق الذي شهدناه محلياً وعالمياً وخاصة في المجالين الطبي والبحثي. سنرى أكثر الطريقة النسائية في تطبيق أفكار الإدارة النسائية، وليس الطريقة النسائية في تنفيذ تعليمات الإدارة الرجالية، وهنا سيكمن فرق فكري سينعكس إيجاباً على مناحٍ اجتماعية، ومن ثم ثقافية، فاقتصادية، لتكون فكرة الاستثمار في بناء الإنسان مكتملة الإبداع ولها أفق مفتوح يفترض ألا يحده طموح. ستسير جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن، وستحمل بناتها مشاعل جديدة للأمل والعمل، وستكون رؤى القيادة دوماً محل تنفيذ وانجاز متقن، وسننتظر معاً نتاجها وثمرها على مجتمعنا. سننتظر جامعة الأميرة صيتة بنت عبدالعزيز، وجامعة الاميرة حصة السديري، وجامعات كثر تحمل أي من أسماء نساء شكلن القدوة والرمز، وصولاً إلى تسمية معاهد ومراكز أبحاث بأسماء عالمات سعوديات أو بأسماء من شكلن علامات فارقة في مسيرة العلم والتنمية والتقدم الفكري والإنساني، وسنحتفل جميعاً كل يوم بأن هذا الملك الشغوف بتقدم أمته وأبناء وطنه يرفع لبنة جديدة كلما همّ بمزيد من الحب والعطاء. بعد عقد ونيف من الزمن ستبدأ ابنتي رحلة البحث عن جامعتها، أثق أن الاختيارات ستعييها، وأنها ستختار من بين 100 جامعة سعودية على الأقل، معظمها يتنافس إبداعاً واستقلالاً وسمعة مهنية وعلمية. [email protected]